قضايا وآراء

بين السيادة العربية والمصالح الأميركية

| بيروت – رفعت البدوي 

في كل مرة عقدت فيها العزم على السفر قاصداً بلداً غربياً لحضور مؤتمر أو للمشاركة في ندوة أو مناقشة دراسة مستفيضة بهدف اكتشاف آفاق مستقبل بلادنا العربية، ينتابني شعور بالألم والحسرة وتراودني أسئلة عديدة جميعها تتمحور عن سبب اضطرارنا اللجوء إلى مراكز دراسات غربية أو استشراف وزراء خارجية أو معاهد دراسات غربية مخصصة لرسم مستقبل بلادنا العربية.
لكن الأشد ألماً هو غياب معظم الدول العربية أو تغيبها واختفاء القرار العربي نتيجة العجز عن رسم مستقبل بلادنا العربية وخصوصاً في ظل انعدام وجود الجدية عند معظم العرب للعمل على اكتشاف وصنع المستقبل الذي يؤمّن حرية وسيادة واستقلال الوطن العربي.
إن معظم العرب لا يعيرون اهتماماً للمحافظة على السيادة واستقلال حرية القرار العربي بما يضمن مستقبل أجيالنا العربية وهنا يتبادر إلينا السؤال: لماذا يجب علينا نحن العرب التوجه إلى بلاد غربية غريبة عنا وعن ثقافتنا وحضارتنا تعتمد ثقافات وحضارات غربية تسعى لتأمين مصالحها على حساب مصالح بلادنا العربية، إضافة إلى زيارة مراكز القرار ووزارت الخارجية ومراكز الدراسات فيها، ونستمع ونصدق بما يملى علينا من وزراء وكتاب وباحثين غربيين في كل مرة يراد منها استكشاف المستقبل في بلادنا العربية.
لقد برهن معظم العرب أنهم ما اجتمعوا مرة للبحث في مشكلة أصابت الوطن العربي إلا وكانت النتائج كارثية وزادت الخلافات وتوسعت الشقة بينهم وبلغت حد المؤامرة من بعض العرب على البعض الآخر من العرب.
ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن مكتبه في البيت الأبيض، أصدر ما يشبه مذكرة جلب بوليسية موجهة لملوك وأمراء ورؤساء ومشايخ عرب للتجمع لأجل اللقاء بهم بغرض إملاء الإرادة الأميركية وتأمين مصالحها ونهب ثرواتنا وسرقة مقدرات بلادنا ورسم مستقبلنا وتغيير خريطة بلادنا العربية بما يخدم العدو الإسرائيلي وطمس القضية الفلسطينية وإلغاء حقوق الفلسطينيين، وفرض تلك القرارات الأميركية على العرب، أصحاب مذكرة الجلب البوليسية، لتكون الإرادة الأميركية بمنزلة القضاء المبرم الواجب تنفيذه ولو كان عكس مصالح بلادنا وشعوبنا العربية.
أضحى معظم العرب مسلّماً بسطوة أميركا على بلادنا العربية، حتى إن بعض العرب بات مجرد متعّهد محترف في تنفيذ الإملاءات الأميركية، مسلوب الإرادة، لا يمتلك قراره، واضعاً كل إمكانات وثروات ومقدرات بلاده في خدمة الغرب وأميركا، واستطراداً في خدمة الكيان الصهيوني، من خلال منع أي شكل من أشكال المقاومة ضد العدو الصهيوني، ظناً من هؤلاء العرب أن أميركا هي الضامنة للأمن والحافظة لهيئة الحكم في تلك البلدان، وظنا منهم أيضاً أنهم كلما تقاربوا وتصافحوا وتبادلوا الزيارات وتحالفوا مع العدو الصهيوني، كلما استرضوا أميركا وأبعدوا عنهم كأس الفوضى الأمنية والتقسيم والتفتيت في بلادهم.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يترك من الابتزاز والوقاحة شيئاً إلا واستعمله في أكبر عملية ابتزاز وإذلال لحكام تلك الدول العربية حيث قال إن دول الخليج النفطية تمتلك الكثير من النفط والمال ويجب عليهم دفع أموال باهظة إذا ما أرادوا الحماية والحفاظ على أمنهم.
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليسا رايس اعترفت بكل وقاحة أن هدف الولايات المتحدة الأميركية من اجتياح العراق لم يكن البحث عن أسلحة الدمار الشامل بل إن هدفها الرئيسي منه هو الإطاحة بالرئيس صدام حسين والسيطرة على نفط العراق.
وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية ريكس تيليرسون في لقاء مع طاقم الخارجية الأميركية وسفراء أميركا قال: صحيح أن قيمنا قائمة على الحرية والديمقراطية والإنسانية، ولكنها ليست سياستنا، وأضاف: إن السياسات تتغير أما القيم فلا تتغير، ولكن إذا كان تنفيذ سياستنا يتطلب شرطاً لتنفيذ قيمنا ربما لا نستطيع أن ننجز أهداف أمننا القومي أو مصالحنا الأمنية، وتابع تيليرسون: هذه القيم توصلنا إليها عبر تاريخنا الطويل، فإذا أردنا إنجاز مصالح أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية، من المهم جداً أن نفهم الفرق بين السياسة والقيم، ولذلك فأنه علينا أن نفهم في كل بلد في العالم ما مصالح أمننا القومي، وما مصالحنا الاقتصادية، ويجب أن ندرس كيفية تحقيق أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية أولاً، أما قيمنا فهي في مكان آخر.
أضحى الوطن العربي بين عرب مسلوبي الإرادة والسيادة والقرار، ينصاع للإرادة الغربية وقرار مذكرة الجلب الأميركية، وبين عرب مقاومين للإرادة الأميركية، أحرار في القرار والإرادة، متمسكين بسيادة واستقلال بلادهم.
إن من حافظ على سيادة واستقلال بلاده، فقد فاز فوزاً عظيماً، ومن استجاب لمذكرة الجلب الأميركية وفرط بسيادة بلاده ورهن مقدراتها لأميركا، فإن عقابه سيكون تنفيذ مصالح أميركا من دون قيمها، وربيعاً إسرائيلياً بامتياز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن