بين الكتاب الورقي والإلكتروني وكتب الأطفال… آراء الناس في معرض الكتاب الدولي الثامن عشر … جمالية الكتاب الإلكتروني بسرعة تحميله والحصول عليه… وفي كل الظروف سهل التعامل
| سوسن صيداوي
يقول ميخائيل نعيمة «عندما تصبح المكتبة في البيت ضرورة كالطاولة والسرير والكرسي والمطبخ، عندئذ، يمكن القول إننا أصبحنا قوماً متحضّرين».
وفي هذه الفترة تحتفي دمشق بعودة معرض الكتاب الدولي الثامن والعشرين بعد غياب دام خمس سنوات عن رواده من مثقفي سورية، والمستمر لغاية الثالث من شهر أيلول القادم، عاد عارضا كل ما أمكنه- في ظل الأزمة التي أثقلت كل ما استطاعت- في أجنحته من صنوف المعرفة سواء من الرواية والمسرح والشعر أم التاريخ والفنون والسياسة وكتب الأطفال وغيرها، مع حسم 60 بالمئة من سعر الغلاف لكل كتاب، وقد شارك في المعرض 75 دار نشر سورية وعربية، ويرافقه فعاليات ثقافية وفنية تتضمن ندوات أدبية وتوقيع عدد من الكتب الصادرة حديثا ومعرض فن تشكيلي لاتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.
المحاولة خجولة وليست كما اعتدنا عليه من معرض الكتاب الدولي ولكن هذه المحاولة تقدّر لأن الظرف هو الحاكم ومجرد المحاولة مع كل ما هو مستطاع يعطي الأمل بضرورة الاستمرار وبضرورة التأكيد على أن سورية كانت وما زالت أم الأبجدية وأم الحضارات وصحيح أننا نحن الذين أسأنا إلى سمو حضارتنا ونحن من خذلناها كسوريين، إلا أن المثقفين الحقيقيين فيها هم أصحاب الهوية السورية وهم المستقبل المشرق رغم قلّتهم في زمن يكثر فيه مدعو الثقافة والفكر.
وبالعودة إلى معرض الكتاب الدولي الثامن والعشرين وبين ما هو ماض وما هو حاضر، كان لي التوقف عند أمر أصبح رائجاً وعادة مستهواة لدى فئة من المثقفين ومن يسعون إلى نهل المعرفة بكل ما هو مستطاع، والعادة هي، القراءة الإلكترونية، حيث وجدتُ من المعرض مناسبة كي أتجول بين أجنحته وأشاهد الزوار وأسألهم عن عدة أمور تجمع وتفصل بين الكتاب الورقي والكتاب الإلكتروني، فمنهم من أجبرتهم ظروف الحياة وكثرة التنقل على الاهتمام بالكتاب الإلكتروني وجعله رفيقاً لفترات وأوقات معينة تتناسب مع الظروف، باعتباره ضيفا، وجليساً فيه الخير والعطاء إلى حدّ ما.
الكتب الإلكترونية أسهل
إليكم أراء لبعض رواد المعرض ومنهم ولاء التي قالت «أنا أفضل الكتاب الورقي وأشعر معه بجمال القراءة ومتعتها، ولكن بسبب عملي ووقتي أقوم بقراءة الكتب الإلكترونية، فالأمر أسهل من خلال تحميله على الموبايل، وعندما يكون لديّ بعض الوقت أفتحه وأتابع قراءاتي، ومن المعوقات التي تمنعني من متابعة قراءاتي الورقية حجم الكتب الورقية المنشورة فهو كبير، لهذا يكون من الصعوبة أن أحمل الكتاب كل يوم، وبطبيعة الحال الناس دائماً تسعى إلى الأسرع وخاصة أننا نحن في زمن السرعة، فمثلا نحن نتابع مسلسلا على قناة اليوتيوب قبل ظهور الحلقات على التلفزيون، وكذلك الأمر بالنسبة للكتاب وكيف إذا كان جديداً والكاتب معروفاً فمن الطبيعي أن أقوم بتحميل الكتاب من الإنترنت وأقوم بقراءته لأنني لن أنتظر صدور النسخة الورقية، ولكن هذا لا يمنع أن أشتري النسخة عند طبعها أو أقوم باستعارتها من المكتبة، وبصراحة إذا قارنا بين القراءتين فأنا في النهاية أجد أن قراءة الكتب الورقية هي الأفضل وتستهويني بشكل دائم».
