رحيل مطرب «يا سورية عزك دام يا أجمل صورة رسام» .. صوت عاش ويعيش في ذاكرة الأغنية العربية … «سمير يزبك»… من مصفف شعر للسيدة فيروز إلى صوت يجاور عمالقة الطرب
| عامر فؤاد عامر
رافقه الألم في رحلة ليست بالقصيرة من حياته، لكنه أبدع فيها، فترك بصوته الشجّي الجبلي الجميل، أغنياتٍ راسخة تناسبت مع مشاعر الناس وأحاسيسهم لتحيا ردحاً من الزمن، وليعاد إطلاقها من جديد عبر حناجر مطربي شبابنا اليوم. رافق الفنان الراحل «سمير يزبك» بإبداعه نهوض الأغنية العربيّة عبر «الأخوين رحباني»، و«روميو لحود» وأغنياته الخاصّة، فكان معهم في مسرحهم، وفي إبداعاته الخاصّة التي اشترك من خلالها مع العديد من الأسماء ونجوم تلك المرحلة، لتأتي بصمته، كفنان مؤثر وحيّ في الذاكرة الإبداعيّة العربيّة بحوالى 300 من الأغنيات الجميلة المتوّجة بأجمل المواويل في مطالعها. وعلى الرغم من عزوفه عن عالم الغناء والمسارح منذ العام 1980، وذلك لم يكن بصورةٍ معلنة طبعاً، إلا أن حضوره في ذاكرة المتلقي بقي موجوداً بتميزه وأناقته، وبمحبّة صادقة بادله إياها الجمهور بوضوح وبقوّة، فمن منّا لا يُطرب عندما يصدح صوته للشام في أغنية «يا سورية عزّك دام». أو في الأغنية العاطفيّة «الزينة لبست خلخالا»، أو في موال «الشحاد» وغيرها الكثير من الأغاني التي أصبحت من تراث الأغنية الشعبيّة المسموعة في حياتنا.
غادرنا الفنان «سمير يزبك» يوم الإثنين الموافق لـ«22» الشهر الجاري، عن عمرٍ يناهز 77 عاماً، وذلك بعد صراعٍ طويل مع المرض والتعب ورحلة مع العلاج والأدوية والطبّ.
بدايات لامعة
ولد الراحل «سمير يزبك» في ضيعة «رمحالا» التابعة لقضاء «عاليه» عام 1939، وغنى الموال أوّلاً في عمرٍ مبكر، فكان في سنّ السابعة، عندما أتقن ذلك، وطربت له المسامع. وكان له جولته الخاصّة في التراتيل الكنسيّة، التي رتّل فيها مرحلة في البدايات. وفي حفلات المدارس كانت له تجربته أيضاً، وكذلك في المعهد الموسيقي الذي درس فيه فيما بعد، وصقل موهبته، وتعلم فيه أصول الغناء الشرقي من جهة، بالإضافة إلى العزف على آلة العود من جهةٍ أخرى. وكذلك التجربة في الإذاعة اللبنانيّة الموثّقة في العام 1961 التي جاءت في مسابقة لأجمل الأصوات من لبنان، فاختار «يزبك» فيها أغنية الراحل الكبير«وديع الصافي»، وهي أغنية «لبنان يا قطعة سما»، وفاز بأدائه لها في المرتبة الأولى بين المشاركين آنذاك. وتلك مقاطع سريعة وومضات مهمّة من مسيرة حياة الراحل قبل أن يظهر بصورته الأهمّ.
نقلة نوعيّة
فقد عمل في مطلع شبابه في مهنة تزيين وتصفيف الشعر للسيّدات، لتقوده المصادفة للوقوف على المسرح من خلال تزكية السيدة الكبيرة «فيروز» له، بعد أن سمعته مصادفة يدندن أغنيةً في الصالون، فأعجبت بصوته، الذي ورثه عن والدته في الأصل، لتقدّمه السيدة «فيروز» بعدها للعمل مع الفريق المسرحي في مهرجانات بعلبلك بموافقة وإعجاب من الأخوين رحباني، ولينضم فوراً إلى جوقة المنشدين الرئيسة المعتمدة في كلّ حفلاتهم. فكان اسمه حاضراً في المسرحيّات: « موسم العز»، و«البعلبكيّة»، و«جسر القمر». ويعدّ العام 1961 هو انطلاقة الراحل «سمير يزبك» الحقيقيّة، إذ إن بدايته في مهرجان بعلبك ومع الرحابنة أعطته وقته وفرصته الحقيقيين ليكون حاضراً على المسرح من بعد ذلك حتى العام 1980 فنجده في مهرجانات بعلبك الدّوليّة، ومهرجانات الأرز، وإهدن، وبيت الدّين، وغيرها كما شارك الشحرورة «صباح» والفنانة «سلوى القطريب» في معظم مسرحياتهما. ومن أشهر المسرحيّات التي سلّطت الضوء عليه أيضاً: «الشلال»، «مين جوز مين»، «القلعة» «الفرمان» و«اليالي اللبنانيّة». بالإضافة إلى السهرة الغنائية التي جمعته مع «صباح» وحملت عنوان «العواصف». كما درس الموسيقا لاحقاً على يد الفنان «سليم الحلو»، وعمل في مسرح فينيسيا 4 سنوات مع الفنان «روميو لحود» وسنتين في مسرح «المارتينيز»، وهي المدرسة الثانية التي رعت «يزبك» إلى العام 1970 وذلك بعد مدرسة الرحابنة والتجربة التي اكتسبها منهم.
