وجه سوري في السينما العالميّة … المخرج زياد حمزة لـ«الوطن»: لو كانت أسمهان رجلاً لاحتفي بها على أنها بطل أسطوري
| عامر فؤاد عامر
حصد أكثر من 40 جائزة في مجالات الإخراج والإنتاج، والكتابة، وآخرها كان «السعفة الذهبيّة» على فيلمه «الدليل الدامغ» في مهرجان بيفرلي هيلز 2016، وهو الوحيد في تاريخ هذا المهرجان الذي حصل على السعفة مرّتين، فقد سبق أن نالها عن فيلم «المرأة» 2007. يستعد اليوم لإخراج فيلم «ملحمة أسمهان». له مسرحان في لوس أنجلوس الأميركيّة، «القبضة المفتوحة»، و«الساحة المصريّة»، ومن هذين المسرحين كانت أسماء كثير من الممثلين المشهورين الذين نراهم في الأفلام السينمائيّة.
أمّا الجوائز التي حصل عليها فهي في مجال الإخراج: « صبيان الإستاد (وثائقي) 2009، هنري أوه 2007، رسالة: بلدة أميركية و«غزو الصوماليين» (وثائقي) 2001. وغيرها.
في مجال التأليف: «الرجال المعلقون وفنّ المكالمة المثاليّة 2003، عقدة العربي 1993، الحزب 1984 سورية: الحرب والسلطة. وغيرها.
في مجال الإنتاج: «زهرة حلب (منتج مشارك) 2015، ثرثرة: أهل الله الأصغر (وثائقي) 2009، ظلّ الأمجاد 2000، وغيرها.
المخرج السينمائي «زياد حمزة» مخرج من سورية من مواليد مدينة دمشق 1959، طرحنا عليه مجموعة من الأسئلة ليجيب عنها بكلّ رحابة صدر:
قدّمت فيلماً يخصّ المرأة السوريّة وكانت شخصيّة «بثينة شعبان» هي محورها، هل تعتقد أن مثل هذه الخطوة كافية لمنح صورة واضحة عن المرأة في سورية؟ وهل من خطوات جديدة تفكر فيها نحو بلدك الأمّ في السياق نفسه؟
إن فيلم «المرأة» الذي قمتُ به في سورية ليس كافياً ليحكي قصّة المرأة العربية. إنه مجرد فيلم يتحدّث عن حالة معيّنة، ويتركز على حياة «بثينة شعبان»، التي تربت في عائلة فقيرة، وعملتْ بجدّ لتحقق النجاح. من خلال هذه القصّة، ركّزت على الخصائص المشتركة عند المرأة العربيّة، التي تتميز بالتركيز والعطف والذكاء والطموح. ثمّة الكثير لنتناوله عند الحديث عن المرأة العربيّة، فيما يتعلّق بالقضايا التي نواجهها يومياً ضمن القيود المجتمعيّة التي تكبلهن. هذا وسأقوم بعمل المزيد من الأفلام عن المرأة العربيّة.
حصدت جائزة «السعفة الذهبيّة» في مهرجان «بيفرلي هيلز» السينمائي الدّولي مرّتين، فماذا يعني لك الحصول عليها؟ وهل يعني لك التكريم بصورة عامة معنى خاصّاً؟ وكونك أوّل مخرج يحصدها مرتين، ماذا تقول؟
من الرائع دوماً أن تتعرف إلى عملك، وإننا لا نعمل من أجل الحصول على الجوائز، إننا نعمل من أجل لمس روح البشريّة، ولتبادل القصص والإسهام في بناء عالمٍ أفضل. إن اللحظة التي تمّ تكريمي فيها أمام عائلتي بأكملها، هي أفضل جائزة تلقيتها، وذلك لأن إيماني قويّ بأننا سفراء لبلدنا وأهلنا.
مخرج من أصل سوري يثبت نفسه بجدارة في أميركا. هذه معادلة تشير إلى اجتهادك من جهة وتفوقك من جهة أخرى، كيف ستحافظ على هذا المستوى؟ وإلى أين تنظر في مستقبلك؟
لأني مخرج أفلام ناجح في هوليوود، فهذا لم يأت من الفراغ، فقد واجهت الكثير من المنافسة والمعارضة، وأنا لم أطلب مساعدة أيّ شخص، لقد بنيت مهنتي بمفردي دون استئذان من أحد. وبدلاً من ذلك، فقد دخلت باب «هوليوود» من خلال عمل فريد وشجاع، ويمكنني تأليف كتب عن كل الآلام التي أشعر بها خلال طريق تحقيقي للنجاح، ولا يسعني إلا أن أتمتع بعاطفة قويّة في روحي، والتي توجّهني وتدّعمني في كلّ خطوة على طريق تحقيق هدفي.
