المصالح بالاستثمار في الإرهاب
| عبد السلام حجاب
ما إن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى واشنطن واستعاد حالته الرئاسية في البيت الأبيض، حتى بدأ بفتح جدول حساباته وعاد إلى طبيعته العقارية وخلط المال بالسياسة على اعتبار أنه مقياس الربح والخسارة وليس شيئاً آخر، فوجد أن أرباحه في ختام جولته إلى دول الخليج التي شكلت السعودية عنوانها الأساسي، بلغت مليارات الدولارات، واستنتج أن المصالح السياسية هي في أن الآخر يقاسمك في كل مرة تربح فيها، بيد أنه حين تخسر فسوف يجعل الخسارة من نصيبك وحدك.
ليس واضحاً بأن حجم هذه الصفقات سيعيد التوازن للاقتصاد الأميركي المهزوز أو أنها ستصلح الخلل الذي أحدثته الانتخابات الرئاسية التي نجم عنها فوزه أمام الديمقراطية هيلاري كلينتون، حيث شهدت الأوساط الحاكمة هناك، حالة من التذمر المناهض لخطوة دونالد ترامب رغم عائديتها المالية، مما يهدد بحالة تغيير رئاسية لا تصب في مصلحة ترامب الذي يواجه هجمة يمينية أميركية.
مجموعة من الملفات الملحة على رأسها الإرهاب واتفاق المناخ والمحاسبة الداخلية والعلاقات مع روسيا والصين وإيران، ولا تقل عنها الأزمة مع كوريا الديمقراطية وما يمكن أن تسفر عنه من احتمالات في عالم فقد توازناته القديمة وأخذ باتجاه تثبيت ركائز مقومات جديدة تؤكد سقوط القطب الواحد، وهو اتجاه أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ أمام الأمم المتحدة حين أعلن أن اتجاه الحركة لن يعود إلى الوراء، كما أكد عليه المتحدث باسم الخارجية الصينية قنغ تشوانغ حين قال: إن الصين غير راضية بشدة عن ذكر قضيتي بحري الصين الشرقي والجنوبي في بيان مجموعة الدول الصناعية السبع، وأنه يجب الكف عن إصدار تصريحات لا تتسم بالمسؤولية.
في خطابه أمام القوات الأميركية في قاعدة سيغونيلا البحرية الجوية في إيطاليا، أكد ترامب دعمه الكامل لحلف شمال الأطلسي الناتو، مشدداً على تعهدات الدول الأعضاء بالحلف لزيادة النفقات في الدفاع، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة تنفق أكثر من أي دولة أخرى داخل الحلف، وهو ما اعتبره ظلماً لأميركا ولدافعي الضرائب الأميركيين، مشيراً إلى أن تحركاته بهذا الصدد بدأت تؤتي ثمارها، وأن الأموال بدأت تتدفق من دول لم تكن لتنفق هذه المبالغ لو لم يكن قد تم انتخابه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.
حتى الآن لم ترشح دلائل تشير إلى انعكاسات سياسية لنتائج جولة ترامب في الخليج وإسرائيل على محوري جنيف وأستانا لحل الأزمة في سورية، بعدما أصبح بعصا موسى يهش بها على غنمه، وله بها مآرب أخرى تظهر بين الحين والآخر في تصريحات لبعض الأطراف التي لا تريد لهذه الأزمة أن تنحل وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 2254 وما ينص عليه القرار الدولي 2253 المتعلق بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه والمتمثلة أصلاً بالسعودية وتركيا، والتي تشير علاقات هذه الأطراف مع الكيان الإسرائيلي وتناميها على صعيد تغذية الإرهاب، إلى توجهات هذه الأطراف وفقاً للبوصلة الإسرائيلية وليس بوصلة القرارات الدولية التي تحرص روسيا على الالتزام بها وتطبيقها، وتعتبر أي خروج عنها خروجاً عن سياق لا يساعد على حل الأزمة في سورية كما أعلن مؤخراً الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيرس.
سبق لواشنطن أن شاركت بمستوى سياسي تمثل بمعاون وزير الخارجية في أعمال أستانا الرابع وجنيف السادس، وهي مشاركة سياسية وذات مستوى رفيع، لأنها مؤشر إيجابي لتوجه إدارة الرئيس ترامب الجديدة لدعم الحل السياسي للأزمة في سورية، ويقترب من موسكو ولا يبتعد عنها، وهي القراءة الافتراضية التي لا تزال ترددها أوساط المحللين السياسيين.
