أوهام المعتقد الشعبي … قوى عميقة الجذور دورها ينعكس على قواعد السلوك .. الحياة المعاصرة تقول بها على سبيل التفكّر والتسلية
| منير كيال
يدور بخلد المرء احتمالات مفترضة لا يستطيع أن يجزم بصحتها أو أن يقطع ببطلانها، وتلك الاحتمالات تجعل المرء يتصور واقعاً غير ملموس، بل غير مرئيّ، الأمر الذي ينجم عنه ازدواجية يتصارع بها تفكير المرء، بين ذلك التصّور والواقع المعيش.
وعلى الرّغم من اعتماد الناس بعصرنا على العقل في تفسير ظواهر الطبيعة، ومن ثمَّ دخول المرأة معترك الحياة بعد أن تسلّحت بالمعارف والعلوم، بعد أن كانت عبئاً اقتصادياً على الأسرة فإن من الممكن القول بوجود نساء بالبيئة الشعبية، من يأخذ بتلك المعتقدات الغيبية، لكون هذه المعتقدات تلبي حاجات اكتسبت لديهن مظهراً نفعياً، لدرجة أن الوصول إلى تلك الحاجات تلبي الاطمئنان النفسي الذي لا يتحقق إلا بالقيام بممارسات تحقق لديهن ذلك الاطمئنان.
ولعل من الممكن القول بوجود نساء عجائز (مسنّات) تعتقد الواحدة منهن بمثل تلك الأفكار، فكانت الواحدة منهن لا يرتاح لها بال ولا تطمئن إلا بممارسة ممارسات القصد منها التخلص مما تعانيه أكان بالسحر أو الشعوذة.
التوسّل للأسياد
وفي هذا السياق يذهب المعتقد الشعبي إلى القول بوجود قوى عميقة الجذور، لها دور ينعكس على قواعد السلوك بين الناس سلباً أو إيجاباً، ونجد بهذا الإطار أناساً يلتمسون إزاء ما يواجههم من إشكالات ومتاعب الحياة، حلولاً يبتغون من خلالها درء الشر وصولاً إلى الطمأنينة عن طريق أناس امتهنوا التعاطي مع مثل هذه الحالات بأشكال وأساليب وممارسات زاعمين قدرتهم على التوسّل لخدّام الأسياد الذين ييسّرون لهم عملهم من خلال الرّقى والتعاويذ والتوسلات، والاستغاثات التي تلبس لبوس الطابع الديني لإكسابها صفة القداسة وتنزهها عن الشك، من أجل الوصول إلى الشعور بالارتياح والطمأنينية وخاصة إذا كان الأمر مرتهناً بالعلاقة العاطفية بين الزوج والزوجة وبنات حميها… ما يبرر للزوجة اللجوء إلى من يعمل لها رقوة، أو يكتب لها حجاباً يحجب عنها السوء، وقد يحسب لها بالرمل أو يعمل لها جلبة تجلب إليها من تحب… وكثيراً ما يعمد هذا المشعوذ إلى تعقيد الأمور بما يطلب القيام به من ممارسات أو أموال بأوقات أو ظروف حرجة، وبما لا يطاق من الطلبات… فضلاً عما يتقاضاه ذلك المشعوذ من أموال وأشياء تتسم بالاستحالة والإعجاز.
مهما غلا الثمن
ومن النساء بالوسط الشعبي من كانت على استعداد لبذل الغالي والرخيص والاستجابة لكل ما يُطلب إليها تقديمه صغُر ذلك أم كبُر، وكان لبن العصفور كما يقولون إكراماً للوسطاء المزعومين، الذين يسلكون مسالك لا يطيقها البشر، ويقومون بأعمال خارقة للوصول إلى الأسياد، سعياً لوصول صاحبة الرقية إلى الاطمئنان النفسي وتخليصها مما تعانيه، وبخاصة إذا كان الأمر يتعلق باستعادة المحبة بين المتحابين.
