عائلة بعد أخرى ضحايا «القاتل الصامت» … نقص المازوت والكهرباء دفع آلاف العائلات للمخاطرة في استخدام الغاز للتدفئة
| محمود الصالح
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، عندما يحصد الموت أرواحاً بريئة ليس لها ذنب إلا أنها اضطرت إلى البحث عن الدفء بطريقة ليست آمنة، والسبب أن هذه الأرواح لم تحصل على حقها في مازوت للتدفئة يقيها برد الشتاء ولا كهرباء تعوضها عن فقدان المازوت.
بالأمس كانت عائلة الصالح في كرم اللوز في حمص واليوم عائلة الخلف في صحنايا بريف دمشق، ولا ندري من سيكون ضحية القنابل الموقوتة التي غزت منازلنا والمسماة «مدافئ الغاز» بأشكالها وألوانها المتنوعة…؟
أسئلة عديدة واستنكار أكبر ردده كل من شارك في تشييع أربعة أطفال ووالدتهم في صحنايا يوم أمس الأول. حيث حصدت «مدفأة الغاز» أرواحهم التي هربت من الموت من «داعش» في الرقة، لكن لم يدركوا أنهم ميتون بسبب الفساد وجشع مصنعي قنابل الموت التي اشتروها بأموالهم باحثين فيها عن الدفء.
في التفاصيل: تعرضت عائلة المواطن نصر شاكر الخلف من أبناء محافظة الرقة إلى الاختناق في منزلهم في بلدة صحنايا صباح الأحد الماضي وذلك بسبب استنشاق جميع أفراد العائلة لمادة غاز البوتان الذي يستخدمونه لتشغيل «مدفأة الغاز» ومن خلال الوقائع يبدو أن العائلة ونتيجة البرد الشديد تركت المدفأة مشتغلة وناموا جميعاً. ليكتشف ابن عمهم الذي حضر إلى بيت عمه ليصطحب ابن عمه إلى المدرسة في الصباح ولم يفتح له أحد الباب فاستنجد بوالده ولدى فتح الغرفة تبين أنها مشبعة بالغاز الذي أدى إلى اختناق جميع أفراد العائلة والبالغ عددهم 7 أفراد- الوالدة و6 أطفال أكبرهم في الصف الثالث الإعدادي وعند إسعاف 4 منهم إلى مشفى المجتهد و3 إلى مشفى خاص تبين وفاة الوالدة وطفلين ممن أسعفوا معها إلى مشفى المجتهد وبقي على قيد الحياة الطفل الأكبر ممن أسعفوا إلى مشفى المجتهد أما الثلاثة الذين أسعفوا إلى المشفى الخاص كان أحدهم متوفى وآخر توفي في اليوم التالي وبقي طفل على قيد الحياة. والنتيجة أن هناك 5 وفيات بما فيهم الوالدة ونجاة طفلين من هذه العائلة والأب الذي يعمل خارج القطر لإعالة أسرته. هذه هي الوقائع التي استطعنا الحصول عليها من بعض المقربين من هذه العائلة.
«الوطن» تابعت هذه القضية مع عدد من الجهات حيث أفادنا الدكتور جمال أبو قرعة المشرف على إسعاف هذه العائلة في مشفى المجتهد والمختص في طب الطوارئ والعناية المشددة قائلاً: وصلت إلى مشفى المجتهد أم وثلاثة أطفال من عائلة تعرضت للاختناق بسبب استنشاق غاز البوتان ويبدو أن هذه العائلة قد استنشقت الغاز نتيجة انتشار كمية كبيرة منه في غرفة نومهم. ويعتبر غاز البوتان «القاتل الصامت» حيث يمكن أن يؤدي استنشاقه بشلل الأعصاب حتى في حال كان الإنسان مستيقظاً، فما بالك إذا كان نائماً بالتأكيد سيتعرض للموت، ومن خلال الفحص الأولى تبين وفاة الأم مع طفلة وطفل آخر قبل وصولهم إلى مشفى المجتهد بحوالى ساعتين فيما وصل الابن الأكبر بحالة صحية سيئة تم وضعه على التنفس الصناعي في العناية المشددة وتقديم كل الإجراءات اللازمة لإنقاذه. واستجاب لذلك وتحسنت صحته بشكل ممتاز وتجاوز الآن مرحلة الخطر وهو الآن قيد التخريج من المشفى. العقيد محمد الجردي قائد فوج إطفاء ريف دمشق أكد أنه لم يتم إعلام الفرع بالحادثة لعدم اختصاصه لكونه لا يوجد حريق في البيت. وطلب الجردي من المواطنين الذين يضطرون إلى استخدام الغاز للتدفئة اتباع أقصى حدود الحيطة والحذر والعمل على تبديل هواء الغرفة بشكل مستمر وتفقد توصيلات أسطوانة الغاز.
مصدر خاص في الإطفاء أكد لـ«الوطن» أن هناك الكثير من المواطنين توجهوا لاستخدام غاز البوتان في التدفئة نظراً لقلة مادة المازوت وارتفاع ثمنها في حال توافرت وهذا رغم المخاطر الكبيرة على حياة مستخدميه لأن الغاز يقوم بحرق الأوكسجين الموجود في المنزل ما يؤدي إلى حدوث الاختناق دون أن يشعر الشخص بذلك. ونصح المصدر المواطنين بعدم اللجوء إلى استخدام غاز البوتان في التدفئة، وفي حال اضطرارهم لذلك القيام بالتأكد من سلامة التوصيلات بين أسطوانة الغاز والمدفأة وكذلك عدم إحكام إغلاق الأبواب بشكل كامل لضمان تبديل الهواء في الغرفة ومراقبة الأطفال خلال وجودهم في الغرفة التي تستخدم فيها مدفأة الغاز. وعن مدى سلامة مثل هذه المدافئ وتحقيقها لشروط الأمان بين المصدر أنه لا توجد جهة محددة توفر الضمانات الفنية لتصنيع هذه المدافئ.
حاولنا التواصل مع الجهة المشرفة على تصنيع المدافئ التي تستخدم الغاز ولم تتم أفادتنا بوجود هذه الجهة. وهناك تأكيد على التمادي في تصنيع هذه الوسائل والاستفادة منها تجارياً حيث يصل سعر هذه المدفأة إلى 80 ألف ليرة سورية. وهناك أنواع رديئة رخيصة الثمن يصل سعرها إلى 15 ألف ليرة سورية وهي الأكثر استخداماً لكونها الأرخص والمناسبة للطبقات الفقيرة. وهذا النوع لا يحقق أدنى عوامل الأمان. هذه القضية نطرحها لنقرع ناقوس الخطر أمام حالة خطرة يجب أن تتولى الجهات المعنية معالجتها. فهل من مجيب..؟؟!!