على حين زينة وهي من الشابات السوريات الجامعيات، كان رأيها على الشكل التالي «أنا أجد أن الكتاب الورقي هو الأفضل، لأنه يوصل الفكرة إلي، وأعيش جو الكتاب، وعلى الرغم من أن كل أنواع الكتب تستهويني إلا أن القراءة الإلكترونية لا أفضلها أبداً».
اعتبرت غفران أنه لا يمكن للكتاب الإلكتروني أن يتفوق على الكتاب الورقي وقالت «أنا أفضل الكتاب الإلكتروني لأنه سهل التحميل والحصول عليه، وأقوم بتحميله سواء على الجوال أو الحاسوب، وجماليته من سهولته في التعامل في كل الظروف، كما أشعر بأن الكتاب الورقي له أجواؤه الخاصة وأنا أحبه بشكل خاص قبل النوم، على حين الإلكتروني من حيث التعامل فهو معي أينما كنت وفي كل الأوقات، وأنا لا أعتبر أن الكتاب الإلكتروني يتفوق على الكتاب الورقي لأن لكل منهما جمهوره ولكن لا يمكننا أن نتجاهل الثورة التكنولوجية والرقمية فمثلا في السابق كنا نتابع الأخبار من خلال الصحف والجرائد المطبوعة على حين اليوم نقوم بمتابعتها عبر المواقع الإلكترونية».
في المعرض كان يجول بين الأجنحة راتب عودة باحثا عما يستهويه من الكتب التي لطالما رافقته في معظم سني حياته «أنا أحب جداً الكتاب الورقي ومتعلق به مذ كان عمري أربعة عشر عاماً، وكنت اشتركت بالمركز الثقافي العربي وأنا في الصف الثامن ومن وقتها الكتاب الورقي رفيقي، حاولت أن أقرأ الكتب الإلكترونية إلا أنني لم أرتح ولم تستهوني أبداً، ولا أعتقد أبداً أنه في يوم سيحل الكتاب الإلكتروني محل الكتاب الورقي ما دام في الحياة مثقفون حقيقون وقراءة الكتب عندهم عادة مكتسبة ومحبوبة منذ زمن طويل».
الكتاب الورقي صامد
كان للشاعرة ميساء الصالح رأيها الذي تعبر خلاله وبأسلوبها عن عشقها للكتب الورقية «الكتاب الورقي يبقى جاذباً للقارئ أكثر من الإلكتروني الذي يُعتبر أمراً عابراً كما أنه يُنسى في وقت قريب، ويمكنني القول عن الكتاب الورقي… كيف تُطبع الكلمة على الورق فكذلك تُطبع في الذاكرة وتبقى في الشخص متجذرة أكثر، وهناك توجه يمكن ملاحظته بأن الكتاب الإلكتروني بانتشاره وسهولة التعامل معه يحاول أن يحد من دور الكتاب الورقي ويبعد الناس عن القراءة الحقيقية وبالتالي يكون الأشخاص سطحيين أكثر، وما دام في الحياة إنسان واع ومدرك لأهمية الكتاب الورقي فإنه قادر على الصمود».
بينما ميرفت يمكنها أن تملأ حقائبها أثناء السفر بكتبها المفضلة ولو كانت ثقيلة أو تأخذ حيزاً مكانياً «الكتاب الورقي له متعة عميقة، وبرأيي الكتاب الإلكتروني هو للتصفح فقط والذي يكون فيه سطحيا، على حين الكتاب الورقي قادر على نقلنا إلى عالم أخر، ومع كل ورقة نقوم بطيّها نجد أنفسنا انتقلنا وعشنا وغامرنا، الناس تستسهل الكتاب الإلكتروني ولكن يبقى للكتاب الورقي مكانته مهما كانت الظروف، وبالنسبة لي لا أستطيع قراءة الكتب من على النت أو عبر المحمول، فالكتاب صديقي وله خصوصية كبيرة في قلبي».
على حين كان لفاروق رأيه عن الكتاب الورقي الذي يعبر عن عمق علاقته به « رونق الكتاب ورونق الورق يفوق كل رونق، وخير جليس في الأنام كتاب، رائحة الوقت اعتبرها عطراً ونسيماً بل هي روح، وهذا ما يفتقده الكتاب الإلكتروني رغم معاصرته ورغم أنه شيء جميل إلا أنه في استخدامه أثر كثيراً في حياتنا وبشكل خاص على أجسامنا سلبا والرونق الخاص بها هو بلا روح، أنا اشتريت من المعرض كتابا بعنوان «إشراقات روح» وهذا ما نحن نفتقر إليه في الوقت الحالي فكل ما نريده هو وجبات سريعة، وفي يومنا هذا نحن نستدل على أن الأسرة التي نقوم بزيارتها على قدر من الثقافة والتقدير للعلم، من خلال اهتمامها بالكتب وبالمكتبة في منزلها».
