كيال: دمشق لها دين برقبتي.. وكل شيء أقدمه وفاء لها
| سوسن صيداوي
منير كيال أحد أبناء دمشق من مواليد 1931حي «الشاغور»، التحق بجامعة «دمشق» قسم الجغرافيا وتخرج فيها عام 1962، قدم نحو 20 كتاباً تتحدث عن «الشام» بكل تفصيل كبير أو حتى صغير، لكل ما ينبض فيها من حياة متباينة، بين ندى الياسمين، أو عبير الفل، أو الرياحين، أو من بين العتبات والأسطح وكل الجنبات في البيوت والحمّامات والأزقة والمساجد والكنائس والمدارس، كان منير كيال الحاضر والناقل لكل ما يمكن ولو كان رّفة عين، فكل ما في دمشق مذكور ومؤرخ بقلمه، وكل ما لنا من صور حياتية وعادات وتقاليد وأعياد ومناسبات، كلّها في تلك الكتب، ليس هذا فقط بل مارس منير كيال التصوير الفوتوغرافي منذ عام 1950 وحتى عام 2000، وأقام ستة معارض فردية، وكما قال «لو عشت ثانية وثالثة، فسأعود لأكتب ما كتبته وربما لأرمّم ما أغفلته عن هذه المدينة».
التكريم واجب
ولأنّ التكريم هو واجب على المعنيين وضرورة للمكرّم كي يتأكد من أن عطاءه وما بذله من الجهد في سبيل رسالته لم يذهب سدى، بل هو باق قدر الإمكان، مع امتنان كبير لهذا العطاء سواء من المعنيين أو حتى جمهور المتابعين، وانطلاقا من الحب الكبير والتقدير الأكبر لقامات وطنية سورية عنى بها الوطن كثيراً، أقام فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب تكريما للباحث والمؤرخ منير كيال في المركز الثقافي في أبو رمانة وتخلّل التكريم عرض مصور لحياة المؤرخ ومن ثم كلمات تقدّم بها أصحابها مازجين فيها كل الحب والتقدير والعرفان مع التمنيات بدوام الصحة والعافية للأستاذ منير كيال.
دمشق ومنير كيال
بين الحضور في يوم التكريم كان الرفيق والصديق لمنير كيال، الأديب والباحث نصر الدين البحرة الذي أشار خلال كلمته في الحفل، إلى عمق علاقته مع منير كيال التي تعود إلى زمن تشكيل أول فرع لاتحاد الكتاب في دمشق حيث تقدم بكلمته بعنوان «دمشق ومنير كيال أو منير كيال ودمشق» بادئا حديثه بتعداد مجموعة من المؤرخين لتفاصيل مدينة دمشق ومنهم على سبيل الذكر «وصفي المالح، أكرم حسن العلبي، نجاة قصاب حسن، خالد معاذ، ناظم الجعفري الذي وضع خمسة آلاف صورة عن دمشق إضافة إلى الكثير» كما ذكر كتب منير كيال قائلا «الذي يميّز كتب منير كيال ليس فقط المعلومات الشائقة التي استمتعنا بها كثيرا، بل كتبه كبيرة تصل إلى واقع ثلاث مئة وخمسين صفحة، هذا على أقل تقدير، ومنها «ياشام»، و«الحمامات الدمشقية» فكل قسم فيه موثّق بالصورة وبالتاريخ، الأمر الذي يدّل على جهده المبذول في ذكر معلومات شديدة القيمة والأهمية هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك الطرافة المتعمّدة في ذكر الأحداث في الكتب التي هي من واقع دمشقي حقيقي، كما في الجزء الأخير بالحديث عن الحمّامات الدمشقية ففيه جزء طريف جداً يصف فيه ما كان يحدث من أمور مضحكة بين الزبائن».
دمشق ومنير كيال الساحر
كما كان بين الحضور أعضاء من اتحاد الكتّاب العرب وكان مثّلهم بكلمته، حسن حميد عضو المكتب التنفيذي الذي جاء بها شاملاً قدر الإمكان لما يتصف به المؤرخ والباحث منير كيال، سواء من خلال المواظبة على العمل والاجتهاد لتقديمه بالشكل الأمثل، أو في الدقة بذكر التفاصيل المجموعة في كتبه المطبوعة، وعلى قدر ما كان التعداد كبيراً إلا أنه لا يصل، وحسب ما قال حسن حميد، إلى الشفافية والعمق، معتدا بصداقة طويلة دامت بينهما، جمعها اتحاد الكتّاب العرب «أنا في حفل التكريم بصفتي الشخصية، وكصديق لهذا الرجل الذي عشت معه في اتحاد الكتّاب العرب أوقاتا طويلة لو قيّضت لي الظروف كي أتحدث عن منير كيال، لربما خرجت بكتاب قد لا يوفيه حقه لأنني تعلمت منه الكثير».
كما وصف في كلمته حالة العشق بين دمشق ومنير كيال «دورة المعرفة من جهة ودورة الحياة التي عاشها منير كيال من جهة ثانية، هي دورة العشق الأبدي حول دمشق الساحرة، الدورة التي لا تشبهها في الجذب والافتتان والخدر المشتهى، سوى دورة الدراويش حول المعاني، والدوران هنا وهناك هو من أجل التخفّف من حر الشوق الحارق كالنار، الموجع كالفراق، والندّاب اللحوح كالعطش».
أمة لا تكرّم أعلامها.. عمياء
كما تقدّمت بكلمتها أحلام ترك مديرة التراث الشعبي في وزارة الثقافة، معتبرة كالكل أن منير كيال فارس من فرسان التراث الشعبي الدمشقي الذي قضى ربيع عمره في خدمة مدينة الياسمين والحب، قائلة «منير كيال جعل قلمه ينضح بحب الفل الأبيض والتراث الدمشقي المملوء سحرا، يقف في محرابه يفتش عن أسراره بين الذاكرات الدمشقية العتاق، الأستاذ منير كيال أدام اللـه عمره لأن قلمه لن ينضب مادام يستوحيه من السحر الدمشقي الرائع الغني، فهو معلَمة ثقافية ولن يستطيع أي باحث أو مؤرخ الوقوف على أسرار هذه المدينة الجميلة وماضيها المعطر بأسرار لا تبوح إلا بما كتبه الأستاذ منير كيال في مجالات المعرفة الشعبية، فمن منا لا يعجب عند المطالعة بأحد كتبه منها سهرات في الشام أيام زمان أو البيت الدمشقي أو رمضان وتقاليده الشعبية أو في الحمّامات الشامية، وغيرها الكثير مما خطّها المؤرخ بقلم عربش عليه الياسمين، والأمة التي لا تكرّم رجالاها وأعلامها ومن وقفوا في خدمة قضاياها وتراثها وتاريخ ماضيها، هي أمة عمياء لا تبصر طريق مجدها مثلما تجهل كبارها».