هل اطلعت على إنتاجات السينما في سورية خلال السنوات الخمس الماضية؟ ما رأيك بمستوى ما قُدم وما أُنتج؟ وهل لك ملاحظاتٍ عليها؟
لم أر ولم يتمّ توجيه دعوة لي للمشاركة في السينما السوريّة خلال السنوات الخمس الماضية. إنني أعارض المشاركة في السينما السورية بسبب أولئك الذين يسيطرون على السينما السوريّة.
«الدليل الدامغ» فيلمك الأخير؛ ما الذي حمل من جديد في تجربتك، وماذا أضفت فيه بعد سلسلة طويلة من الأفلام والإنتاجات؟
يقدّم لي كلّ فيلم أقوم به فرصة لتجربة جديدة. إن قصة «الدليل الدامغ» تبدأ بحادث السيّارة الذي منع «جانين ماركهام»، عالمة الفيزياء الفلكيّة المشهورة على مستوى العالم، من إلقاء محاضرة لها مثيرة للجدل حول النتائج التي توصّلت إليها. يضع الحادث «جانين» على مفترق طرق من الوعي واللاوعي، بين الغيبوبة واليقظة في الوقت الذي تناضل فيه من أجل العيش. ولكن حتى في حالتها الساكنة وغير المتجاوبة، فإن عقلها يترنح بين واقعين اثنين، وتستمر في سعيها نحو تقديم الحقيقة.
بالنسبة لزوج «جانين» وآخرين، فإن قبول الدليل القاطع أنها تقدّم ما لا يمكن تصوّره – إننا محدودون في هذا الكون – لا إله يسمع أو يجيب صلواتنا ولا يعاقبنا على خطايانا، إن الإنسانيّة تعتبر بشكل كامل منتجاً من الأحداث العشوائيّة، وإن معاناتنا، بل حياتنا وحبّنا لا جدوى منهما. أن رحلتها، في حين أنها عالقة بين عالمين، يكتنفها أحداث مظلمة وغير قابلة للتفسير، ما يخلق زوبعة من المشاعر المضطربة والإدراكات المرعبة. ومن المفارقات، أن الحادث الذي أرغمها على التوقف عن تقديم النتائج، قد سمح لـ«جانين» أن تدرك أن هاجسها قد أعماها عن رؤية الحقيقة المهمّة والواضحة أكثر من ذلك بكثير.
لقد اختير هذا الفيلم ليوزّع في جميع أنحاء العالم من خلال شركة «شورلاين إنترتينمينت» وهو الآن يجوب كل المهرجانات حول العالم. هذا وسيتم عرض الفيلم تجاريّاً في الخريف.
المادّة التوثيقيّة في أفلامك واضحة والعناوين تشهد بذلك. أتعتمد التوثيق دائماً؟ وهل تعتقد أنها إحدى مهام المخرج السينمائي؟
تعتبر الأفلام الوثائقيّة مهمّة جداً بالنسبة لي كمخرج نشيط، لقد اخترت فقط أن أخبركم بتلك القصص التي أهتم بها والتي هي في صلب الموضوع.
علمنا أن هناك فيلماً عن المطربة الكبيرة «أسمهان» ضعنا في التفصيلات التي يمكن التحدّث فيها؟
نعم سأقوم بفيلم يتناول قصة المطربة الكبيرة «أسمهان»، وذلك لعدّة أسباب:
«أسمهان» ذات شخصيّة قويّة وصارمة، وقد واجهت كل حالات التمرّد، والتي كانت تستهدف قمع روحها كامرأة. إن قوّتها وشجاعتها ونبل صفاتها، كلّ تلك الصفات ساهمت في تمهيد طريق النجاح لأجيال النساء اللواتي قدمن بعدها.
كانت كلّ تجربة في حياة «أسمهان» استثنائيّة، من لحظة ولادتها وصولاً إلى وسط العاصفة المضطربة في البحر الأبيض المتوسط، وحتى اللحظات الأخيرة من حياتها، والتي انتهت من خلال غرقها بشكلٍ مأساوي، في نهر النيل. تشكّل «أسمهان» أسطورة. بلا حرج وبلا حياء، تجاهلت الحدود كافة، وتحدّت كلّ الاتفاقيّات، وطالبت بكل مستحقاتها. إن «أسمهان» المفتونة والملأى بالشغف والموهوبة والمضيئة، قد رفضت العيش داخل الحدود المفروضة على النساء في ذاك الوقت. كانت دائماً تسعى للتوفيق بين رؤيتها لما يمكن أن يكون وبين التوقعات الثقافيّة لذاك اليوم، جوهرها الحقيقي كان دائماً يسود، لقد اختارت مراراً وتكراراً تكريم غريزتها، إضافة إلى توجهها لأن تكون أفضل وألمع. وقد رفضت أيّ تسوية لمجرد تذوق طعم الحياة، لقد اختارت بدلاً من ذلك الانطلاق نحو اللامحدود، ولذلك فقد كانت معشوقة ومحسودة ومكروهة.
