أكثر من نصف أسواق حلب الأثرية إما محروقة وإما مدمرة و150 مبنى أثرياً متضررة … عبد الكريم لـ«الوطن»: حلب القديمة مدينة منكوبة ونسبة الضرر فيها كبيرة .. نحتاج إلى مليارات الدولارات لترميم المباني الأثرية في حلب
| محمد منار حميجو – تصوير طارق السعدوني
أعلن المدير العام للآثار والمتاحف في سورية مأمون عبد الكريم أن نسبة الضرر في المباني الأثرية في حلب تعادل نسبة الضرر في جميع المواقع الأثرية في سورية واصفا المدينة القديمة بالمنكوبة.
وفي لقاء مطول مع «الوطن» قال عبد الكريم: إن ترميم المدينة بحاجة إلى مليارات الدولارات من دون أن يحدد الوقت الزمني لذلك، مشيراً إلى أن أكثر من نصف الأسواق إما مدمرة وإما محروقة على حين هناك ما يقارب 150 مبنى أثرياً متضرراً بأضرار مختلفة.
وأكد عبد الكريم أن نسبة الضرر في الجامع الأموي لم تتجاوز 10 بالمئة باستثناء المئذنة لافتاً إلى أن هناك آلافاً من المنازل ذات نسيج معماري مميز متضررة.
وفيما يتعلق بمدينة تدمر أكد عبد الكريم أنه لا يوجد معلومات عنها نتيجة احتلالها حالياً لكن تم نقل جميع القطع الأثرية إلى أماكن آمنة ولم يبق في المدينة إلا نحو أربع قطع لم يتم نقلها نتيجة حجمها الكبير.
وفيما يلي الحوار الكامل مع عبد الكريم:
تدمر عليها العين تكلمت سابقاً أن هناك خطة بترميمها نريد أن نعلم أين وصلتم في تنفيذها قبل احتلالها مرة أخرى؟
عندما تم تحرير تدمر قمنا بمجموعة من الإجراءات متمثلة بدراسات معمارية اعتمدنا على التكنولوجيا الحديثة كما أننا قيمنا الإضرار في المدينة، كل المباني التي تضررت معبدان وقوس النصر كانت أولى الخطوات توثيق الواقعة باستخدام تكنولوجيا ثلاثية الأبعاد بالتعاون مع شركة فرنسية مجانا ووثقت جميع الحالات، بعد ذلك بأيام أخلينا المتحف بكامله باستثناء نحو أربع قطع لا تتحرك حتى المتضرر منها نقلناها إلى دمشق وفي الاحتلال الثاني لتدمر لم يكن لدينا خشية كبيرة على الآثار لأننا نقلناها جميعاً ووضعنا تصوراتنا إلى 2021 ونحن الآن ماضون في دراساتنا.
هل هناك معلومات حالياً عن المدينة؟
وصلتنا معلومات أن حراسنا الذين يحرسون المتحف بخير والمعلومات عن المدينة مقطوعة ولذلك نأمل أن يكون التحرير في أسابيع وألا يحدث مضاعفات على المواقع الأثرية.
لم نقم بأعمال الترميم ولكن اجتمعنا مع خبراء من اليونيسكو حتى إننا بعد احتلال تدمر اجتمعنا مع خبراء دوليين ولكن ما قمنا به الآن هو إخلاء القطع الأثرية.
كم التكلفة المادية لترميم المدينة؟
لا يمكن تحديد ذلك باعتبار أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة ولكن ليست تلك الأرقام الخيالية ولو قارنا وضع تدمر بحلب لوجدنا أن الأخيرة تحتاج إلى عشرة أضعاف لترميم المدينة القديمة.
نحن اليوم في صدد الوصول إلى فلسفة مع اليونيسكو حول كيف سيكون مصير ترميم المباني في تدمر مستقبلاً، الإشكالية الآن تحقيق السلام والأمان، من ثم لا نحتاج أكثر من خمس سنوات.
أفهم من كلامك أنه لا يوجد أي قطعة أثرية في تدمر؟
بضع قطع وهي لا تتجاوز أصابع اليد أؤكد لك أن أكثر من 98 بالمئة من القطع نقلت من تدمر إلى أماكن آمنة ولكن القسم الأكبر مما دمره داعش قابل للترميم.
