أمنيات مستحيلة!
| عصام داري
أمر غريب يراودني بين الفينة والأخرى، وصار يشكل جانباً من حياتي غير المعلنة، وأحلامي التي رافقتني طوال رحلة حياتي، ولكنه ليس بالسرية التي قد يتصورها البعض، هو ذلك الحلم الذي صنعته بيدي وأطلقت عليه تسمية «أمانيَّ المستحيلة»!.
منذ امتلكنا الوعي والتفكير والمحاكمة العقلية ميزنا بين أحلام وأوهام مستحيلة، وأمنيات ممكنة، وكما تقول الأغنية «لسه الأغاني ممكنة» وأنا أقول «لسه الأماني ممكنة».
لكن بعض أمنياتي غير ممكنة، ومستحيلة بالمطلق، فإذا كانت أمنيتي ذات يوم أن أمتلك بيتاً وسيارة ودخلاً ثابتا يغنيني عن السؤال، فإن أمنيتي المستحيلة التي وصلت إليها مؤخراً هي أن يعود بنا الزمن قرابة نصف قرن أو أكثر!!.
العالم يقفز نحو الأمام، ويرسم سيناريوهات للمستقبل، وكيف سنواصل استكشاف الفضاء والمحيطات ومجاهل الطبيعة في كوكبنا، وكيف نضع الخطط لمحاربة المرض والأوبئة وحماية الإنسان والطفل والمرأة، إذا كانت هذه هي حال عالمنا اليوم، فبماذا أبرر أمنيتي المستحيلة بالعودة بالزمن إلى الوراء؟.
السبب بسيط جداً، فأمام ما جرى ويجري في سورية بشكل خاص، والعالم بشكل عام يصبح الهروب إلى الماضي أفضل السبل لنسيان الواقع الذي نعيشه ويصبح لجوء المرء إلى عصر الصفاء والنقاء، وزمن الحب والبساطة، البديل الأمثل للاستسلام لعصر التوحش والتغول والقبح.
أمنية مستحيلة، فالذي مضى لن يعود، وحتى لو اخترعنا زمناً جديداً يشبه ذلك الزمن، أو استنسخنا زمننا الذي نتحسر عليه، فلن نستطيع أن نقنع المنطلقين في صواريخ هذا العصر الإلكتروني بأن ذلك الزمن كان أشبه بالمعجزة، وأنه كان أكثر جمالاً من كل ما أنجزته حضارة التكنولوجيا وثورة المعلومات والتقنيات التي أوصلت الإنسان إلى غزو الفضاء والتفكير في استيطان الكواكب.
نعم، أنا من ذلك الزمن، وأنا «دقة قديمة» حسب الاتهام الرسمي الموجه إلي من جيل اليوم، وأمنيتي الأولى أن أعود إلى زمن كانت تخفق فيه قلوبنا لمجرد لمس يد المحبوبة، وكانت أغنية تفجر ينابيع الحب والحنان والخيال.
نريد العودة إلى ذلك الزمن الذي كان فيه القمر رسول العشاق، وليس ذلك الكوكب الصغير المجاور للأرض والذي هبط عليه الإنسان ووجدنا أنه مجرد صخور وحجارة ولا يحتوي على الهواء، ونحن نحتاج إلى كميات كبيرة من الأوكسجين لتعويض كل هذا التلوث الذي غزا الأرض.
أمنيتنا أن نعود إلى ذلك الزمن حيث كانت الشبابيك والمشربيات، وتتشابك الأيادي عبرها، وتتلاصق البيوت والقلوب، وتسود الألفة والمودة بين الناس، يوم كانت عادات بني البشر تحمل النبل والطيبة والخير.
نريد زمناً أقل فساداً وأناساً أقل طمعاً وجشعاً وأكثر رحمة بعباد اللـه الفقراء، وكلنا فقراء إلى الله، فقراء للكلمة الطيبة، نريد زمناً أقل قسوة على بني البشر من أشباه البشر.
هي أمنيات مستحيلة في هذا الزمن الذي صار القوي فيه يأكل الضعيف، والغني يفترس الفقير، واستباحت فيه الذئاب القطعان، وأخذت العدالة إجازة مفتوحة، وصارت الحرية كلمة ممنوعة من الصرف.