لقد وُلدت نبيلة، وكانت أميرة عند زواجها، أصبحت «أسمهان» بمثابة ضوء البرق الذي يحمل الخير والشر. إن جمالها وأنوثتها وعبقريتها الموسيقية قد أثارت مشاعر الإخلاص والغيرة والعشق والازدراء، والفرح غير العادي والخوف الكبير. وبسبب شغفها الذي كان لا يرحم، إضافة إلى الضغوطات التي كانت تتعرض لها من الآخرين والتي كانت تهدف لخنق أو تقييد أنشطتها، ما أثار المزيد من الجدل.
لقد كانت ثوريّة، وقد رفضت أن يتمّ خنقها من خلال توقعات الآخرين، وحتى عندما كانت تعترضها العقبات الموضوعة في طريقها، كانت قوية ومن الصعب التغلب عليها.
عندما أُجبرت على الزواج، فإن محرك أسمهان لتحديد نفسها أمر لا يمكن تجاهله. وعلى الرغم من أنها حاولت كبح جماح طموحاتها، إلا أن شخصيتها قد واصلت الصعود. وعلى الرغم من محاولاتها للامتثال للمعايير الثقافية في ذاك الوقت، إلا أنها لم تكن قادرة على إطفاء النيران المتقدة داخلها، وإن عدم قدرتها على الانسجام، قد تم فهمه من الآخرين على أنه تحد، وقد تردد تأثير صدى ذلك في جميع أنحاء الدول العربية.
لقد أصرّت «أسمهان» على التعبير وتعريف نفسها أثناء البحث عن الهوية داخل أنقاض ما وصفته العالم الفارغ. وقاتلت بضراوة للحصول على القبول في عالم الرجال. وقد أُسيء فهمها. ولأنها ولدت لدى أسرة درزية، فقد رغبت بشدة تكريم شعبها، من خلال المساهمة في التثقيف والتمكين وتحديد المصير كما فعل أجدادها من قبل. وكثيراً ما تم سماعها وهي تهتف بكل فخر في نسبها قائلةً «أنا أمل الأطرش، ابنة عم البطل العظيم سلطان الأطرش!» ولكن متجاوزة العيش في كنف أقاربها الذكور الأقوياء، فقد أرادت أسمهان لإسهاماتها الخاصة أن تلقى التقييم والاحترام. إنها واضحة في كل ما فعلته، وكانت ترغب بشيء واحد ويكمن في إثبات الذات، هذه الشخصية الشاهقة لامرأة تحتاج للمصادقة كحاجتنا للطعام والماء. إن إثبات الذات كانت بمثابة القوة الدافعة وراء كل ما أنجزته. إنها بحاجة لذلك، وعلى نحو شديد من شعبها الدرزي، والذين كانوا يعتبرونها أميرة جديرة قدمت إسهامات قيمة لعالمهم. وإخوتها كانوا ينظرون لها بشكل جيد نظراً لإسهاماتها المالية كما يفعلون، ومن معجبيها، كانت تلقى الاحترام كفنانة كبيرة. ولكن العديد كانوا يستخفون بـ«أسمهان» وباستمرار على أنها مجرد فنانة مثيرة وذات موقف متمرد. إن طموحها لتحقيق أهدافها يبدو أمراً غير ممكن. لقد عاشت حياة بائسة لم تستطع أن تتحكم بها ولا أن تنتصر. ومع ذلك، لم تذعن أسمهان لأي أحد. لقد أصبحت امرأة تلقى الإعجاب، ويخشى جانبها وتلقى الاحترام، وقد حققت ذلك من خلال مواجهة كل التحديات التي كانت تعترضها، ولم تذعن للألم أو الإذلال الذي لحق بها. وعلى الرغم من أن عالمها كان قد تأثر بالمعايير الثقافية التي سعت إلى قمع أحلامها، والسيطرة على سلوكها، وتدمير طموحاتها، إلا أن أسمهان رفضت الانصياع. لو أنها ولدت رجلاً، لكان تم الاحتفال بـ«أسمهان» كصاحبة رؤية وكبطلة. كانت حياة أسمهان القصيرة عبارة عن رحلة رائعة، ومن خلالها أخذنا نظرة غير عادية عن القوة الدائمة لروح الإنسان. لقد تركت أثراً لا يمحى في عالمنا. إنها تجسيد لطائر الفينيق الذي ينهض من الرماد، وإن روح الشباب لديها تعكس الطموحات المتقدة لدى جميع النساء اللواتي يواكبنها في عالم الخلود.
لديك تجربة في ميدان المسرح وفنّ تعليم الممثل أو تدريبه إلى أيّ حدٍّ يضيف لك هذا الميدان الغنيّ في تجربتك السينمائية؟
إن التدريس والمسرح لهما حضور دائم وقوي في حياتي ولاسيّما السينمائيّة منها.