تداعيات «درع الفرات»
| عبد المنعم علي عيسى
من الواضح أن أنقرة هي التي تقف وراء حالة المخاض التي يعيشها العديد من الفصائل المسلحة في سورية، والتي تعمل (أنقرة) على تجييشها تمهيداً لزجها في العملية العسكرية التي تقوم بها في الشمال السوري منذ 24/8/2016، وخصوصاً بعدما تبدى من محاذير خطرة إذا ما اندفعت أكثر نحو العمق السوري «قيل إن التفاهمات الروسية- الإيرانية مع الأتراك هي على أن تبقى العملية بعمق لا يزيد على 12كم» ولذا فإنها ستكون بحاجة إلى قوات برية تنفذ مطالبها على الأرض التي حددها نور الدين جنشلي نائب رئيس الوزراء التركي 20/9/2016 حين قال: «إن بلاده عازمة على إقامة منطقة عازلة بمساحة خمسة آلاف كيلومتر مربع وإقامة عدة مدن جديدة عليها» وهو ما يعني عزم أنقرة على إقامة جزر تركية بديلة لتلك الكردية على امتداد الحدود السورية- التركية أقله الآن بطول جبهة 90 كم من جرابلس إلى أعزاز.
وفي هذا السياق يمكن فهم حالة المخاض الحقيقية التي تعيشها فصائل عدة مثل حركة أحرار الشام وفتح الشام «النصرة سابقاً» والجبهة الشامية، التي تكمن دواعيها «أو مبرراتها» في تموضع تلك الفصائل تجاه الفتاوى الصادرة من هنا وهناك التي يجيز بعضها- وبعضها يحرم- القتال تحت إمرة الأتراك أو الأميركان «وهذا لا يعني أن ثمة توافقاً أميركياً- تركياً في هذا المجال بمعنى أن أنقرة لا تريد لواشنطن المشاركة في العمليات البرية وهو ما تؤكده عملية الطرد المهينة التي تعرض لها جنود أميركان في بلدة الراعي «شمال حلب» 15/9/2016 والتي تقف أنقرة وراءها بالتأكيد».
على الرغم من أن حركة أحرار الشام قد تأسست ونشأت واستمرت تركية الهوى والأفكار والميول إلا أن الفتوى التي أصدرها المجلس الشرعي في الحركة مؤخراً 20/9/2016 والتي تجيز القتال تحت إمرة ضباط أتراك قد أدت إلى استعار الخلاف داخل أوساط الحركة حول تلك الفتوى وهو سعار من المقدر له أن يتصاعد في الأيام والأسابيع المقبلة بعد أن أطلق شرارته أبو اليقظان المصري قائد كتيبة «مجاهدون أشداء» الذي أعلن «هو وكتيبته» الانشقاق عن الحركة 20/9/2016 أي بعد ساعات من صدور تلك الفتوى إلا أن ذلك لا يعني أن التيار الغالب داخل الحركة الآن هو الرافض للقتال مع الأتراك ومن المؤكد أن التيار النقيض له هو الراجح عليه «أي التيار المؤيد للقتال مع الأتراك» وهو الأمر «أي رجحان هذا التيار الأخير» الذي يعزى إلى فعل مؤثرات الأخوين نحاس «لبيب وكنان» اللذين استطاعا دعم وتقوية التوجهات الخارجية والغربية داخل الحركة بالتزامن مع متغيرات اقتصادية مهمة طالت مسيرتهما التي أدت بالضرورة إلى تغيّر في الأهداف وفي التحالفات «الداخلية منها والخارجية» فمن الناحية الإيديولوجية قامت الحركة على أسس مغايرة تماماً لما يتبناه الأخوان نحاس وفي ذلك يقول أبو عبد الله الحموي «حسان عبود قائد ومؤسس الحركة الذي قضى مع آخرين في رام حمدان بإدلب كانون الأول 2014»: إن أي قوة تطأ الأرض السورية سوف نعتبرها قوة غازية وسوف نقاومها».
أما جبهة النصرة فهي لا تزال محكومة إلى الآن بفتوى تم تأكيدها مؤخراً في 22/9/2016 وهي تقضي بحرمة القتال مع الأتراك أو الأميركان وبأن ذلك الأمر يعني ردة تستدعي قتل صاحبها، إلا أن ما يجري في الأعماق هو النقيض تماماً لما يجري على السطح أي ما يتم كشفه لمقاتلي ومؤيدي الجبهة، ولذا فإن التحدي المطروح الآن أمام قيادات الحركة هو في إمكان انجرار الولايات المتحدة إلى استهدافها ولربما كانت موافقة واشنطن على هذا الأمر في الاتفاق الموقع مع الروس 9/9/2016 إنذاراً أخيراً للجبهة قبيل أن تعود «واشنطن» عنه مشترطة لتطبيقه فرض حظر جوي في سورية، وهو ما ستضعه الحركة في حساباتها بعد أن تأكدت أن النجاة من الزوال مرتهن بإمكان إحداث تغيير داخلي يتيح لها القتال تحت إمرة الأميركان أما معيقات هذا الأمر الأخير فهي تكمن في صعوبة تسويقه من دون أن يؤدي ذلك إلى إحداث انهيارات داخلية تهدد وجود الجبهة برمتها.
في الجبهة الشامية يمكن القول إن التيارين المتموضعين على جانبي الفتاوى التي تجيز القتال تحت إمرة الأميركان أو الأتراك يكادان أن يكونا متوازنين أو هما أقرب إلى التوازن، والصراع الدائر داخلياً الآن يهدف إلى إحداث تغليب للتيار المؤيد لتلك الفتاوى وهو ما يظهر في قول «أبي يوسف» القيادي في الجبهة «إن الأمر (أي القتال تحت إمرة الأميركان) ماشي بالصرماية» قبل أن يضيف في تسجيل صوتي بدا فيه مخاطباً للرافضين أنه «مستعد للتحالف مع اليهود لكي يصل إلى هدفه».
مخاض الفصائل المسلحة الجاري يتلمس مناخات خارجية محيطة بالأزمة وهو في أغلبيته سيفضي إلى انجرار تلك الفصائل نحو تنفيذ أجندة بعيدة كل البعد عما تتطلبه المصلحة الوطنية السورية ولربما كان هذا الأمر الأخير هو الشرط الأميركي الوحيد لاستمرار تلك الفصائل.