ترامب يعترف: لدينا الكثير من القتلة!!
| د. بسام أبو عبد الله
لم يعتد كثيرون على مسؤول أميركي يعترف مع بداية ممارسة مهامه، فالمسؤولون الأميركيون يتحولون عادة إلى حمائم سلام بعد تركهم مناصبهم، ويبدؤون بإلقاء اللوم، والنصح في مذكراتهم، لكنهم يمارسون كل أنواع الموبقات، والجرائم بما فيها الكذب، والتلفيق والخداع خلال تمتعهم بمزايا الكرسي داخل الإدارة الأميركية.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب من القلائل الذين وصفوا واقع أميركا بشكله الصحيح من دون تجميل، فخلال مقابلته الأخيرة مع الصحفي الأميركي الشهير (بيل أوريللي) في قناة فوكس نيوز- قال ترامب من دون أن يرف له جفن رداً على وصف (أوريللي) الرئيس الروسي بوتين بـ(القاتل): (هناك الكثير من القتلة. لدينا الكثير من القتلة… هل تعتقد أن بلدنا بريء جداً!!!).
في حقيقة الأمر لم يأت ترامب بأي شيء جديد سوى أن الرئيس الأميركي يعترف في بداية عهده بوجود الكثير من القتلة في أميركا، ونظامها السياسي، وممارساتها في السياسة الخارجية وهو قد أشار في اللقاء نفسه إلى (حرب العراق) التي قامت على الأكاذيب، والتلفيق وتسببت بمقتل أكثر من مليون ونصف المليون إنسان عراقي، وفي تدمير دولة عربية مركزية، وخلق تعقيدات،، وتداعيات كارثية في المنطقة.
الكاتب الأميركي باول كاريغ روبرتس كتب في موقع (انفورميشن كليرينغ هاوس) أن هناك دولتين في العالم ذات مطامع توسعية هما (إسرائيل وأميركا)، وهاتان الدولتان هما مصدر الإرهاب، فإسرائيل تُرهب الفلسطينيين منذ 70 عاماً، وأميركا تُرهب بقية العالم.
ويتابع: لقد أحدث تنظيم القاعدة في عهد إدارة جيمي كارتر لمواجهة الاحتلال السوفييتي في أفغانستان بالجهادية الإسلامية، وداعش أنشئت من إدارة أوباما كلينتون لقلب نظام الرئيس بشار الأسد في سورية (كما كشف الجنرال مايكل فلين مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية سابقاً، ومستشار الأمن القومي حالياً، في مقابلات تلفزيونية)، والنازيون الجدد في أوكرانيا دُعموا من إدارة أوباما كلينتون لقلب حكومة منتخبة ديمقراطياً هناك، ليخلص للقول: إذاً الإرهاب صُنِعَ من إسرائيل، وأميركا أساساً.
أما المؤرخ الأميركي المعروف (وليان بلوم) فقد أشار إلى أنه خلال الفترة ما بين 1945-2003 عملت أميركا على تغيير أكثر من 40 حكومة أجنبية، ومولت أكثر من 30 حركة لمقاتلة الأنظمة غير المقبولة، وخلال ذلك المسار قصفت الولايات المتحدة أكثر من 25 بلداً، وتسببت بمقتل عدة ملايين، وبكوارث لملايين آخرين.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل اعتراف ترامب بوجود القتلة في أميركا- هو نوع من تلفزيون الواقع الذي اشتهر به؟ أم إنه نوع من التعالي الأميركي- واللامسؤولية، لأنه لا يوجد من يحاسب أميركا- أو غيرها، على المبدأ الإنكليزي: (سو- وات؟؟)!!
لأنه وفقاً لما نرصد، ونتابع فإن الشخصيات التي بدأت تُحيط بترامب لا تُبشر بالكثير من التغيرات، فهناك خليط ما بين جماعة بوش من المحافظين الجدد، ومحافظين جمهوريين آخرين، وإذا عاد هؤلاء إلى نغمة (إيران)، ومواجهة إيران- كما يريد نتنياهو، فإننا أمام مرحلة صعبة لن تنتهي على خير- وإن كانت أولويات ترامب الداخلية كما يُعلن- تحتاج منه إلى الانسحاب من عصر الحروب، والمغامرات الأميركية إلى عصر التفاهم مع الكبار الذين حاولت أميركا طوال عقد ونصف العقد منعهم الصعود، وفشلت في ذلك- أي روسيا، والصين، ومعهم إيران كدولة إقليمية كبرى.
بعض المسؤولين الأميركيين أثارتهم اعترافات ترامب، ومنهم رئيس مجلس الشيوخ (ميتش ماكونيل) الذي ادعى أنه (لا مجال للمقارنة بين تصرفات الروس، وتصرفات الأميركيين!!) من دون أن يوضح لنا كيف كانت تصرفات الأميركيين في فيتنام، أو في لاوس، أو في أفغانستان، أو العراق- أو غيرها، وهل كانت التصرفات الأميركية تصرفات جمعية خيرية، أم تصرفات (الأم تيريزا).
كما وصف فيتالي تشوركين خطاب سامنثا باور في مجلس الأمن إذ تخيل نفسه أنه كان يستمع إلى (الأم تيريزا)!!!
لكن السفير الأميركي السابق في روسيا (مايكل ماكفول) كان أكثر قساوة عندما وصف تصريحات ترامب بـ(المقززة)!! من دون أن يشعر بـ(التقزز) جراء سياسات بلاده طوال عقود من الزمن.
لا يبدو أن اعتراف ترامب بوجود الكثير من القتلة في بلاده، وبعدم براءة بلاده، يهمه بشيء، فالمطلوب لترامب (دفع المال) و(تسديد الفواتير)، فها هي السعودية (أكبر ممول للإرهاب في العالم) حسب وصف ترامب نفسه، تتحول إلى دولة مسكوت عنها بعد الاتصال الهاتفي بينه، وبين ملك السعودية سلمان، ويخفت الاهتمام بقانون (جاستا) بعد أن تعهدت بتسديد الفواتير المطلوبة منها باعتبارها تابعاً خانعاً لأميركا، ليتحول التركيز باتجاه إيران التي وصفها بـ(الدولة الأولى الراعية للإرهاب؟؟) وعلى ما يبدو فإن هذا التوجه مدفوع الثمن إسرائيلياً وخليجياً من دون أن يدرك محركوه (أي السعودية) أنهم هم من سيدفعون ثمن أي توتر وليس أميركا.
إن الاعتراف بوجود الكثير من القتلة في أميركا لا يكفي حسب ما يقول أحد الصحفيين الأميركيين إذ إن إدارة ترامب بحاجة إلى تقديم واشنطن مختلفة للعالم لأن الإدارات الإجرامية الأميركية كانت نتائج سياساتها كارثية على المجتمع الأميركي، والشعب الأميركي- حسب قوله.
هل يبحث ترامب عن المزيد من القتلة لتحقيق أهدافه؟ يبدو واضحاً أن الطبيعة تغلب التطبع- لننتظر- وَنَر، فأميركا أمام تحولات كبرى تحتاج إلى المزيد من القتلة- والقتلى..