تاريخ مشترك
وقف «سمير يزبك» إلى جانب الأسماء اللامعة في تاريخ الأغنية اللبنانيّة، التي لاقت رواجها الخاصّ وليس على الصعيد المحلي، بل على الصعيد العربي أيضاً، في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وسماها البعض الفترة الذهبيّة للأغنية اللبنانيّة، ومن الأسماء المهمّة التي شاركها «يزبك» الغناء والشهرة والنهوض بالأغنية التي كانت في تلك المرحلة: «وديع الصافي»، و«نصري شمس الدين»، و«فيلمون وهبي»، و«ملحم بركات» و«إيلي شويري»، و«جوزيف عازار»، و«عصام رجي».
مع دمشق
تشير الذكريات المتناقلة إلى أن علاقة الفنان الراحل «سمير يزبك» مع دمشق كانت كبيرة، فقد عاش فيها مرحلة مهمّة من الزمن، بدأت مع نشوب الحرب الأهليّة في لبنان في العام 1975، فاختارها من بين عدّة بلدان كان بإمكانه المكوث فيها، وزاول مهنته كفنان فيها، وكان له حفاوته الخاصّة من أهلها، فالتقى الشعراء والملحنين فيها، وأبدع معهم الكثير من الأغنيات، ومن تلك الأسماء نذكر الشاعر «عيسى أيوب»، والملحن «سهيل عرفة»، وغنى وشدا، فكانت أغنيات: «يا سورية عزّك دام»، و«يا بلادي» وغيرهما، وما زالت أغنياته هي الرائجة عبر الإذاعات السوريّة، ولاسيما في الفترة الصباحيّة، التي ما زالت تحصد شعبيتها، ومحبّتها من المتلقي السوري، بحضور مميز ولطيف.
رصيد الأغنيات
غنى عشرات الأغنيات التي لاقت رواجاً كبيراً، منها «الزينة لبست خلخالا»، و«اسأل عليّ الليل»، و«شحاد»، و«ويلي ويلي من حبن ويلي»، و«دقي دقي يا ربابة، و«حنّي حنّي يا حنونة»، و«دخلك يا حلوي بردان»، و«الوردة العشقانة»، و«بحبك»، و«الدلعونا»، و«يا مهندس»، و«موجوع»، و«خدني معك»، و«يا كاشف الأسرار»، و«الجبلية»، و«يا أعند حلوة بالحي»، و«يا طير يلي عالشجر»، و«قل للحلوي إحلالا»، و«هزّي بمحرمتك هزّي»، و«عيّد العيد بعيدك»، و«مرحب مرحب»، و«يا جارح القلب»، و«روحي وروحك يا حلو»، و«طوّل غيابك يا حلو»، و«يا مصوّر صوّر»، و«دخلك يا شال»، و«طلّت أم عيون السود»، و«لو بتشك براسك ريش»، وغيرها الكثير من الأغنيات العالقة في ذاكرتنا، ولا بدّ من التذكير بأن مشوار الأغنية الخاصّة بـ«يزبك»، كان مع الشاعر الراحل «زين شعيب»، بأغنيته الأولى التي حملت عنوان «طول غيابك يا حلو»، كما يعتبر النّقاد في الحقل الفنّي أن الفنان «سمير يزبك» كان من أبرز من غنى المواويل والموشحات وأتقنها في مرحلة ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي. كما تميز كثيراً وتفرّد بتأديته موال «موجوع صرلي سنين» وموال «شحاد». ويذكر أن لـ«سمير يزبك» مشاركتين سينمائيتين فقط جاءت من خلال فيلمي: «حبيبتي»، و«الصحفية الحسناء».
رحلة المعاناة
يبقى لرحلته مع المرض كبيرة عنوانها البارز التي بدأت منذ العام 1980 وإلى يوم وفاته، ولربما تردي الحالة الصحيّة لديه هو ما جعله غير راغبٍ في الظهور عبر وسائل الإعلام ومحطات التلفزة في لقاءاتٍ مباشرة أو مسجّلة، فكان مقلاً كثيراً بل من النادر ظهوره في وسائل الإعلام بالمجمل. ومن لقاءاته وكلماته القليلة في الوسط نذكر ما نشره موقع النشرة الفنيّة عنه في العام 2012 ويقول في ذلك التصريح المقتضب: «حين ينظر المرء إلى الآخر ويشعر أنه بحاجة إلى مساندةٍ منه، عليه أن يُقدم عليها، لا إلى انتظار أن يطلب منه شخصيّاً هذا التدخل، حتى لو كانت هذه المساندة معنوية». ثم يضيف: «أنا ذاهب إلى المستشفى، فصلّوا لي… إن رعاية اللـه لي ومحبّة الناس تطمئنانني كثيراً».
في الذاكرة والوجدان
على الرغم من الابتعاد عن المسرح مرغماً بسبب ظرفه الصحيّ، وعن المنابر الإعلاميّة والصحفية، بقي لصدق هذا الفنان الحضور الأهمّ من خلال الأغنيات التي عاشت وتعيش في ذاكرة الأغنية العربيّة على وجه العموم، ليكون اسمه بين العمالقة لامعاً ببصمة خاصّة وأداء خاصّ لا يتشابه مع أداء غيره، بل يحيا في الوجدان ويستمر مع الأجيال القادمة.