«الإرهاب والكباب»!
| عصام داري
خياراتنا، على مساحة الوطن، تبدو محدودة بفعل تقلص المناطق الآمنة، وضيق ذات اليد، وهجمة الغلاء الفاحش التي يؤججها تحالف المال مع السياسة، والفساد مع الجشع والطمع وتجار الأزمة مع صيادي الفرص والمحتكرين وكل إرهابيي الداخل الذين نقابلهم كل يوم وهم يبتسمون لنا في الصباح، ويسرقون منا حتى رغيف الخبز قبل أن يذهبوا إلى صلاة الظهر!
هكذا أردت أن أبدأ هذه الزاوية لأن الكيل قد طفح، والفساد صار مهنة يفاخر بها الفاسدون وأسرهم، وصار حب الوطن ترفاً لا معنى له، فانقلبت المفاهيم، واختلطت الأمور حتى أضحت «سمك لبن تمر هندي!!».
اليوم، لم يعد على المواطن سوى الاختباء في منزله كي لا تسقط ورقة التوت التي تخفي عورته، ولا تنكشف أوضاعه الاقتصادية التي وصلت إلى حد عدم قدرته على تأمين لقمة العيش ولو اقتصرت على الفلافل، التي صارت تسابق أسعار اللحوم، وخير الحلول الانزواء في ركن من البيت وممارسة لعبة التأمل والأمل.
أمام هذه الأوضاع التي يعيشها معظم السوريين، تتبخر الكلمات والمعاني والأفكار في رحلة طويلة بين العقل والجنون، بين المعقول واللامعقول، وكثيراً ما تذهب الفكرة الأساسية التي كنا نبغي تصويرها على الورق، وتتطور نحو الأفضل أو الأسوأ، لكننا في الحالتين نندم على فكرة دارت في أذهاننا ولم نستطع ترجمتها كلاماً على أديم الصفحات.
والأسوأ، أننا قبيل أن ندخل إلى عالم الموت المؤقت، أي النوم، تخطر لنا أفكار وكلمات، وربما قصائد شعر، نقول: «الصباح رباح، وفي الصباح سندون ما فكرنا به»، لكننا في الصباح لا نتذكر حرفاً واحداً، فتذهب رواية، قصة، قصيدة أو مقالة أدراج الرياح.
كنت قد فكرت الليلة الماضية في أن أكتب ما يشبه البوح والرومانسية لأنتشل نفسي، ولو مؤقتاً، من بؤس اللحظة، وتوحش يحاصرنا، متذكراً شعر محمود درويش: «حاصر حصارك لا مفر»، لكن اللحظة كانت أقوى من رغبتي في الهروب والتناسي، فكانت الصدمات تلاحق حروفي، والعراقيل والألغام تزرع في دروب أبجديتي، وتأخذني على واقع مرير، ومسلسل من الجمر والنار بات يومياتنا وأحاديثنا التي تشغل كل ثانية من حياتنا.
تغزوني موجات متناقضة من المشاعر، فيختلط الحزن بالفرح، والحب بالكراهية، والتفاؤل بالإحباط، فأجد نفسي وقد فقدت توازني وقدرتي على المحاكمة العقلانية السليمة.
لأننا بشر، نحب ونغفر خطايا من نحب، نحزن، لكننا نبحث عن فرح عابر يداوي أحزاننا، نصل إلى حافة اليأس، إلا أننا في لحظة تأمل نكتشف الدروب المؤدية إلى الغد المشرق، وأفضل تلك الدروب والمسالك هي الأمل والتفاؤل.
لا تهزمنا الكراهية والبغضاء، ولا يجد التطرف والحقد والجهل والتجهيل طريقاً إلينا وإلى نفوسنا التي حصنّاها ولقحناها ضد كل الأمراض التي تصيب بعض ضعاف النفوس من البشر، وأظن أننا تعلمنا كيف نصنع أفراحنا، ونتعالى على الأحزان وأن نطرب لأغنية أو قصيدة أو لحن مفرح.
على الرغم من «فورة الدم» و«فشة الخلق» التي بدأت فيها هذه المقالة، أجد نفسي أمام حالة تفاؤل ألمحها في ابتسامة طفل صغير، أو أن تداعب نفسي لحظة فرح آتية من ابتسامة صبية تشبه الحلم، أو هي الحلم نفسه، وسأظل أحلم مع الحالمين.