لا بدّ من البحث عن أسلوبيّة متجددة لرواية ما يحدث في الداخل السوري … بين «إكليل الشوك» و«ردّ القضاء» … حكاية متجددة للسينما في سورية
| عامر فؤاد عامر
تعدّ القضيّة الفلسطينيّة محور الهمّ العربي والجوهر الأساسي الذي بنت عليه الأمة العربيّة أهدافها ومقوماتها في القرن الماضي، وللسينما دورها الفاعل في لفت أنظار العالم إلى هذه القضيّة الجوهريّة، وهذا ما نجده مطابقاً في الوعي السينمائي السوري من خلال فيلم «إكليل الشوك» للمخرج «نبيل المالح»، الذي قدّمه كتحفة عالميّة، مزج فيها في الأسلوبيّة بين الوثائقي والروائي، فألقى الضوء بذكاء على مشاهد توثّق لهجرة الفلسطينيين إلى سورية بعد نكسة حزيران 1967، وعيشهم في الخيام التي احتوتهم «وهي دلالة أخرى» فالجميع على قناعة بأن هذا المكوث لا بدّ أنه مؤقت. وبين سردٍ تفصيلي لحياة أسرةٍ فلسطينيّةٍ مؤلّفةٍ من أب وابنته، وقد أدى الدور الفنان القدير «صلاح قصّاص»، بلغةٍ تمثيليّةٍ عالية، لا حوار فيها، بل كانت حركات جسدية وبصرية تروي تفاصيل المأساة كلها، لتصل تفاصيل هذه القصة لكلّ من يتابع الفيلم في أي مكان في العالم. ويروي الفيلم بمشاهد بسيطة حكاية الهجرة إلى دمشق من خلال عائلة فلسطينية وكيف تبدأ هذه العائلة بالتأقلم مع الواقع الجديد على الرغم من تعلق الذاكرة بأرض فلسطين فتنشأ علاقة مع المكان الجديد وهو ممثل بدمشق لتولد حالة مزج بين الواقع الحالي والماضي القاطن في الذاكرة.
إصابة الهدف
من ير ومن رأى فيلم «إكليل الشوك» من الغرب، وهذا ما تؤكده الحوادث والأرقام، يتعاطف منذ بداية الفيلم مع القضيّة الفلسطينيّة، فتشير الوقائع إلى انضمام العديد من شباب الغرب إلى منظمة التحرير الفلسطينيّة، والاندماج في صفوفها للنضال ضدّ الصهيونيّة التي تبرر لنفسها زوراً احتلال الأرض العربيّة الفلسطينيّة، وطرد أهاليها، وقتل من يتبقى منهم عليها، وذلك قبل أن تأخذ المنظمة صبغتها الدينيّة. فالجميع يعلم بأن هناك كثيراً من المتطوعين جاؤوا إلينا من دول أوروبا الشرقيّة، ومن ألمانيا ودول أوروبيّة كثيرة وهذا ما نودّ الإشارة إليه بقصد أن السينما لها لغة مهمّة في إيصال الحقيقة، والانتصار للقضيّة.
أمثلة لا تُنسى
لم تنته سلسلة العمل السينمائي في التعبير عن الرؤية والحسّ الذي يمثل ابن الوطن فتشير الدراسات إلى أن محاولات أخرى جاءت في السياق نفسه لتعبّر بحسب رؤية مخرجيها عن واقع الحال من خلال السينما السوريّة ومنها أفلام «كفر قاسم» للمخرج برهان علوية، وثلاثيّة «رجال تحت الشمس» للمخرجين نبيل المالح ومروان مؤذن ومحمد شاهين عن الرواية الشهيرة للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، و«المخدوعون» للمخرج توفيق صالح والذي يعد واحداً من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما العربية التي تناولت تأثير الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين 1948، وغيرها.
وصل الحقيقة
يبقى الهمّ موجوداً، وإن اتخذ صوراً متجددة، فاليوم لدينا محاولة من المخرج «نجدة إسماعيل أنزور» في فيلميه «فانية وتتبدد» و«ردّ القضاء». ونترك مجال المقارنة لمن يهتم ويقارن في الأسلوب، ولا بدّ أن لكلّ مخرج رؤيته الخاصّة في عالم الإخراج السينمائي، ولكن في فيلمي «ردّ القضاء» و«فانية وتتبدد» اتجاهاً جديداً من حيث إيصال صورة للآخر حول ما يحدث من الداخل في سورية، وفي الوقت نفسه عن طريق وثائق حقيقيّة، وأسماء حقيقية لم تنته الذاكرة القريبة من نسيانهما بعد، ويبدو أن سياسة الفيلم الحديث هنا قويّة ومنطقيّة، ويبقى للتنفيذ دوره أيضاً في الإقناع، فإيضاح هذه الصورة الحقيقيّة لدول الغرب بات واجباً ومسؤوليّة على الجميع كي لا يحكم على الأمور من بعيد وبجهل. فحجم الصورة المرسومة بين حرب المتطرفين على الأرض السوريّة من جهة، وحرب أكثر من 80 دولة بين مقاطعة العلاقات مع سورية أو اتخاذ قرارات علنية وصريحة في هدم الدولة، ستحتاج إلى عشرات بل مئات الأفلام من المنهج نفسه والسياسة تلك.
