ثقافة وفن

عضواً جديداً في مجمع اللغة العربية في دمشق … د. عسّاف عن سلفه: جمع سليم البخاري في حياته بين العلم والعمل به

| سوسن صيداوي

لأن اللغة العربية هي لغة فيها من المتانة والجزالة ما يقوي الكلام وما يجعله دالا بطريقة قطعية على معانيه، ولأن، وفي المقابل، فيها الكثير من المرونة كي تستوعب ما تلقي به حوائج الدنيا وضروراتها من تطورات في كل مجالات الحياة العملية، مازال مجمع اللغة العربية، رغم كل المعوقات ورغم كل التحديات، قادرا على إصدار المجامع الحاوية لكل ما يتطلبه كل جديد، ولأن الاستمرارية في الحياة من إحدى الضرورات التي لابد من التمسك بها والمضي برفقتها، كعادته استقبل المجمع عضواً جديداً، ومؤخرا استقبل الدكتور عبد الناصر عسّاف وتم تقليده الشارة المجمعية خلال حفل تضمن كلمات لرئيس المجمع الدكتور مروان المحاسني، وكلمة للأستاذ مروان البواب، وكلمة عضو المجمع الجديد الدكتور عبد الناصر عساف متحدثا عن سلفه الشيخ سليم البخاري، في قاعة المحاضرات في المجمع.

كلمة رئيس المجمع
في كلمة لرئيس مجمع اللغة العربية الدكتور مروان المحاسني تناول فيها أهمية اللغة العربية ومقدرتها على استيعاب ما تطرحه الحياة من تعابير في كل مناحي الحياة، مشيراً إلى مهام المجمع، حيث قال: «مهام المجمع ترتكز إلى فهم دقائق اللغة العربية، التي يمكن أن يعيننا التعمق فيها على السير في مهمتنا الكبرى، وهي إيصال لغتنا إلى احتواء توطين العلوم في ثنايا مخزونها اللغوي الفريد، لنعيد إليها موقعها العالمي في حداثة سريعة التطور»، وحول مهمة مجمع اللغة العربية أضاف «يظن كثيرون أن مهمة مجمع اللغة العربية تقتصر على متابعة استعمال اللغة العربية للتنبيه إلى ما قد يطرأ على حسن انتقاء ألفاظها، والأهم من كل ذلك ما يعتقدونه، وهو تيسير قواعد اللغة والقواعد النحوية التي يعتبرونها صارمة يصعب فهمها، وأن على المجمع إيجاد السبل للتسهيل… وحقيقة الأمر أن الإنتاج الأكبر لمجمعنا هو مجموعة المعاجم العلمية التي أصدرها المجمع في السنوات العشر الأخيرة، وهي تنطوي تحت لواء مشروع عملي هو توحيد المصطلحات العلمية، وخاصة أن سورية هي البلد العربي الوحيد الذي مازال مصرا على تدريس المواد العلمية باللغة العربية، وذلك في جامعات خمس رسمية، وهو مشروع ربطته مشكلات حقيقية بعد ظهور خلافات حادة مع ظهور مصطلحات جديدة»، وأشار رئيس المجمع إلى ما يتبعه هذا الأمر من مشاكل لا يمكن حلها إلا عن طريق تشكيل لجان بغرض إيجاد مقابل عربي واضح، لافتا إلى أن المجمع أصدر مجموعات علمية للكيمياء والفيزياء والعلوم الحيوانية والزراعة والجيولوجيا والمعلوماتية والرياضيات والإشعار عن بعد، وأن المجمع في طريقه إلى إصدار معجم للعلوم البيئية.