ومثلت مسألة الإرهاب دائماً، أخطر أشكال الضغط والتأثير على المسار السياسي لحل الأزمة في سورية، بحسب توجه القانون الدولي الذي يسير في ضوئه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وتتحرك أطراف مشاركة في جنيف للضغط على جعل أجندات الإرهاب التي تحملها وفود معارضة مصنعة سعودياً وتركياً لتكون دليلها في أي مؤتمر لجنيف القادم، وهو ما يشكل ازدواجية معايير سياسية، مثلت وما تزال، العقبة أمام التقدم في الحل السياسي باتجاه التخلص من الإرهاب بغية الولوج إلى حل للأزمة في سورية.
من المرجح أن يكون لاجتماع أستانا القادم فرصة لتجاوز ازدواجية المعايير السياسية لدى كل من تركيا والسعودية والذهاب باتجاه الحل السياسي الذي تسعى إليه روسيا وفق رؤية ستيفان دي ميستورا.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف صرح بأن موسكو على استعداد للعمل مع واشنطن بشأن إيجاد حل للأزمة السورية ومكافحة الإرهاب وهو ما كان قد صرح به الرئيس ترامب من قبل في ختام حملته الانتخابية في إشارة للاقتراب من تفاهم بين موسكو وواشنطن، إلا أنه لم يقدم نتائج ملموسة رغم محادثاته الهاتفية المتبادلة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولقاء وزيري الخارجية الأميركي ريكس تليرسون مع الرئيس بوتين في موسكو، ووزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مع الرئيس ترامب في واشنطن، وما صدر عن اللقاءات من تصريحات إيجابية تتعلق بالحل السياسي للأزمة في سورية.
ما سبق يعتبر من التحديات أمام سياسة ترامب القادمة، وما يترتب على إدارته الجديدة فعله للتعامل مع الأزمات التي تواجهها، ولاسيما ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية ومكافحة الإرهاب والتنسيق مع الجانب الروسي في معالجة مستجدات هذه القضايا وانعكاساتها في المنطقة والعالم.
لذلك على إدارة ترامب أخذ المتغيرات بعين الاهتمام، وإدراك أن العالم لن يعود إلى الوراء، وعلى الرئيس ترامب الإجابة على السؤال المهم وهو: هل غيرته الزيارة خارج أميركا وتفاصيلها وما استلمه من مليارات والتصريحات التي جاءت منافقة ومتناقضة مع الوقائع، وهل يمكن لذلك أن يكون له تأثير في نتائج الزيارة؟
من المفترض أن يقرأ بموضوعية أيضاً، الجهد السياسي والميداني التي تبذله سورية جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد في محاربة الإرهاب مع حلفائها في إيران وروسيا والصين، وعلى ترامب أن يعمل بجدية وواقعية سياسية في إطار محاربة الإرهاب الذي يشكل العقبة الأساس أمام حل الأزمة في سورية وأمام مهمة دي ميستورا، وليس بازدواجية معايير سقطت وسقطت معها عوامل تنفيذها، كما جرى على الحدود مع الأردن حيث تحقق سورية نجاحات من المؤكد أنها لن ترضي واشنطن وقادتها العسكريين ومشاريعها المزدوجة المتعاملة مع الإرهاب، ما يفتح الأبواب أمام احتمالات أشد خطورة، لن تقف سورية أمامها مكتوفة اليدين ولن ترضي موسكو بالتأكيد.
إن كل الأعمال الأميركية جنوب البلاد، لا تساهم إلا في دفع الحالة العسكرية مع الإرهاب إلى مزيد من التأزم، ولن تفيد الحل السياسي بقدر ما تدفع بالإرهاب ليشكل عقبات إضافية أمام الحل، مع ما تفرزه من احتمالات تزعزع الأمن في العالم واستقراره، بل ربما تدفع المنطقة والعالم باتجاهات أشد خطورة، توفر فرصاً ثمينة توافق نشاطات الإرهاب وجرائمه على حساب الدول وأمنها واستقرارها.
لقد أعلنت روسيا موقفها الرافض لمثل تلك الأعمال، وأكد الرئيس بوتين أنه يجب محاربة الإرهاب بالشكل الصحيح وليس السعي لتخريب الدول، لأن ذلك لا يساعد على التخلص من الإرهاب، بل يزيد من رقعة انتشاره وجرائمه ويخلق عقبات جديدة أمام الأمن والاستقرار العالميين.