العظمى.. والعظيمة!
| عصام داري
استفزني الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجعلني أخرج عن طبيعة زاويتي الأسبوعية في صحيفة «الوطن» التي تتسم بالرومانسية والتغني بالطبيعة والمشاعر والأحاسيس الإنسانية، وفي طليعتها الحب والمحبة والأحلام والخيال الجميل.
استفزني ترامب هذا عندما أمر بوارجه بقصف قاعدة جوية قرب حمص، وفي مكان لا يبعد كثيراً عن مملكة زنوبيا في مدينة تدمر التاريخية الأثرية البالغة الأهمية.
وقبل الحديث عن هذا الجنون الرسمي الذي يتسم به الرئيس الأميركي، وهو مرض معد يصيب كل سكان البيت الأبيض على مرّ السنين، لاحظت أن تدمر تبدو مستهدفة، فإذا كانت الولايات المتحدة قصفت مطاراً حاولت إسرائيل قصفه قبل أيام، فإن عصابة داعش «قصفت» آثار تدمر التي تتحدث عن فترة زمنية مشرقة من تاريخ سورية والعالم.
بالمحصلة نصل إلى نتيجة مفادها أن هذه القوى الظلامية الثلاث، أي الولايات المتحدة وإسرائيل وداعش، هي أشبه بوحوش ضارية تحارب نقيضها: الحضارة الراقية في أي مكان من كوكبنا.
يجب ألا يغيب عن بالنا أن الولايات المتحدة قامت أصلاً قبل أقل من ثلاثمئة سنة على جماجم سكان القارة الأميركية الأصليين الذين يسمونهم اصطلاحاً «الهنود الحمر» والذين كانت لهم حضارة راقية في هذه القارة.
الولايات المتحدة نفسها هي من اقترف أبشع جريمة في تاريخ البشرية ونعني إلقاء القنبلة الذرية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين فدمرتهما بلحظة، وقتلت ما يفوق ثلاثمئة ألف إنسان، إضافة إلى آلاف الضحايا الذين تأثروا بالإشعاعات الذرية حتى يومنا هذا.
وهنا أيضاً في اليابان كانت توجد حضارة راقية، وكذلك في العراق وأفغانستان وبقية الدول التي طالها العدوان على مدى عشرات الأعوام.
نظن أن الولايات المتحدة التي لا تملك تاريخاً وليست سليلة حضارة راقية كالدول التي هاجمتها بالصواريخ والقذائف والبوارج وكل صنوف الأسلحة، يبدو أنها تنتقم من كل الحضارات، وتسيطر على عقول الساسة الأميركيين عقدة النقص، فيأتي الدواء الأميركي على شكل إجرام متنقل يستهدف الدول صاحبة الحضارات الراقية وشعوبها.
لا نشك لحظة بأن الولايات المتحدة دولة عظمى تضم جميع أصحاب الديانات والمذاهب والقوميات من كل دول العالم، لكنها لم تبلغ سن الرشد بعد، ولا نعتقد أنها ستبلغه يوماً.
فأن تكون دولة عظمى شيء، وهي كذلك، وأن تكون دولة أو أمة عظيمة، شيء آخر مختلف تماما، وأن تعتدي هذه الدولة العظمى على دولة صغيرة بمساحتها واقتصادها وقوتها، فإنها تعتدي على دولة عظيمة بتاريخها وحضارتها وما قدمته للبشرية عبر التاريخ.
سورية التي أهدت البشرية أول أبجدية، وأول نوتة موسيقية عرفها البشر، واكتشفت الصباغ والزجاج الملون والنسيج وغيرها كثير، سورية هذه هي الدولة العظيمة، والأمة العظيمة التي تتطاول على قامتها دولة يخجل التاريخ من سجلها الأسود، بل الحالك السواد، تاريخ لا يعرف إلا القتل والحروب والدمار والخراب.
على الإدارات الأميركية أن تدرس التاريخ جيداً، كي تعرف أن عظمتها الراهنة قامت على نهب الشعوب والسطو على ثرواتها، والإفادة من العلوم والفنون والاختراعات التي أنجزتها الشعوب المكافحة على مر التاريخ، ولكنها شعوب عظيمة.