هل هناك خشية من تدمير المباني المتبقية في تدمر؟
أنت تتعامل مع أناس وحوش وبرابرة فعلوا ما فعلوا المرحلة الأولى توقعنا أن يدمروا ودمروا في الاحتلال الثاني لا حاجة إلى التوقعات لأن لدينا يقيناً أنهم سيدمرون ونحن أقول لك نحن نتوقع الأسوأ.
هل أرجعتم قطعاً أثرية تدمرية من الخارج؟
هناك عمليات تهريب تحدث في تدمر وهناك مهربون لكن لم يستطيعوا تهريب التماثيل هم يحطمونها لأنهم يعتبرون التماثيل أصناماً، وما أعدناه يقارب 120 قطعة أثرية تدمرية معظمها من لبنان، من ثم أنقذنا التراث التدمري ولا أنكر أن هناك قطعاً أثرية تضررت.
بالانتقال إلى ملف حلب كم الأضرار فيها؟
الأضرار في المباني الأثرية في حلب يعادل كل المباني الأثرية في سورية كل الأضرار في بصرى وحمص وقلعتي الحصن وسمعان فعدد المباني الأثرية المتضررة في المدينة بلغت 150 مبنى وآلاف البيوت من النسيج العمراني في حلب أكثر من نصف الأسواق إما مدمرة بسبب الأنفاق التي فجرتها المجموعات المسلحة أو محروقة إذاً هناك نكبة في هذه الأسواق.
كنا نتوقع الأسوأ في المسجد الأموي ولكن حسب مهندسي المديرية أنه بغض النظر عن المئذنة فالأضرار معمارية أكثر من الإنشائية، وأفضل حالات حلب متمثلة بالقلعة وأقلها أضراراً وذلك بفضل الجيش جنبوا القلعة أن تكون مكاناً للمعارك لأنها تمثل عراقة مدينة حلب.
كم تحتاجون من الوقت لترميم مدينة حلب القديمة؟
نحن بحاجة إلى تقييم الأضرار المعمارية والإنشائية لوضع الخطط على أساسها ولكن الشيء المؤكد هو التفريق بين الأعمال الإنشائية التفصيلية والأعمال التدعيمية ولكن هناك الكثير من الأعمال بحاجة إلى التدعيم الطارئ والسريع إضافة إلى الكثير من الوقت والمال، والإسراع في الترميم يحتاج إلى تأمين المال والمواد الأولية وإلى طرق مفتوحة.
نحن نعول على الحكومة السورية وعلى الأغنياء للمشاركة إضافة إلى مشاركة الدول الصديقة وأن تأخذ المنظمات الدولية دورها، ففي ظل هذا التعاطي الإيجابي من الممكن أن يكون هناك إسراع في ترميم المدينة القديمة ولا سيما إذا تم الابتعاد عن تسييس الملف من المجتمع الدولي والتعامل معه على أنه ملف حضاري يهم السوريين ويوحدهم بالدرجة الأولى.
أنت تحاول أن تتجنب إعطاء وقت محدد لانتهاء الترميم
بكل صراحة هناك ملفات من الممكن أن تنجز خلال خمسة أعوام وهناك بعض الأمور تحتاج إلى سنوات ولا سيما أن هناك أعمالاً إنشائية تحتاج إلى زمن.
كم نسبة التدمير في حلب؟
على مستوى الأسواق وهي الأكثر تدميراً فوصلت نسبتها إلى حدود 50 بالمئة مع احتفاظ بعض الأسواق بحالتها المقبولة، أما الجامع الأموي فلا يتجاوز الدمار فيه 10 بالمئة على حين أن قلعة حلب نجت من الدمار، وهناك بعض الأضرار حولها والمحصلة أن هناك أضراراً ونكبة واضحة في المدينة وهي فوق المتوقع ولكن من خلال المشاهدة البصرية فإن النسيج العمراني قائم لكن مع الحاجة إلى المليارات من الدولارات.
