«جعجعة» الأمم المتحدة لا تنتج طحيناً
| سامر علي ضاحي
على عكس ما يتمنى السوريون يومياً بانتهاء الموت والدمار اللذين يعصفان بهم وببلدهم، تستمر الأمم المتحدة في اختصار الأزمة بمجرد جلسات وخطابات لا تغني ولا تسمن من جوع.
وقد أوحت جلسة الأمن بالأمس بأن الأمم المتحدة وكأنها حريصة على جدية وسرعة حل الأزمة السورية، لكن المتابع لتاريخ جلسات الأمم المتحدة ومجالسها يدرك أنها لطالما شهدت جعجعة لم تثمر طحيناً في أزمات مختلفة.
ولربما كان حديث المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا خلال الجلسة أكثر وضوحاً ودليلاً على أنه جاء متابعة لخطابات سابقة تعمد فيها ترك الباب مفتوحاً لتأويلات متعددة لعله حرص عليها كوسيط أممي إلا أنه حتى الآن لم يقدم تعريفاً واضحاً لماهية المرحلة الانتقالية التي يتشدق الغرب بها باستمرار، لا بل لوحظ في كل خطاب جديد للمبعوث الأممي مصطلحات جديدة ربما تكون فتاتاً يلقيه مسؤولو الأمم المتحدة لمتابعي الأزمة ومنظريها، من دون أن يرافق ذلك عمل جدي على الأرض وتحديد واضح للمفاهيم.
دي ميستورا ومن قبله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ركزا حديثهما على أحد أطراف الأزمة وهي الحكومة السورية، ونستطيع تفهم ذلك في عدم وضوح ماهية الأطراف الأخرى وهل هي طرف واحد بنظر كي مون أم هم عدة أطراف، لكن دي ميستورا اعتبر أن بيان الهيئة العليا للمفاوضات جدي ويستحق المتابعة بعد إجراء بعض التعديلات، ونحن نراقب منذ تأسيس هذه الهيئة تعديلات مستمرة على بياناتها وخطاباتها، في حين تستمر الحكومة برفع الشعار نفسه «مكافحة الإرهاب والعملية السياسية».
يدرك الجميع في الأمم المتحدة أن أساس حل الأزمة في سورية هو حل مشكلة الإرهاب، حتى لو رغبوا بحل على حساب الحكومة السورية وليس لمصلحتها، لكن يبدو أنهم أمام رغبة غير جدية بالحل أو عاجزون عنه فواشنطن وحلفاؤها يختصرونها بالمساعدات الإنسانية وهو ما أشار إليه معظم الزعماء الذين تحدثوا من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل ذلك بيوم واحد.
دي ميستورا كشف عن نية التحول إلى محادثات مباشرة في جنيف ولكنه يحتاج لذلك توافقاً أميركياً روسياً كان يمكن أن يمهده الاتفاق الذي لا تزال واشنطن ترفض البوح عنه، وحتى موسكو لم تكشفه وكان باستطاعتها ذلك بعد اتهامها باستهداف قافلة المساعدات بحلب قبل يومين أو بعدما أعلنت دمشق انتهاء العمل باتفاق التهدئة الذي نص عليه الاتفاق الروسي الأميركي.
في غضون ذلك يستمر المشهد العسكري الميداني السوري بتحديد خرائط التفاوض في جنيف وبالتالي اليوم فإن الميدان لا يبشر بالانتقال إلى مفاوضات جدية، ما دامت الأطراف المتحاربة لم تجد اليوم منتصراً عسكرياً واضحاً تدعمه فتقدم الجيش العربي السوري الأخير في حلب لم يكتمل بعد، ولعل إشارة وزير الخارجية الروسي إلى ضرورة «مفاوضات بلا شروط»، وعدم استعداد واشنطن للدفع بمفاوضات في ظل الحرج بعد استهداف الجيش في دير الزور، ما يدفع للاستنتاج المبدئي بأن لا مفاوضات جديدة في أيلول أو حتى منتصف تشرين الأول المقبل، رغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يرغب بجولة جدية تنهي مسيرته الرئاسية وهو الحاصل على جائزة نوبل للسلام في بداية عهده من دون إنجاز.