هل تتمكن الاتفاقات من ردم أنفاق الإرهاب؟
| عبد السلام حجاب
يبدو أنه في لحظة مفصلية تطغى فيه اللامبادئ في السياسة ويبقى التحسب ضرورة قائمة ولا سيما أن اتفاقات موسكو التي توصل إليها الوزير الأميركي كيري بعد محادثات ماراثونية يومي 14 و15 تموز الجاري مع الرئيس الروسي بوتين والوزير لافروف، بانتظار خطوات محددة يعكف على اعتمادها الاجتماع الثلاثي المقرر في جنيف لوفود رفيعة المستوى روسية أميركية أممية يمكن لها جعل الاجتماع محطة فارقة سواء على صعيد محاربة الإرهاب من دون انتقائية وبلا هوادة أم على صعيد استئناف العملية السياسية للحوار بين السوريين في جنيف بقيادة سورية ومن دون تدخل خارجي أو شروط استفزازية مسبقة أو أجندات إرهابية، وقال ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسية مستبقاً الاجتماع: «ننتظر من واشنطن المزيد من العمل لتنسيق حقيقي في مكافحة تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين»، وكان الوزير لافروف أعلن أمام نظيره البرتغالي «بأن الإرهاب ومن يغذيه خطر مشترك ويجب تكثيف الجهود لمحاربته»، ما يعني سياسياً ردم أنفاق الإرهاب ومشغليه لتجنيب الاتفاقات احتمال الاختراق أو الانهيار.
وعسكرياً استكمال العمليات التي يقوم بها الجيش العربي السوري بدعم شرعي روسي ومساندة الحلفاء والأصدقاء وهو ما يعني بالواقعية السياسية عقلنة البراغماتية الأميركية لخدمة الأمن والاستقرار الدولي كخطوة استباقية قبيل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني القادم.
ولعله، في ضوء ما قرأه المبعوث الدولي دي ميستورا لما يمكن أن يخرج به اجتماع جنيف الثلاثي من خطوات باتجاهات محددة، فإن حماسته لم تكن مفاجئة أو مستغربة إذ لوّح بأن تكون أوائل شهر آب المقبل موعداً لاستئناف العملية السياسية للمحادثات بين السوريين في جنيف، وإن كانت حماسة غير منفصلة عن سببين لا يجري تداولهما أو الحديث عنهما إلا للتهويل أو المناورة وهما:
1- تعطيل التداول بشأن موعد نهاية خدمته الذي يقترب أو قطعه للضرورة بالتحديد له بقرار من الأمين العام للأمم المتحدة.
2- ما يمكن للاتفاقات الروسية الأميركية أن تحدثه واقعياً من غطاء سياسي يحرره نسبياً من إيحاءات جيفري فيلتمان، المباشرة وغير المباشرة بصفته نائباً سياسياً لأمين عام المنظمة الدولية فيما يتعلق بالملف السوري، ولعل من يذكر المبعوث الإبراهيمي ومهمته في سورية يدرك جيداً أهداف المصطلحات التي دأب على الترويج لها مثل الصوملة والعرقنة واللبننة وعناوين الحرب الأهلية التي كانت على مقاس الأجندات الإرهابية التآمرية على سورية، ومخططاتها الافتراضية.
والسؤال هو إذا ما كان دي ميستورا يبقى في منطقة رمادية لا يملك مفاتيحها التشغيلية فيخدم عن قصد أو من دون قصد أنفاقاً للإرهاب سياسية في جنيف المنتظر، أم إنه سيقرأ جيداً حجم المتغيرات وإيقاعاتها السياسية في مواقف دولية ذهبت بعيداً في رهاناتها على الإرهاب المسلح والمعتدل وراحت تحصد مؤخراً جراء ذلك أشكالاً مختلفة من الهزات والانعكاسات والفشل؟
وقد أعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية جون كيربي: «أن المشاركين في الاجتماع الثلاثي الروسي الأميركي الأممي، سيبحثون في جنيف تعزيز وقف الأعمال القتالية في سورية وتنفيذ الخطوات التي توافق عليها الوزيران كيري ولافروف في موسكو لحل الأزمة في سورية، وأعلنت زاخاروفا الناطقة باسم الخارجية الروسية: «إننا سنعمل مع الأميركيين لزيادة فعالية التعاون على جميع الصعد الخاصة بتسوية الأزمة في سورية. وقالت الخارجية الروسية: «إن الالتزام بالاتفاقات الروسية الأميركية سيسمح بتحسين الوضع في سورية وإيجاد تسوية سياسية، ويمكن استنتاجاً قراءة المشهد السياسي الراهن وما يفترضه من تحولات وفق مؤشرات أبرزها:
1- إن العالم تغير ولن يعود إلى الوراء، رغم محاولات قوى الحرب والإرهاب في داخل أميركا وخارجها شيطنة روسيا والرئيس بوتين وفشل رهاناتها على التنظيمات الإرهابية لتحقيق مكاسب سياسية.