الكفة راجحة
وحتى دور النشر كان لها رأيها حول هذه الظاهرة المتبعة ومنهم رأي مهند من دار نشر «صفحات» حيث قال «هناك أجيال معينة اعتادت الكتاب الورقي ولا يمكن لها أن تتخلى عنه، ومع الزمن يكتشف أي قارئ أن هناك حميمية بينه وبين الكتاب الذي يرافقه أينما ذهب، وصحيح أن الكتب الإلكترونية شبه مجانية إلا أن العاطفة التي تربط بين الشخص القارئ وكتابه هي تكون العادة مكتسبة، وعلى الرغم من ظهور الكتاب الإلكتروني منذ التسعينيات، ومنذ بداية الألفية الثانية كانت دخلت المعلوماتية إلى سورية ومعها انتشر الكتاب الإلكتروني بشدة، هذا الأمر لم ولن يؤثر أبدا في الكتاب الورقي».
وفي رأي لسعيد الزعبي من «دار الفكر» للنشر قارن بين النوعين من الكتب وذكر بموضوعية ما هو جميل ولمن الكفة راجحة: «الإقبال على الكتاب الورقي جيد وخاصة أنه في فترة من الفترات لاحظنا ابتعاد القراء عن الكتاب الورقي ولكن عادت الناس إليه باعتباره ليس فيه المشاكل التي يسببها الآخر من حيث النظر والنفس والجسد وخاصة إذا استمرت القراءة ساعات طويلة، بينما من حسنات الكتاب الإلكتروني أن الناس تجده سهلاً من حيث البحث عن المعلومة، وفي الوقت الحالي، نحن كدور نشر نقوم بطباعة كتب مثلا بحجم خمسمئة ورقة ولكن بورق ليس له ثقل وبالتالي الكتاب يكون وزنه خفيفاً جداً وهذه النوعية عليها إقبال شديد من القراء، ومهما كانت سلبيات أو إيجابيات كل من الكتابين فإن الحاسم بينهما هو القارئ نفسه وحسب طباعه وميوله وطبيعته، ونحن كدور للنشر في الوقت الحالي نقوم بالعمل على الكتاب نفسه بأن يكون إلكترونيا وورقيا بذات الوقت، وفي النهاية إذا حصرنا النسبة بشكل دقيق فإن الإقبال على نطاق الوطن العربي هو للكتاب الورقي والكفة غالبة له».
من خلال جولتنا في معرض الكتاب الدولي استوقفتني أيضاً أجنحة منشورات الأطفال، وخاصة لأن هذا النوع من الأدب هو من السهل الممتنع ونحن في مجاله ما زالت خطواتنا بطيئة ومترددة، لعدة أسباب لسنا في صدد ذكرها، ولكن ما نحن في صدده، هل ما قدمته دور النشر للأطفال من خلال المعرض هو بالشيء الجيد والذي لاقى إقبالاً من الأطفال، وهل تسعى دور النشر نفسها إلى نشر كتب معنيّة جداً بتثقيف الأطفال ودعمهم بالمعلومات العلمية والفنية والتاريخية والموسيقية والشاملة لكل ما هو في عالمنا، بموضوعية تامة وبأسلوب قريب إلى عقل وفكر وعواطف الطفل، بعيداً عن الأسلوب التنظيري الجاف مهما بلغت من جودة المعلومات، في الجولة التقيت العديد من الأطفال وأسرهم الذين أبدوا رأيهم في نوعية الكتب المطروحة.
كتب علمية مشوقة
توقفت مع الطفل هادي الحلبي البالغ من العمر أحد عشر عاماً وهو تلميذ في الصف السادس الابتدائي والذي أخبرني «أحب الكتب كثيراً وسعيد جداً لأن أمي أحضرتنا إلى المعرض، كما أنني أحب اختيار الكتب العلمية التي تتحدث عن الاختراعات وعن الفضاء والنجوم، ولا يهمني وجود الصور أو الألوان لأن المعلومات الجديدة التي تقدّمها الكتب هي الأهم لي، وكنت طلبت من أمي أن تشتري لي كتابا بعنوان «أسرار جسم الإنسان» والتي بدورها ستوافق لأن الكتاب سيقدم لي معلومات جديدة وستفيدني وتساعدني في دراستي في المدرسة».