عبء المسؤوليّة
لدى رؤية المشهد باتساعٍ كاملٍ لا بدّ أن نرى عبء المسؤوليّة على المخرج «أنزور» هنا، فكيف له أن يوضّح صورة ليست لليوم فقط، بل ستبقى للأجيال القادمة من دون أن ننسى أنه الوحيد الذي يسعى لهذا المنطق الإخراجي اليوم، فالإنتاج قليل ومحصور في المؤسسة العامة للسينما تقريباً، ولا إنتاج خاصّاً واضحاً في ذلك. وهنا نطرح الأسئلة، هل إذا رأى المتابع في أميركا أو أوروبا أو أستراليا فيلم «ردّ القضاء» سيتعاطف مع السوري، ويتخذ موقفاً إيجابياً من القضيّة؟ أم إنه سيقول الحرب حربهم، ولا شأن لي في المسألة! وهنا اللعبة الذكيّة والخطرة في الإخراج السينمائي، والتي يجب أن تكون أكثر حذراً في تقديم نفسها. والإجابة التي نتوخاها هي أن يكون هناك توضيح جميل، ومتابعة سليمة من الآخر لما يقدم اليوم من أفلام، فالبارحة «فانية وتتبدد» واليوم «ردّ القضاء»، وعلينا أن نهتمّ لمسألة التسويق، وعرض العمل خارج البلاد، فهذا هو الأمر المهمّ أيضاً، والذي يحتاج إلى علاقات كبيرة «شخصيّة وغير شخصيّة» حتى تتم للوصل بين الغربي والعربي.
الفائدة للجميع
أعود هنا للدقة التي عمل فيها «المالح»، والتي جعلت من فيلمه «أكليل الشوك» يدور أنحاء العالم ليُعرض، ويكسب مؤيدين للقضيّة الفلسطينيّة، على حين نحن اليوم بحاجة إلى مثل هذه السياسة ليتمّ عرض الأفلام السوريّة، التي أُنتجت والتي يمكن أن تنتج في المستقبل أيضاً، والتي يجب أن توثّق أكثر، وتُدرَس أكثر كي تجلب الفائدة للجميع، وتحمل موقفاً جديداً من دول العالم، ولتتراجع فيه الدول عن المواقف السلبيّة التي وقفنا أمامها بيأس على مدى 6 سنوات باستثناء الموقف الروسي والإيراني والصيني.
الفكرة والمبدأ
لا بدّ أن فيلم «فانية وتتبدد» هو الفيلم الأول في تاريخ أفلام المؤسسة العامة للسينما الذي حصد جماهيريّة كبيرة في عرضه، بل حصد مردوداً غير متوقع للمؤسسة، لكونها تنتج أفلاماً غير ربحيّة، لكنه حصد رقماً لم يكن في الحسبان بالنسبة للمؤسسة، وذلك من حيث المردود المادي، وهذا إن دلّ على شيء فهو يدلّ على شغف المتابع في البحث عن الحقيقة والتلهف من جديد لرؤية ماذا يجري في سورية، وهذا بالنسبة للمتابع في سورية، فكيف هو الأمر بالنسبة للمتابع خارج حدود الوطن أو في أوروبا أو في أميركا وغيرها. وهذا ما أكده المخرج «نجدة أنزور» في لقاءٍ سابق مع «الوطن» حيث إنه يلتقط الاتجاه السليم من حيث الفكرة والمبدأ.
انتظار ومراقبة
وما نودّ طرحه اليوم هل هناك التقاطٌ جديد لدى هذا المخرج في فيلمه الجديد «ردّ القضاء» لكونه التجربة الثانية له مع المؤسسة العامة للسينما، وكونه يتحدّث سينمائيّاً في نفس الاتجاه كما فيلمه الأول «فانية وتتبدد» تقريباً؟ وهل سيحقق انطلاقة جديدة للسينما السوريّة نحو الغرب في فتح أفق متجدد بيننا وبينهم؟ وهذه المسألة تحتاج إلى انتظار ومراقبة، ولا يمكن النطق عنها بصورة مسبقة، فهناك لا بدّ من جهود مقدّمة من حيث الكتابة، وتصوير جزء مما جرى في سجن حلب، والحصار المأساوي الذي كان، وما عانه القائمون على السجن، وكذلك القاطنون فيه من موظفين ومساجين في الداخل رجالاً ونساء.
هويّة
«ردّ القضاء – حصار سجن حلب المركزي» فيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، وبالتعاون مع مجموعة قاطرجي، من إخراج «نجدة إسماعيل أنزور»، وكتابة وسيناريو «ديانا كمال الدين»، مدير الإنتاج «خالد فرنجيّة»، مدير الإنتاج المنفذ «يعقوب رحال»، مشرف فني «عصام الداهوك»، مدير تصوير «محمد حبيب»، مونتاج «هشام الترياقي، ديكور «موفق السيد»، ومن تمثيل 90 ممثلاً وقرابة 800 من الكومبارس، ونذكر بعضاً من أبطال الفيلم: «جولييت عواد، وعبد الرحمن أبو القاسم، وفدوى محسن، وفايز قزق، وجمال العلي، وجهاد الزغبي، واسكندر عزيز، وسناء سواح، ومجد فضة، ولجين إسماعيل، ومروان أبو شاهين، وليث المفتي، وعامر العلي، ومحمد شمّا، ومازن عباس، وأمجد الحسين، ورائد مشرف، وناصر مرقبي، وكنان العشعوش، وعبد اللـه شيخ خميس، وروجينا رحمون، وبيدرو بارصوميان ودينا خانكان، ومجد مشرف، ورشا رستم، وغيرهم.