العفو وتمتين وحدة المجتمع السوري
| بيروت – رفعت البدوي
النجاح الملحوظ للجيش العربي السوري وخصوصاً على جبهة حلب وإقفال طريق ومثلث الكاستيلو أهم منفذ لتهريب الأسلحة والعتاد الحربي والمؤن وتدفق الأعداد الهائلة من الإرهابيين عبر الأراضي التركية كان له الأثر البالغ في سير المعركة حيث استطاع عزل الإرهابيين عن طريق الإمداد العسكري والاسناد البشري ما سهل عملية التطويق التي أعطت نتائج ايجابية ومؤشرات مهمة نحو إسقاط مشاريع وأحلام إمبراطورية في المنطقة والإقليم أمام التصميم والصمود الأسطوري للجيش والشعب العربي السوري على استعادة كامل مدينة حلب ما ترجم خطاب السيد الرئيس بشار الأسد أمام مجلس الشعب حيث قال إن حلب ستكون مقبرة أحلام أردوغان.
هناك عوامل عدة ساعدت في قلب الطاولة مجدداً بوجه أميركا وحلفائها بعدما حاولت الأخيرة أن تقلب المعادلات في المنطقة لمصلحة أعداء الأمة العربية.
الدرس الروسي
روسيا أخذت العبرة من الخطأ الفادح الذي ارتكبته في مرحلة سابقة عندما قبلت بما سمي وقف لإطلاق النار أُتبِع بوقف جزئي للدعم الجوي والإستراتيجي تماهياً مع وعود أميركية بوقف الدعم العسكري والبشري للتنظيمات الإرهابية إضافة لوعد بإقفال طرق الإمداد شرط موافقة روسيا على مبدأ وقف النار الذي ثبت إخفاقه.
روسيا بدورها أدركت أنها تعرضت إلى خديعة أميركية أدت إلى خسارة بعض المناطق الإستراتيجية نتيجة تواصل الدعم الأميركي التركي منتهزة وقف إطلاق النار ما أدى إلى زيادة في عديد الإرهابيين وعدتهم وهذا ما تحاول روسيا الدولة عدم السماح بحدوثه مجدداً مع تصميم بسرعة المباغتة بالتحرك وإعادة الدعم الجوي بشكل مدروس ومركز دون تكرار أي خطأ كما حصل في السابق.
انكفاء تركي
المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا أدت إلى زعرعة كيان وأساس الدولة التركية ما أضعف دورها الإقليمي السلبي الذي راكم الكثير من العداء ضد سورية على مدى سنوات الأزمة السورية الخمس وانكفاء أردوغان إلى الداخل التركي لإعادة ترميم ما دمره زلزال الانقلاب الفاشل لجهة تدعيم مفاصل الدولة والمؤسسة العسكرية التي أصيبت بتشويه الصورة والهيبة معاً وكل ذلك يستلزم الكثير من الوقت من أجل إعادة ترتيب البيت والمؤسسة العسكرية التركية، فالمؤكد أن تركيا في هذه الأثناء وحتى تستعيد عافيتها التي تضررت كثيراً ستستمر بالاستدارة لتكون أقرب إلى وجهة النظر الروسية وأكثر ميلاً للتعاون السياسي والاقتصادي الواعد بين البلدين وخصوصاً بعدما ثبت أن لأميركا وبعض الدول الخليجية دوراً أساسياً مخفياً في محاولة الانقلاب الفاشلة.
في المحصلة
نحن أمام مرحلة جديدة لإعادة صياغة الحل السياسي مترافقا مع تقدم في الميدان العسكري لتحقيق أماني الشعب السوري في بزوغ فجر جديد يبشرنا باستعادة كل شبر من أرض سورية حتى الجولان المحتل واستعادة الدور السوري الإقليمي للقومية العربية في المنطقة بقيادة الرئيس بشار الأسد.
إن من يعتبر انجاز الجيش العربي السوري إنجازاً عسكرياً وميدانياً فقط فهو مخطئ بالتأكيد لأن ما حصل في الشمال السوري أعاد خلط الأوراق كما أعاد ترتيب الأولويات مع تبدل في مركز القرار لتعود سورية مع الحلف المقاوم اللاعب الأساسي وصاحبة القرار النهائي بينما اجبر أميركا وإسرائيل والدول الخليجية الداعمة للإرهاب للإعلان عن القلق البالغ من انتصارات الجيش العربي السوري الأخيرة وهذا ما يفسر أهمية الحدث بحد ذاته ما دفع إلى حيلة مفضوحة بتبديل أسماء بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم النصرة الإرهابي ليصبح تنظيم فتح الشام والإعلان عن فك ارتباطه بتنظيم القاعدة ظناً من الدول التي زسهمت في ذلك أنها قد تستمر في الإمساك بالأوراق نفسها لكن بأسماء جديدة بعدما أصيبت مشاريعهم الهدامة المعدة سلفاً بالانتكاس والانكسار.
المرسوم الجمهوري السوري بالعفو عن أبناء الوطن شرط العودة إلى أحضان الدولة السورية أذهل العالم باعثاً برسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها أن المحافظة على تلاحم المجتمع السوري من أولى اهتمامات القيادة والقرار هو قرار سوري بحت وأن أي تسويات مقبلة لن يكتب لها النجاح إلا بما يتناسب مع المصلحة السورية العليا في استعادة كامل حلب وتحقيق وحدة الدولة والشعب والأرض في سورية.