الجاذبية الجنسية
| د. نبيل طعمة
توافقت مع الجاذبية الأرضية التي تطابقت معها إلى درجة الإذهال، ومن دونها لما كان للحياة نكهة، أو طعم، أو حتى معنى أو وجود، وبدء العلاقة بعدما دبَّ في عروق الأرض ماؤها، وتربعت النجوم على وجه السماء، حيث أضاءتها، وتحرك بينهما الشمس والقمر، تعرفت البشرية بشكل أو بآخر على الجمال القادم من الإغراء والإغواء والفتنة المتجلية من خلال هذا التواجد الذي أنجز بفضل العقل العلمي الكليِّ المحيط السرمدي، ليس فقط جنسنا، وإنما على صورة كامل الأحياء؛ نبات وجماد وحيوان، وتوافر جمال الأنوثة، وجرأة الذكورة، وتطور فنون وجودة وصناعة الجمال، ومحاولات جمع الفتنة والجرأة في كل من الذكر والأنثى، والتخلي عن الإبطاء في العمل لأجله، وجاذبية تأثره التي تنجح وتفشل، تلتهب وتخبو ضمن مجتمعات الأنسنة، أدواتها ترقق الأصوات المثيرة للعواطف والمسير المثير القادم من الألايا المحركة للشهوة، بحكم الاهتزاز التوءمي، والصدور الناهدة، والشفاه المغرية، والعيون الداعجة، والخصور الكاشحة، والعرانين حوامل الشمم، والإصرار على الوصول للمبتغى، من خلال تبختر الذكور، وتجمُّل الإناث، وتألق الخصوبة، والتفاؤل بأن يكون كل ذلك من ميزات فكر الحياة، ففيه الهدف والبحث الدائم المنشود تحت عنواننا، إنما يتعلق بالبحث عن روح الحبِّ وتجاوب الشخصية في الطرفين، وعناصر الذكاء التي تعلن بشكل صارخ عن حضورها! من يقدر على تفسير النظرات الحالمة، وأن يجعل من الصمت كلاماً بليغاً فصيحاً غير الجمال، كيف يظهر العمل متطابقاً مع إرادتك التي يحتاجها الآخر؟ كيف تُزال الشكوك والمخاوف من قسمات الوجوه في حضور الجمال؟ عليك أن تنسى حتى اسمك، وأن تدع سرائرك تُرسم من عينيك، لأن اللحظة تكشف للحضور الجمال وكل خباياه، فمن يلتقطه القلب يتظاهر بمنحك القدرة على الاختيار، أما الجاذبية التي تأمرك بالطاعة الكلية فتنهي جميع حوارات الاختيار، هلّا تفكرتم بالرغبات واللذات التي تتجيَّش في حالة من الهيام التي ترمي بأشد المحاربين بأساً وأسرعهم إشهاراً للسيوف في أحضان الحب الذي لا يعترف بالرحمة، ولا بالشكوى من التعب أو الضجر من أنينه.
