الأولى

ماذا بعد العدوان؟

| بيروت – محمد عبيد

على الرغم من كل الوقائع العسكرية التي تؤكد بما لا يقبل الشك أو الجدل سقوط الأهداف السياسية نتيجة نجاح الدفاعات الصاروخية السورية في إسقاط صواريخ العدوان الأميركي-الفرنسي-البريطاني المشترك والمدعوم من النظام السعودي والمنسق استخباراتياً مع العدو الإسرائيلي، تُصِر أطراف هذا العدوان على اعتبار أن هجماتها حققت انتصاراً عسكرياً نوعياً يؤهلها لإعادة إحياء ما تسميه «العملية السياسية» بناءً على مرجعية بيانات لقاءات جنيف وما تخللها وتبعها من محاولات لاستعجال حل سياسي مفخخ.
في المقابل، يرى الجانب السوري أنه تمكن من إلحاق هزيمة عسكرية مزدوجة: الأولى، في الميدان البري من خلال تحرير معظم المناطق التي كان الإرهابيون يسيطرون عليها لسنوات طوال. والثانية، في المجال الجوي عبر منع رعاة الإرهاب الدوليين والإقليميين من النيل من قدرات الجيش العربي السوري وحلفائه. وبالتالي فإن سورية وحلفاءها الذين لم يسلموا بالأجندة الأميركية القائمة على فرض الوصفة التقليدية للحلول السياسية بعد إشاعة الفوضى والإرهاب والدمار في غير بلد عربي، لن يقبلوا بأقل من إعادة النظر في منطلقات وآليات العملية السياسية المطروحة كافة تبعاً للمتغيرات الميدانية التي لم تُسقط فقط قواعد الاشتباك بل التي من المفترض أن تؤسس لوضع قواعد جديدة للحل السياسي.
لذا يبدو أن عدوان الثلاثي الغربي والأتباع الإقليميين قد أضاف تعقيداً جديداً وعميقاً على الحل السياسي المُعقد أصلاً بفعل إصرار واشنطن وحلفها على عدم الإقرار بتبدل المشهد السياسي على الساحة الإقليمية والدولية انطلاقاً من الميدان السوري، كذلك نتيجة تجاهلهم المقصود للإنجازات السياسية والاجتماعية والإنسانية التي حققها مسار «أستانا» إضافة إلى عدم اعترافهم بالوفود والشخصيات التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني في مدينة «سوتشي» كحيثيات تمثيلية شعبية ونوعية أيضاً، وحقها في أن تكون شريكاً كاملاً في أي عملية تفاوضية أو حوارية لرسم مستقبل سورية.
هنا تكمن المشكلة الأساس التي ستواجه أي دعوة لإعادة تحريك الاتصالات واللقاءات من أجل استئناف العملية السياسية المفترضة، وخصوصاً إذا استمر العناد الأميركي على البقاء في المربع الأول المرتكز على بيان جنيف1.
بناءً على ذلك، تبرز المخاوف من سعي الإدارة الأميركية لممارسة ضغوطات على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بهدف إجبارها على تسييس تقريرها المنتظر وتوجيهه بما يبرر عدوانها هي وحلفها على سورية، وهو أمر سيضع وفد المنظمة الموجود في دمشق أمام مهمة معقدة وحساسة ومفصلية، وخصوصاً أن هذه الإدارة قد استبقت بدء عمل الوفد باستدعاء الهيئة التنفيذية للمنظمة إلى اجتماع في البيت الأبيض يوم الإثنين الماضي.
فمجرد القول بما يصر عليه الجانبان السوري والروسي حول عدم استعمال الجيش العربي السوري لأي مواد كيماوية في معركته لتحرير الغوطة الشرقية يعني عملياً سقوط جميع الذرائع السياسية و«الإنسانية» التي إرتكز عليها العدوان المذكور غير المُشَرع وغير المقونن أممياً. لذلك تميل بعض المصادر إلى الاعتقاد بأنه يكفي واشنطن وحلفها خروج المنظمة بتقرير يشير إلى وجود بعض الأثر على استعمال سلاح كيماوي من دون تحديد الجهة المسؤولة عن هذا الاستعمال كي تثبت مزاعمها المفبركة حول الاتهامات التي وجهتها ضد الدولة السورية، ولكي تعيد أيضاً فرض أجندتها التفاوضية لإنضاج تسوية سياسية تتلاءم مع رغبتها بتطويع حلف المقاومة وروسيا.
تحتاج الولايات المتحدة الأميركية وحلفها وأتباعها إلى أكثر من ضربة عجولة فاشلة لتغيير التوازنات السياسية التي صارت وقائع ثابتة والتي فرضتها الأحلاف السياسية المستجدة والقائمة على التقاء المقاربات حول النظام الذي من المفترض أن تقوم عليه العلاقات بين الدول، كذلك الطرق والأساليب التي يجب اتباعها في معالجة أزمات العالم والحلول السلمية لها، ومثال ذلك المقاربة الموحدة التي على أساسها تَكَوّن حلف روسيا- إيران- سورية- المقاومة.
كما ينقص هذا الحلف الغربي والأتباع الجرأة على الثبات في الميدان على حين أن رأسه المدبر واشنطن يعلن كل يوم رغبته بسحب قواته المحتلة لبعض الأراضي السورية، وهو عملياً إنذار مبكر لحلفائه وأتباعه وخاصة منهم الإرهابيين بالهروب من ساحات القتال أو الاستسلام، المسلسل الذي شهدنا مؤخراً أحد أهم وأبرز فصوله في الغوطة الشرقية والذي سيستكمل تباعاً في ميادين سورية أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن