إقالة.. أم تكريم!

| هني الحمدان
يعتقد البعض أن إقالة أي مدير من منصبه خطوة في اتجاه محاربة الفساد..! لكن الحقيقة أن مثل هذه القرارات في أغلب الأحوال لا تشكل الطريق الصحيح لمحاربة الفساد ولن تسهم في تحولنا نحو الأفضل ولن تنتهي معاناتنا وكوارثنا الإدارية والمالية والخدمية.!
الحقيقة أن من يعتقد أن مثل هذه القرارات سوف تعطي نتيجة إيجابية هو واهم جداً، لأن منظومة الفساد قد تغلغلت في جميع مفاصلنا الإدارية والخدمية وفعل «السوس» فعله وحفر أنفاقاً واسعة في منظومتنا الأخلاقية.
اليوم الكل يدعي محاربة الفساد وأكثر من يردد هذه المعزوفة هم الفاسدون، والحكومة اعترفت أكثر من مرة، ولأن الفساد أصبح أسلوب حياة وبات مرادفاً لأنشطتنا وأعمالنا ولمهامنا ولعلاقاتنا نتيجة المحسوبيات والشخصنة، حيث يتم وبمجرد تسلم أي مسؤول العمل فوراً على إقصاء المرؤوسين له الذين كانوا يعملون مع سلفه، لأن هذا المسؤول يعتقد باستمرار ولاء هؤلاء لسلفه… هذا المفهوم يشكل مع استمراره حالة من انعدام الثقة بين مختلف مفاصل العمل الحكومي ويدفع الأشخاص إلى إهمال أعمالهم والاهتمام بتكريس الولاء للأشخاص على مختلف مناصبهم، ويسود مبدأ «حكلي تا احكلك» وهذا أخطر الأمراض الإدارية في العمل الحكومي.. اليوم هناك بعض المديرين تحولوا إلى تجار وانتهازيين نتيجة ما جنوه من الفساد خلال السنوات الماضية بسبب عدم المحاسبة، هناك من تاجر بأرواح وأرزاق العباد من دون أي رقيب أو حسيب.
فجأة يتذكر البعض أن هذا المدير أو ذاك هو فاسد!! للأسف باتت ثقافة الفساد هي الأكثر رواجاً في المجتمع وأصبح الفاسد هو القدوة عند الكثير من الناس، والشرفاء والأكفاء مثاراً للشفقة وربما للسخرية.
منذ عدة أشهر تم إعفاء أحد المديرين ولم يهتز له جفن فالرجل ادخر الملايين بالعملة الصعبة وتحول بقدرة قادر إلى رجل استثمار من الطراز الرفيع. هذا المفهوم في حال تطوره وتكريسه سيشكل خطراً كبيراً على منظومة الإدارة في البلاد، لذلك يجب أن يكون إعفاء أي مدير مهما كانت مرتبته معللاً بأسباب واضحة ومؤكدة وعدم ترك إصدار هذه القرارات لمزاجية الوزراء، ولا يجوز أن نعفي شخصاً إلا وأن تتم محاسبته، ومن دون ذلك نكون نعطي هؤلاء الفاسدين شهادة تكريم على ما ارتكبوه عندما نعفيهم من مناصبهم من دون محاسبة.!