دور الأهل حاضر خلال مطالعة الكتب والتقليب فيها من أجل اختيار الأنسب والأفضل للأطفال حتى لو كانت تحمل طابعا ترفيها وهذا ما أخبرتني به الأم رهف الريش «طبعا أقوم بدور الرقابة على الكتب وأتدخل باختيارات ابني لها، وفي مرة كنت اخترت له كتابا يحمل اسم «العلماء الصغار» وما لفت نظري شوق طفلي للكتاب ومتابعته الجيدة له، لهذا في السلسلة المقدمة من الكتاب نفسه لم أعد أتدخل بل أعطيته الحرية باختيار ما يشاء منها، وأنا كأم حريصة جداً أن يتابع ابني كل أنواع الكتب وحتى الدينية المبسّطة، ولكن أفضل أن يقرأ كل شيء مهما كان ولا أفضل أبدا أن يقرأ، الدين مثلا، على حساب باقي أنواع العلوم، والعكس صحيح، لأنه حتى تنمو قدراته يجب أن يكون لديه توازن بين كل أنواع العلوم والمعارف كي يستطيع مواكبة المجتمع وكل المحيطين به».
لون وصورة
الطفلة يمامة تستهوي الصور والألوان في كتب الأطفال وهي بعمر عشر سنوات وقالت: «أنا أحببت كتاب «دنيا الحيوان» وفيه صور كثيرة عن الحيوانات في الغابة، وأنا أحب الكتب التي فيها الكثير من الصور والألوان وأحب القصص كثيراً».
على حين قال والدها « أطفالي هم من اختاروا كتبهم، والكتب الموجودة في الأجنحة هي بالعموم جيدة وبسيطة سواء من حيث المواضيع أم حتى في الأسلوب، وأظن لن يجد أولادي معها صعوبة بالفهم، أما بالنسبة لأسعارها فهي مقبولة، وبالنسبة لي كأب يهمني أن أختار لهم كتبا وقصصا تحمل بالدرجة الأولى مضموناً أخلاقي».
الطفل محمود صبوح اختار كتبا ليست لعمره ولكن والده قبل أن يشتريه له لأنه هو نفسه سيقرؤه معه ويشرح له ما يصعب عليه فهمه وقال الطفل محمود: «عمري تسع سنوات ووجدت الكثير من الكتب ولكنني أحب عالم الحيوان وكنت اخترت كتاباً بعنوان «ضحايا الإنترنت»، صحيح أنه للكبار ولكن أبي طبيب، وسيقرأ الكتاب معي وسيشرح لي ما يصعب علي فهمه».
على حين كان رأي والد الطفل محمود الدكتور علي الصبوح حول ما هو معروض من كتب للأطفال «الكتب المعروضة هي محددة جداً ومعظمها متجهة نحو الأدب والقصة، والنوعية العلمية والتعليمية قليلة، ولم أجد بين الأقسام شيئاً مميزاً، ومن الطبيعي أن أختار أو أتدخل باختيار الكتب لأطفالي وحتى لو كان الكتاب لا يناسب فئته العمرية والفرق العمري بسيط فالمعرفة هي ما أسعى أن يحصل عليه أولادي وهي ما تهمني بالدرجة الأولى».
و بالنسبة إلى جودة كتب الطفولة وإقبال الناس عليها أخبرتنا سميرة شكر من «دار الحافظ» للنشر « نسعى دائماً من خلال مطبوعاتنا إلى الموضوعية مهما كانت المواضيع التي نقوم بطباعتها ونشرها، كما يهمنا أن تكون المعلومة دقيقة وصحيحة وبعيدة عن آرائنا الشخصية، حتى لدينا في الدار أشخاص متخصصون لدراسة دقة المعلومات لأن عالم الطفل سهل ممتنع، وعلينا توخي الحذر والبساطة الشديدين سواء من حيث المواضيع أم من حيث الأسلوب، كي تناسب كل الأطفال وبحسب فئات عمرهم، وبالنسبة للكتب الدينية من الضروري أن تكون كتباً من القرآن وهي تحمل شرحاً أو تفسيراً له ونحاول أن نقدمها للطفل كقصة، أما بالنسبة للإقبال على المعرض فهو كبير جداً، وحتى الأطفال يقومون بدعوة أهاليهم كي يروا الكتب ويقوموا بشرائها لهم وخاصة أن الصور والألوان لافتة لنظر الطفل».