وفي حال كون المرء أو الواحدة منهن بوضع نفسي غير مريح، ينصحها المعتقد الشعبي باللجوء إلى مقامات الأولياء والصالحين وتقديم النذور إليهم، والاستمالة لهم بالشمع والزيت. ويمكن القول بكثرة المجالات التي يسرح بها المعتقد الشعبي، منها: الرغبة بالشفاء من المرض، ورد عين الحاسد، وإنجاب العقب الذكر، وزيادة الرزق، وطلب جلب قلب الرجل إلى زوجته وأولاده، وطلب أوبة الغائب من خلال ممارسات عديدة لا أول لها ولا آخر، نذكر منها على سبيل المثال:
الماء الحار وخطورته
الاعتقاد أن سفح الماء الحار على الأرض يستدعي قولهم: «دستور دستور يا ملائكة الرحمن لا تآذونا ولا منآذيكن»، وأيضاً قولهن إذا زارهن ضيف ثقيل الظل: «شمر شمر»، أو أنهن يغرزن دبوساً بمقشة أو مكنسة يضعنها خلف باب الدار، لأن ذلك برأيهن يعجّل برحيل ذلك الضيف، وهن يُسررن لدى تناولهن فاكهة أشجارها مزروعة بتلك الدار، لأن فاكهة الدار تطيل الأعمار، ويقلن بذلك: «سنة مباركة ورب كريم» ويتفاءلن من رفّة العين اليمنى ويتشاءمن من رفّة العين اليسرى، كما يعتقدن أن حكّة الكف اليمنى دليل على رزقة «مال» قادمة، وعكسه حكّة الكف اليسرى، كما أن طنين الأذن اليمنى دليل على ذكر محب لهن والعكس عند طنين الأذن اليسرى، وعندها يقلن: «اللهم اجعله خيراً»، وإنَّ حكة الحاجب تبشر بالسلام على غائب، أو رؤية مولود، ومن النسوة من تتطير من اللعب بالمقص من الأطفال، لأن ذلك يسبب الشحناء.
الكلام وشرب الماء
كما يعتقدن أن إسقاء الطفل من عرق غطاء الطنجرة يعجل «حكي» بنطق الطفل، وهنّ يعمدن إلى ربط إبهامي قدمي الطفل بخيط، ثم يؤخذ الطفل إلى المسجد ليقطع ذلك الخيط أول خارج من المسجد، عقب صلاة يوم الجمعة، لما في ذلك من تعجيل بمشي ذلك الطفل، وكذلك الأمر إذا جرى تقبيل أسفل قدمي الطفل، كما يعتقدن أن الأكل من أول طبخة تطبخها الصبية تشفي من ألم الظهر وإذا صعب شفاء طفل من المرض، يضعن بالميزان ثقل وزن المصحف ماء، يصب هذا الماء على رأس الطفل وقت التذكير من صلاة يوم جمعة ثلاثة أسابيع، وإذا كان الوقت شتاء فإنهن يفترن الماء قليلاً، ومن الطريف اعتقادهن إذا أكلت المرأة العاقر رغيفاً مبللاً بعرق المرأة المطلقَّة «الولادة» تشفى من حالة العقر، ومن النساء من يتوسوسن من عيادة المريض من عصر الثلاثاء إلى عصر الأربعاء من الأسبوع.
وكان بالإمكان الإتيان على الكثير الكثير من تلك المعتقدات الشعبية ونذكر منها على سبيل المثال ما يتعلق بالشفاء من المرض والحسد، والتبخيرة، وقفل الظهر وقفل الرأس وأشكال التمليحة وما يتعلق بالحمل والولادة.
وإذا كنا نربأ أن ينحو المعتقد الشعبي هذا النحو، فإن من المعتقد أن يعجل الأخذ بمعطيات الحياة المعاصرة بأنه سيحدّ من هذه المعتقدات لكن هذا لا يمنع تسجيلها لوضعها بين يدي الباحثين بالتراث الشعبي، وخاصة أن معظم أبناء جيل اليوم يجهل هذه المعتقدات ومكنونها، حتى إن منهم من يعتبرها على سبيل الطرفة لا أكثر.