2- إن حركة أميركا السياسية والدبلوماسية تغيرت لضرورات تكتيكية منذ إعلان الرئيس الأميركي أوباما أن المعارضة في سورية هي فانتازيا. وثبوت فشل التجارب التي أرادت تبديل الأسماء تحت صفة المعارضة المعتدلة وتكفي الأميركيين دليلاً حركة نور الدين زنكي التي ذبحت الطفل الفلسطيني في مخيم حندرات عبد الله عيسى أمام كاميرات التصوير، ولن يكون سلوك غيرها من التنظيمات الإرهابية مختلفاً في ارتكاب الجرائم المقززة مثل أحرار الشام وجيش الإسلام وتنظيمات أخرى تحت عباءة النصرة الإرهابية.
3- بطلان المزاعم التي تستر وراءها وفد ما يسمى «معارضة الرياض» وما يقوم به رجب طيب أردوغان وحكام بني سعود ومشيخة قطر على قاعدة مصالح الكيان الإسرائيلي، وأصبحت مشكلتهم أن أميركا يصعب جرها إلى حرب وليست في وارد تحقيق أطماع آخرين على حساب مصالحها وإن كانوا في حلفها.
4- لم يعد من الجائز لدي ميستورا التعامل مع شروط لأجندات إرهابية مسبقة للعملية السياسية ولا سيما أن الفرص التي تذهب لن تعود بعد أن فتحت انتصارات الجيش العربي السوري بدعم الحلفاء والأصدقاء ممرات إجبارية لا مكان فيها لأنفاق سياسية سقطت ميدانياً في تدمر وفي ريف اللاذقية الشمالي ولن يكون آخرها في حلب وريفها.
وعليه، ليس مستغرباً أن يدعو النائب في البرلمان الفرنسي (إيف بوزو ودي بورغو) إلى تنسيق وتوحيد الجهود الدولية مع سورية وروسيا لمحاربة الإرهاب. وأن يطالب النائب جاك خيار بلاده فرنسا بإعادة الحوار مع سورية. فالإرهاب عدو مشترك.
وكانت الخارجية السورية أكدت في رسالة إلى المنظمة الدولية ومجلس الأمن أدانت فيها مجزرة المقاتلات الحربية الفرنسية التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين السوريين في إحدى القرى القريبة من منبج السورية بالقرب من الحدود مع تركيا. مشددة على أن من يرد محاربة الإرهاب بشكل جدي فما عليه إلا أن ينسق مع الحكومة السورية وجيشها الذي يقاتل الإرهاب في جميع أنحاء سورية.
قد يكون ممكناً أخذ اعتقاد الوزير كيري بجدية حيث أعرب عن اعتقاده في موسكو أمام الوزير لافروف «بأن موسكو وواشنطن تستطيعان فعل الكثير لحل الأزمات ولا سيما في سورية وأوكرانيا» لكن القطب المخفية تجعل حالة عدم الاطمئنان واقعاً- إذ تدرك أميركا أن توقف تركيا والسعودية وقطر عن دعم الإرهابيين يعني أن الجيش العربي السوري سيكسب بعدة أشهر المعركة مع الإرهاب وهو كسب يصب في مصلحة الأمن والاستقرار في العالم.
وأعرب الوزير لافروف عن أمله في أن تتخذ تركيا الإجراءات اللازمة كي لا تستخدم أراضيها لدعم الإرهابيين والحرب في أراضي جارتها الجنوبية، مشدداً على أن إعادة الثقة يحددها بشكل كبير تطابق وجهات النظر حيال الأزمة في سورية.
إنه لا غرابة لو حدث تغيير في العالم يستدرك أن الإرهاب لعبة دموية خاسرة يضرب في كل اتجاه. ولقد أكد السوريون بقيادة الرئيس بشار الأسد أن تمسكهم بخياراتهم الوطنية على قاعدة محاربة الإرهاب أصبح واقعياً يشكل فرصة للعمل في جبهة موحدة على قاعدة دولية من دون انتقائية أو أنفاق ملغومة.
وعدا ذلك، رهان خاسرين لن يحصدوا فيه إلا سوء ما صنعت أيديهم.