هل تصنف المدينة القديمة بالمنكوبة؟
نعم إنها منكوبة وحينما تحدثت عن أن 80 بالمئة من آثار تدمر بخير فأنا لا أضع على الجرح بلسماً لأن المشهد البصري للمدينة يعطي أنها كما هي، لكن تجد مدينة حلب كوجه الإنسان المحروق يحتاج إلى الكثير من التجميل لإعادة وجهه ما دامت مكونات الوجه موجودة، آثار الحريق واضحة وهي بحاجة إلى الكثير من العمليات لإعادة الألق لمدينة حلب.
هل هناك شركات أجنبية أبدت تعاونها معكم تجاه حلب؟
هناك إرادة دولية من الكثير من الشركات الخاصة لكن قبل كل شيء سورية بحاجة إلى الأمان أنا واثق أن تكون هناك مشاركات دولية في هذا الموضوع ولا سيما أن علاقتنا مع اليونسكو ممتازة، نحن نتعاطى معها بسرعة قياسية وهناك قبول دولي جداً لنا باعتبار أن المديرية العامة للآثار والمتاحف مديرية علمية أثرية بحتة معنية بحماية التراث لكل السوريين.
إن كامل المنظمات الدولية المعنية بالشؤون التراث العالمي على تواصل معنا وتجاوزنا حدود الصداقة إلى مرحلة الأخوة كذلك أبدت شركات أميركية خاصة الرغبة في التعاون معنا عبر اليونسكو وكذلك جامعة أكسفورد البريطانية وهناك عشرات الجامعات ومئات العلماء على تواصل معنا، ولنكن واقعيين ومنفتحين إذا كان أصدقاؤنا المعنيون في الآثار في فرنسا وأميركا وبريطانيا وغيرها من الدول جادين بدعمنا عبر وسطاء فنحن قلوبنا مفتوحة لكن علينا أن نتفهم أن الذنب ليس ذنبهم بل المشكلة في العقوبات الظالمة التي فرضتها حكوماتهم.
ومن المهم أن أقول لك إنه منذ أيام جاء إلى سورية 21 عالماً في الآثار وهذا يعد انقلاباً علمياً على الحصار الجائر على سورية. نحن أقوياء بالعلماء الذين يأتون إلى سورية ومن لا يستطع أن يأتي فليبحث عن وسائل للتواصل معنا وإن معظم العلماء الأوروبيين هم معنا. نختلف بالسياسة ولكن لا يمكن أن نختلف بحضارة البلاد.
أريد أن أسألك عن الآثار في إدلب ما وضعها؟
إن المجتمع المدني لعب دوراً كبيراً في حماية الآثار والإشارات تدل على أنه لا اختراق في المحافظة وأنا لا أخفيك سراً أن 15 ألف قطعة أثرية بخير بفضل الطبقة المثقفة الدينية المجتمعية التي لعبت دوراً في هذا المجال.
أين العلماء العرب من كل هذا؟
للأسف كل شيء عند العرب مسيس لكن أقول إن لبنان هي أكثر الدول العربية تعاوناً مع سورية في هذا الملف.
هل هناك قطع أثرية هربت إلى دول عربية؟
هناك في الأردن لكن لم تعلن عنها الحكومة الأردنية ولكن المؤكد لدينا أن عدد القطع المهربة إلى تركيا بلغ 16 ألفاً وهو خبر جديد وهي مختلفة لكن ما طبيعتها هل هي حقيقية أم مزورة؟
بدأت تركيا تعلن عمّا لديها من قطع أثرية لليونسيكو وهي تقول إنها ستعيدها حينما تعود العلاقات ومن ثم فإن دول الجوار تبقى دول جوار فلا يمكن لدولة أن تزيل جارتها. لدينا وسطاء لإعادة هذه القطع ومنهم اليونيسكو رغم الضغوطات الكبيرة عليها.
كيف تنظر إلى دور الإعلام العربي في تعاطيه مع ملف الآثار؟
الإعلام العربي مسيس حتى لو قلنا إننا أنقذنا التراث السوري من الدمار فذلك لا يهمه باعتبار أن الجهة المنقذة هي الحكومة السورية.