دويلات قبائل وعشائر؟!
| تحسين الحلبي
إذا كان بعض القوى الاستعمارية القديمة الجديدة يعتقد بأن دول المنطقة «قابلة للتقسيم بما هو أصغر من كيانات سايكس بيكو ودولها قبل قرن من الزمان» والمقصود لا يرتبط فقط بمخطط تقسيمها إلى دول طوائف وإثنيات بل بالتفكير بتقسيمها إلى دول قبائل وعشائر أيضاً. فخلال سنوات ما يسمى الربيع العربي جندت إسرائيل عدداً من المفكرين الإسرائيليين والصهيونيين من يهود العالم لإعداد دراسات حول إمكانية تقسيم الدول العربية إلى دويلات قبائل وليس طوائف دينية ومذهبية فقط؟! ونشر الكاتب الإسرائيلي (عوزي رابي) في حزيران 2016 كتاباً بعنوان «قبائل ودول في شرق أوسط متغير» وأصدره بالعبرية والإنكليزية أن دول الشرق الأوسط شهدت تغيرات منذ اتفاقية سايكس- بيكو تجعله قابلاً للقسمة إلى دويلات قبائل وليس على دول وطنية تجمع كل القبائل والإثنيات والطوائف في كيانها السياسي.
فالكاتب (عوزي رابي) هو مدير مركز دايان للدراسات الإستراتيجية ويتحدث في كتابه عن وجود القبائل والرابط الذي يجمع أفراد كل قبيلة وعلاقتها بالدولة «وبمصالح القبيلة» ويعتبر من المختصين بقبائل شبه الجزيرة العربية والعراق وسورية والأردن.
ويركز موقع (جوشوا تايتلباوم) مسؤول شؤون الشرق الأوسط في (جامعة بارايلان) ومركز الأبحاث التابع لها على قبائل سورية وقبائل سيناء في مصر وفي داخلها ويرى أن عدداً من هذه القبائل يمكن المراهنة على تسخيرها ضد الدول المركزية وأنه من الملاحظ أن المملكة السعودية تحاول تجنيد بعض قادة القبائل في العراق وسورية بشكل خاص لخدمة هذه الأهداف.. ويكشف البروفيسور (جوشوا تايتلباوم) في موقعه أن بعض القبائل يصل عدد أفرادها إلى 1.2 مليون مثل قبيلة البقارة في سورية وأن بعض قبائل العراق يزيد عدد أفرادها عن مليون ونصف ومليونين.. ويعرض بعض المفكرين الصهيونيين ما يجري في ليبيا ويدعون إلى تقسيمها إلى دويلات وإمارات قبائل بالاستناد إلى وجود كل قبيلة فوق ثروتها النفطية أو الزراعية لكي يظهر عدد يزيد على خمسة أو ستة كيانات. وهذا ما يدعو إلى تطبيقه في اليمن والانتقال بعد ذلك إلى السعودية نفسها التي لا تزال بمستوى الحياة القبلية نفسه وخصوصاً أن قبيلة واحدة أو شبه قبيلة ينتمي إليها آل سعود هي التي تستأثر بكل مصادر ثروات القبائل السعودية الأخرى.
وترى بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية الأخرى أن بريطانيا حافظت على وجودها في إمارات الخليج لأنها قسمتها بين قبائل فأصبح لديها خمس دويلات من هذه المشايخ التي تحولت إلى إمارات تمتلك كل قبيلة فيها ثروتها النفطية وتوزعها كما تشاء على بقية العشائر أو القبائل وأن أي حل في العراق يخدم مصالح إسرائيل هو الشروع بتقسيمه إلى عدد من الدويلات القبلية وليس بالاستناد إلى سنة وشيعة وأكراد وبالمقابل لا تخفي مصادر إسرائيلية متعددة نيتها لتقسيم المملكة الأردنية نفسها بين عدد من القبائل وبين نسبة من الفلسطينيين الذين لم ينزعوا أنفسهم عن قواعدهم الاجتماعية العشائرية (الحمولة) أو (القبيلة) وخصوصاً أنه توجد نسبة من أفراد بعض هذه العشائر في الضفة الغربية وأخرى في الأراضي الأردنية.
أما في قطاع غزة فالواقع الاقتصادي غير المتطور في القطاع رسخ وجود علاقات قبلية وعشائرية بين مختلف الفلسطينيين بموجب دراسة أعدها مركز أبحاث دايان للدراسات قبل سنوات وهذه العشائر والقبائل كانت أقرب في ثقافتها للحركة الإسلامية وليس للحركة الوطنية على غرار عشائر سيناء المصرية التي لا تختلف كثيراً في خصائصها عن العشائر الفلسطينية ولا شك أن استمرار دوامة الحروب الداخلية هو الذي جعل المفكرين الإسرائيليين يطمحون إلى تمزيق النسيج الوطني والقومي العربي بهدف تأسيس دويلات القبائل والعشائر وليس الطوائف فقط؟!