التحكم بحفرة النار
| حسن م. يوسف
قبل الشروع بكتابة هذه الكلمات انتهيت من قراءة بحث طويل بعنوان «التحكم بحفرة النار» حول حقيقة السياسة الأميركية في سورية والشرق الأوسط. وبما أن عنوان البحث يلخصه سأكتفي بالوقوف عند العنوان.
يصف الباحث سورية من وجهة نظر السياسة الأميركية بأنها «Fire Pit» أي حفرة النار أو الأُثْفِيَّة وبما أن معظم قرائي الأعزاء لم يولدوا في بيت ترابي مثلي لذا أسمح لنفسي أن أعرفهم بالأثفية.
قبل تطيين أرضية غرفة الجلوس في البيت الترابي التي تسمى (السيباط) تحفر في منتصفها جورة دائرية تدعى الأُثْفِيَّة، كنا نلفظها «تفيَّة»، توضع في أسفلها بلاطة كبيرة يتم فوقها إشعال النار في الشتاء بغرض التدفئة والطهو، وتحيط بها مَدَّة عربية لها شكل حدوة الحصان، كنا نجلس فوقها مادين أيدينا وأرجلنا نحو مصدر الدفء، وليس بين أقفيتنا والتراب سوى بساط من القش فوقه لبَّاد مَكْحُوت من الصوف. وغالباً ما ينتصب فوق النار حامل معدني ثلاثي القوائم، تعتليه وجبتنا وهي تبقبق في قدر من الفخار يغطيه السخام.
وهذا الحامل هو ما أعطى الحفرة اسمها فـالأُثْفِيَّة على حد قول ابن منظور في «لسان العرب» هي ما يوضع عليه القِدْر، والجمع أَثافيُّ وهي الحجارة التي تنصب وتجعل القدر عليها.
أهم ما يميز حفرة النار – الأُثْفِيَّة هو أنها تحتاج لمراقبة دائمة أثناء اشتعال النار فيها، فإن غفل أصحاب البيت عنها قد تنطفئ النار تحت الطبخة أو تحرقها، وقد يتسبب شرر متطاير من لهيبها بحرق البيت بما فيه.
لست أخفيكم أن تسمية السياسة الأميركية في سورية بـ «حفرة النار» قد أقلقني حقاً ذلك لأن الأميركان يختارون اسم كل واحدة من عملياتهم بما يناسب العقيدة العسكرية التي يتبعونها فيها، وما علينا إلا أن نتذكر «درع الصحراء»، و«عاصفة الصحراء»، و«وحش الصحراء»… إلخ. وهدف الأميركان على حد قول الصديق رشاد كامل من إطلاق حفرة النار على سياستهم في سورية هو الإيحاء بأن أميركا تتعمد إبقاء النار مشتعلة في سورية، «وترك السوريين مثل الحطب يفني بعضه بعضاً». إلا أنها في الوقت نفسه تتعمد الإحاطة بحفرة النار كي «لا تمتد إلى باقي المنطقة». أي إلى بيوت أصدقائها في الكيان الصهيوني والسعودية ومن لف لفهما!
من مزايا النظام السياسي في البلدان الغربية أن اللصوص فيه يختلفون فيما بينهم، وعندما يختلف اللصوص يظهر المسروق. كما أن رغبة الأفراد في تمييز أنفسهم عن غيرهم تدفعهم للاعتراف في مذكراتهم بالكثير من شناعات حكوماتهم وبشاعاتهم، ولعل أبشع ما قرأت من اعترافات هو ما ردت به مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة عام 1996في برنامج 60 دقيقة عندما سألتها المذيعة قائلة: «إن نصف مليون طفل عراقي ماتوا بسبب الحصار وهذا العدد أكبر من عدد ضحايا هيروشيما، هل كان الأمر يستحق هذا الثمن؟ فأجابتها أولبرايت: «كان خياراً بالغ الصعوبة، لكن الأمر كان يستحق هذا الثمن».
غير أن أهم تصريح يفضح حقيقة السياسة الأميركية جاء على لسان هنري كيسنجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق: «ليس من مصلحة الولايات المتحدة حل أي مشكلة في العالم، بل من مصلحتها الإمساك بخيوط المشكلة وإدارتها حسب مصالحها».
إن نار أميركا التي تطمح لأن تحولنا إلى رماد لا يمكن أن تستمر في اشتعالها إلا إذا وفرنا لها وقودها وأوكسيجينها، فهل سيستخدم السوريون عقولهم لما فيه خيرهم وخلاص وطنهم، أم إنهم سيكونون حطباً لنار أميركا التي تطمح لتحويل سورية والسوريين إلى رماد؟