أليست الحياة في مجملها جاذبية جنسية، تقدمت جداً بفعل الجمال الكوني المنتشر أينما تجول البصر وإبهار مكونه الذي أراد من مخلوقه أن يجسد فيه فكره الكوني، ماذا يعني الحب والفلسفة التي لا تعني التفلسف، وأنك لحظة أن تجلس على الكرسي، والكرسي على الأرض يعني أن الجاذبية هي الرابط بينك وبين الكرسي والأرض والكرة، ألا يمثل حالة انفلات الجاذبية وخروجها من حالة التوازن إلى فقده؟ ومن ثمَّ فقدان الوزن ونشوء الهوات التي تعطي فرصاً للانفلات اللاأخلاقي، وظهور الحروب والقتل والتدمير وكل ما يتخيله العقل. كنت قد مررت في إحدى مقالاتي بجمل عنها، الآن أحاول أن أستعرض بعضاً منها، أسئلة أدع لكم الإجابة عنها، لماذا كل شيء في هذه الحياة متعلق بثنائية لا ثالث لها، إنما هذا الثالث هو منتجها الإيمان والأديان، أليس الإيمان روح الحقيقة؟ والأديان غرائز نتعلق بها، دخلنا عليها بأشكال لا إرادية، الذكر والأنثى وحاجتهما للتداخل الذي من دونه لا استمرار، السماء والأرض، الشمس والقمر، القفل والمفتاح، الليل والنهار، ضمن عملية إيلاج نادرة تتشابه تماماً مع المدِّ والجزر، وبذار الأرض والغرس في ترابها والنساء والحرث فيها، كل أمر يحتاج إلى دخول، لا بد أن يكون له خروج، تفكروا في عملية إدخال الطعام إلى الفم والشراب كذلك، ودخولك إلى ملابسك والأقدام وعلاقتها مع الأحذية وركوب الوسائط جميعها، وشبك الأيدي والسمع والنظر واللمس والشم، ماذا يجذب كل ذلك؟ لماذا وكيف ومن أجل ماذا، أليس من أجل ظهور الحياة واستمرارها؟
جاذبية الأرض الأنثى أمسكت بالموجودات مطلقة منها جاذبية أجناسها لبعضهم، وولدت لهم غرائزها، منحتها قوة الروح بإدهاش وإبداع لا يمكن تصوره، ويمكننا بالبحث المعمق فيه مع عزة الذات المنسابة في عروق الأحياء وسمو وجودي خارق، يهز الحركة الكونية ويوقظها من جاذبية الشهوة، والشر يدعوها إلى عالم الحب، كما يدعو الربيع قلب الكون إلى عالم البهجة والفرح والنور، كل هذا يأخذ بنا إلى عالم من الإذهال، يؤسس إلى حضور الصراع بين القوة والضعف، بين العقل والقلب، بين الهدوء والعنف، بين الحكمة والغريزة، ويتم عندما تحضر وتهيمن وتغدو واقعاً، أي الجاذبية الجنسية تبادل المراكز وانتقالها بين الذكر والأنثى، فالقوة هو تغدو هي، والعقل هي يصبح هو، والهدوء يتحول ويتجول بين العنف المحبب والمجون السري، حيث لا يريد أيّ منهما أن يفضح ما حصل، وإذا حصل الخصام، وظهر اللؤم، ودبت القطيعة، نجد تحركاً سريعاً للشيطان حين ذلك، ويفعل ما لم يكن في الحسبان، هل من أحد استطاع السير في هذه الحياة بلا قلب؟ مؤكد لا، وهذا يعني لنا أنه التقى مع الحب القادم من تلك النظرات الباحثة والساحرة والفتاكة في آن.
كيف بنا لا نسقط ونحن نخترق عباب الفضاء، ونخوض البحار، نقطع المسافات، نتعلق بالأرض، كما كنا نتعلق بأثداء الأمهات.
إنه جنسنا الغريزي المتشابه مع كامل الأجناس الحية، مع فارق بسيط ومهم أنه يتحكم بغريزته، يقودها بوعيه الخيِّر أو الشرير، وما سرت إليه تحت عنواني هو الإشارة إلى التفكر في هذا الجين، وأهميته المسكونة في الإنسان، لأنه في باقي الأجناس الخطيئة الأولى هي الأخيرة والقاضية، ولا اعتراف لديها، أما في جنسنا، فإننا نعترف بأخطائنا الهيّنة ونبررها بالقوة أو بالضعف، ونتحدث عنها بغاية إسكانها في أذهان بعضنا، إنها ليست ذات بال، أما الكبيرة والفتاكة منها، فهي المسيطرة وتتحكم بجميع المواقف.
نتحدث نحن الجنس البشري عن الأجناس الأخرى بأنها غريزية، وفي حقيقة الأمر، إن كل ما نقوم به إنما يدل على غريزتنا النهمة لكل شيء، والتهامنا الكامل تلك الغرائز الحيوانية والنباتية، ونهبنا لمكونات الأرض يرينا الغريزية العالية التي لا مثيل عند أي جنس آخر لها، فالحيوان يقتل بغريزة الجوع، والإنسان يقتل بغريزة الشبع، والحاجة المستمرة لمراكمة المزيد وعدم قدرته على إيقاف لغة أريد، ليثبت لنا أننا نحن أقفال الحياة، والأجناس الأخرى مفاتيح لنا؛ أي من أجل حياتنا ومن دونها لا حياة.