الكلمة في استقبال العضو الجديد
بين عضو مجمع اللغة العربية مروان البواب في كلمته في استقبال الدكتور عبد الناصر عساف أن المجمع يضم فئات عمرية لا تقتصر على كبار السن، مفتتحا حديثه بالكلام عن عمر المجمع اللغوي، حيث بلغ منذ التأسيس في التقويم الميلادي سبعاً وتسعين سنة وعشرة أشهر، وفي التقويم الهجري يبلغ عمره مئة سنة وثمانية أشهر، مشيراً إلى عطاءات المجمع التي من أهمها كيف أنه أزاح اللغة التركية من الحياة السورية العلمية والإدارية والحياتية وأعاد اللغة العربية ببهائها ورونقها إلى جميع الميادين، مسلطا في كلمته على بعض من محطات العضو الجديد العلمية والحياتية «ولد الدكتور عبد الناصر عساف في درعا في سنة 1965، وهو بذلك أصغر أعضاء المجمع الحاليين سنا، إذ لم تتجاوز سنه الثانية والخمسين، وفي سنه هذه رد على هؤلاء المشنعين الذين لا يفتؤون يتهمون المجمع بأنه لا يختار في عضويته إلا الذين بلغوا من العمر عتيا وتجاوزوا الستين من العمر أو السبعين من العمر، وفي الشواهد التي سأذكرها، حجة قاطعة تدحض زعم هؤلاء المشنعين، فالعلامة عز الدين التنوخي وهو أحد أصغر مؤسسي المجمع لم يتجاوز عمره الثلاثين من عمره، والشاعر خليل مردم بيك انتخب لعضوية المجمع وهو في الثلاثين وأصبح رئيساً له وهو في الثامنة والخمسين، وجميل صليبا كان في الأربعين ومحمد سليم الجندي كان في الثانية والأربعين».
وتابع البواب «كان شغف الدكتور عساف في العلم شديدا حتى حبسه عن الناس وصرفه عن كثير من ملاهي الحياة، وفي المدارس ذاق طعم التفوق وكان متفوقاً في سني دراساته كلها، في تلك المدارس تمكن منه حب العربية وأخذ ينمو شيئاً فشيئا، حتى أصبح هوى مقيما استبد به استبدادا، جعله يغير منحى دراسته الجامعية، فحين نال شهادة الثانوية العلمية أصر على التسجيل في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق، معربا عما ألح به عليه والده بإعادة الكرة في الشهادة الثانوية للتسجيل فيما يتيح له التسجيل في كلية الطب البشري، وفي قسم اللغة العربية شق الطالب طريقه في مرحلة الإجازة بجد وحماسة، وكان من جملة المتفوقين، وفي سنة 1988 عُيّن معيدا في النحو والصرف، وفي سنة 1992 نال الباحث درجة الماجسيتر في النحو والصرف بدرجة امتياز، ثم أعد رسالة الدكتوراه في النحو والصرف بمرتبة امتياز سنة 1996، وعُيّن مدرسا في قسم اللغة العربية في جامعة دمشق مدرسا للنحو والصرف، وكان تصدى الدكتور عبد الناصر في السنوات العشر الأخيرة لدراسة الأساليب النحوية المعاصرة، كما له سيرته في تأليف الكتاب الجامعي، وشارك في مناقشة ما يزيد على عشرين رسالة ماجستير ودكتوراه، له تجربة أخرى في التدريس إذ عمل في كلية المعلمين في أبها في السعودية مدة خمس سنوات، درس فيها اللغة العربية وعلومها وحكم أبحاثا، ودقق في عدد من الكتب والرسائل وأعد بعض المسابقات التعليمية في المهارات اللغوية وأشرف عليها، وكتب في عدد من المجلات، وبعد عشر سنوات من عودة الدكتور عبد الناصر للوطن اختاره المجمع كي يكون من بين أعضائه».
في الكلمة سليم البخاري

تحدث العضو الجديد في المجمع الدكتور عبد الناصر عساف خلال مداخلته عن العلامة سليم البخاري، مشيراً إلى أنه كان عضواً في مجمع اللغة العربية عام 1920، شارحا كيف اصطدم الباحث في بداية تأليفه ولم يلق التشجيع المناسب من مدرسه الأمر الذي دفعه إلى الاعتكاف عن التأليف، لافتا إلى الأمانة العلمية الكبيرة التي يتمتع بها البخاري والتي هي واضحة بعرضه لمصادره التي اعتمد عليها، ومتحدثا عن جانب آخر من شخصية هذا الباحث «الشيخ البخاري جمع في حياته بين العلم والعمل، وبه من وصفه وخبره وترجمه، يقول «العالم العامل» وتلك ميزة دالة على رضا وتوفيق، إذا أوتيها المرء كانت له منزلة ومكانة، ومن أمارات ذلك ودلالاته تلك الأخلاق الرفيعة التي وصفها الأستاذ محمد سعيد الباني به إذ وصف سجاياه وأخلاقه وقد عاصره وخالطه وأقام معه في منفاه في الأناضول في غرفة واحدة، وهو من أبرز من ترجمه وعرّف به في مقالة نشرها في مجلة هذا المجمع، فقال: «كان رحمه اللـه على جانب عظيم من الذكاء الفطري وسرعة الخاطر وقوة الحافظة، سليم الصدر لا يضمر السوء أو الغش لأحد، عصبي المزاج جميل المحيا، رقيق الشمائل حسن المعاشرة يحب النظافة والإتقان والترتيب ويرغب في وضع الأشياء موضعها، وكان مهيبا وقورا بهي الطلعة»، مضيفاً إن مجلسه كان مجلس علم وأدب يأبى أن يُذكر في حضرته إنسان بسوء وإن مما يدل على اجتماع صفتي العلم والعمل هو «زهده في المناصب التي درج فيها، لم يُشغف بها شغف المتهالك على الدنيا وزخرفها، ولم يتخذها تكأة لمآرب تشتهيها النفس بل كان يريد منها تحقيق مصلحة عامة للمجتمع أو للدين أو للوطن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن