مساعدات إنسانية أم حصان طروادة جديد؟!
| عبد السلام حجاب
بعيداً عن حسابات التفاؤل والتشاؤم، وما يمكن أن تبني عليه قوى أميركية إرهابية داخلياً ودولياً، وأطراف تابعة وفق سياسة دونية لحساب التنظيمات الإرهابية، وانزلاقات خطرة في غير اتجاه، فإن السوريين تخطوا بصمودهم وشجاعة جيشهم ودعم الحلفاء والأصدقاء الحالة الرجراجة من التفاؤل والتشاؤم إلى واقع سياسي وميداني صلب ومتماسك أساسه السيادة السورية والقرار الوطني المستقل، وعدا ذلك مناورات مخادعة لا تريد محاربة الإرهاب وليس في سياستها.
أخذ مسائل الأمن والاستقرار وحقوق الدول السيادية بالاعتبار ما لم تكن على قياسات تحددها مصالحها السياسية وخلا ذلك تفاصيل تكمن في شياطين أي عدوان.
وعليه لم يكن مفاجئاً أن تلغي واشنطن جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي كان مقرراً عقدها لإعلان بنود الاتفاق الذي توصل إليه الوزير الروسي لافروف مع نظيره الأميركي كيري في جنيف حول سورية ووافقت عليه حكومة الجمهورية العربية السورية بما في ذلك نظام التهدئة ووقف الأعمال القتالية وإيصال شحنات المواد الإنسانية إلى الأحياء الشرقية لمدينة حلب التي لا يزال سكانها رهائن لدى تنظيمات إرهابية تابعة لتنظيم جبهة النصرة المدرج على قوائم الإرهاب الدولي، وربط أوباما عدم الكشف عن بنود الاتفاق بأسبوع نظام التهدئة الذي اخترقته التنظيمات الإرهابية عشرات المرات وبوصول المساعدات التي وصفت بالإنسانية إلى مناطق وجود المسلحين في حلب، بيد أن الرئيس الروسي بوتين أوضح أن الولايات المتحدة لا تريد الكشف عن فحوى الاتفاق حول سورية، لأنه سيوضح من يلتزم بتعهداته ومن لا يلتزم، مؤكداً أن موسكو تنفذ التزاماتها في سورية بشكل كامل، والجيش السوري ينفذ التزاماته أيضاً، وقالت وزارة الدفاع الروسية: إن أحرار الشام ومجموعات مسلحة تدعمها واشنطن ترفض نظام التهدئة المعلن.
وأعلن الكرملين أن المهمة الرئيسية لموسكو في سورية تمهيد الطريق أمام الاتفاق وتسهيل عبور المساعدات الإنسانية بإشراف سوري أممي ما يتطلب الفصل بين المعارضة المعتدلة والتنظيمات الإرهابية ولا يمكن مواصلة التقدم دون ذلك، وهو ما تؤكده موسكو بالتمسك بتنفيذ الاتفاق الروسي الأميركي حول سورية بكل تفاصليه وتجنب أي تفسيرات خاطئة وتسريبات مضللة، ولا سيما أن عملية الفصل بين الإرهابيين تحولت واقعياً إلى عملية لإعادة تجميع صفوف المسلحين وانتهاكات صارخة لنظام التهدئة الذي التزمت به القوات المسلحة للجيش العربي السوري بما في ذلك طريق الكاستيلو كممر لعبور الشاحنات الأربعين للمساعدات الإنسانية.
ولعله من دون البحث في تفاصيل اتفاق لافروف – كيري في جنيف الذي رفضت الولايات المتحدة بلسان مارك تونر الكشف عنه بدعوى وجود ما وصفته بالبنود الحساسة، فإن أمرين مستغربين لفتا اهتمام المحللين السياسيين وهما:
1- مطالبة الأمين العام للمنظمة الدولية، روسيا وأميركا بالضغط لإيصال المساعدات الإنسانية متجاهلاً شرط إخضاعها للتفتيش الذي تصر عليه روسيا بحسب ما أعلنه تشوركين.
2- مطالبة المبعوث الأممي إلى سورية دي ميستورا بعدم تسييس المساعدات الإنسانية متهماً السلطات السورية التي تلتزم ببنود الاتفاق الروسي الأميركي بمشاركة الأمم المتحدة، بأنها تعرقل مرور الشاحنات القادمة من الأراضي التركية وكأنها ستدخل مناطق ليست من أراضي الجمهورية العربية السورية، علماً بأن هذه الشاحنات جرت تعبئتها من الهلال الأحمر التركي من دون حضور رقابة أممية وتم استبعاد الهلال الأحمر السوري للإشراف والتأكد، ما يطرح تساؤلات بينها:
1- ألا يمثل هذا السلوك غير المبرر خرقاً فاضحاً لحقوق الدولة السورية بالتأكد من خلو الشاحنات من الأسلحة والذخائر حتى لا تكون حصان طروادة جديداً لخدمة التنظيمات الإرهابية.
2- هل يعتقد دي ميستورا بأنه يمكن للجماعات الإرهابية فرض شروطها وحمل السلاح والتزود به في مواجهة الدولة السورية العضو في الأمم المتحدة؟
3- لماذا يتغاضى دي ميستورا عن بنود الاتفاق الروسي الأميركي التي أصبحت معروفة عدا تلك التي تصفها أميركا بالحساسة، ويطلق تصريحات مستهجنة حتى لا نقول مشبوهة تنم عن مخططات تدور في ذهن داعمي الإرهاب من حكام السعودية وقطر وتركيا، متماهياً مع إيحاءات ومخططات تريد جعل التقسيم والفدرلة والكانتونات أمراً واقعاً وهو ما يرفضه السوريون جملة وتفصيلاً ويواصلون تقديم التضحيات في مواجهته.
4- ألا يثير الريبة تجاهل دي ميستورا قراري مجلس الأمن 2254 و2253 الخاصين بتجريم الإرهاب؟
من دون شك فإن السوريين ودولتهم الوطنية الشرعية يريدون مخلصين وجادين إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين في كل بقعة من الجغرافيا السورية من دير الزور إلى كفريا والفوعة إلى نبل والزهراء والأحياء الشرقية لمدينة حلب، لكن السوريين وجيشهم الباسل بقيادة الرئيس بشار الأسد متمسكون بقرارهم الوطني المستقل ووحدة وسيادة واستقلال الجمهورية العربية السورية.
ما يعني منطقياً أنه لم يعد مقبولاً أن تبقى أميركا عالقة بين مقولتين انتهازيتين «تريد ولا تستطيع، وبين تستطيع ولا تريد» لكونها لن تخلو من مخاطر الانزلاق، أمام موقف مبدئي لمحاربة الإرهاب تتمسك به سورية وروسيا وإيران، يستند إلى التعاون مع الحكومة السورية وجيشها الباسل، الأمر الذي ينسحب لجهة عدم السماح بتمرير انتهازية المصالح بتحويل شاحنات المساعدات الإنسانية إلى حصان طروادة جديد ما يوجب على الأمين العام للمنظمة الدولية والمبعوث الدولي دي ميستورا التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية وروسيا لإيصال المساعدات إلى جميع السوريين، وليس للإرهابيين الذين لا تزال أميركا بذرائع مضللة تناور بين عملية فصلهم وبين تمييع حدود الفصل ومعاييره فلا تخدم نظام التهدئة ولا تيسر وصول المساعدات الإنسانية الموصوفة ولا تمهيد الطريق باتجاه العملية السياسية لحوار السوريين في جنيف ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول عدوان الطائرات الأميركية السافر على مواقع الجيش السوري في جبل الثردة بدير الزور.