ثقافة وفن

(لمة رمضان) والتكنولوجيا

 أنس تللو : 

اللمة هي اجتماع جميع أفراد العائلة من أكبر جد إلى أصغر حفيد في بيت العيلة ؛ أي في بيت الجد الكبير، وذلك في اليوم الأول من شهر رمضان لتناول طعام الإفطار، ثم يجتمعون في اليوم الثاني عند أكبر أفراد العائلة سناً، ويتناوبون طوال شهر رمضان على اللقاء على مائدة الإفطار عند أحدهم حيث تقوم ربة المنـزل باستضافتهم، ببهجة وسعادة وتقدم لهم أطايب الطعام الشهي الذي كانت رائحته الزكية تملأ البيوت والأحياء، والذي كانت تتنافس ربات البيوت في صناعته (آنذاك).
وقد كان لهذا الاجتماع رونق خاص وبهجة أليفة، إذ كان الناس يجلسون ويأكلون ويتسامرون، ويدخلون في جو بهيج من الحميمية الخلاقة، ويتشاركون في حوار عائلي مفتوح، تتم فيه مقاربة وجهات النظر، وتحل فيه الخلافات…
ولا ننسى ما كان لأحاديث الجد والجدة الحكيمة من أثر فعَّال على أخلاق الأولاد والناشئين نظراً لما تحمله تلك الأحاديث من حكم ومواعظ أخلاقية جيدة ؛ تعلِّم أساليب الحياة الرغيدة ضمن جو من التآلف والتفاهم كبير.
إنها جلسة تتقارب فيها النفوس وتتصافى، وتقوي الصلة بين الأرحام…
من هنا فقد كان شهر رمضان برمته مدرسة اجتماعية أخلاقية كبرى، تعلم الصفات الحسنة للأولاد، وترشد الكبار إلى الفضائل الكبرى…
ما كان أجملها من جلسة عائلية هانئة، يلتف فيها أولاد العائلة حول الجد الكبير، أو يتحلقون حول البركة لتسمع ضجيجهم الجميل يختلط مع صوت قرع القباقيب، ويترافق أحياناً مع صوت ضحكات النساء في أثناء تراشقهن بماء البركة… ما كان أحلاها من أيام بسيطة لا تعقيد فيها، ديدنها التيسير وحليفها الوصال، تلتقي فيها كل العائلة على مائدة واحدة… ويترافق مع اللمة أحياناً موضوع (السكبة) حيث يحضر كل ابن أو حفيد معه طبخة صغيرة جداً في صحن متوسط الحجم أو صغير اسمها السكبة.
وكما يهفو الجسد بعد طول عناء وجوع إلى أطايب الطعام اللذيذ، كذلك فإن النفس تتوق إلى مجالسة الأصحاب والحوار الممتع…
تلكم كانت هي اللمة (لمة رمضان) التي يتداعى إليها الأقرباء دون مناد ليلتقوا جميعهم في بيت الجد أو الأب أو الأخ الأكبر.
كانت لمة رمضان عادة أصيلة تصفي النفوس، وهي فرصة سانحة لتلاقح الأفكار وتبادل الآراء.
وما كان أجملها من عادة قديمة أصيلة ؛ تعبر عن روح جماعية أسروية، تحمل مباهج كثيرة فوائد عديدة.
اليوم بدأت هذه العادة تتلاشى، ما أفقد رمضان نكهته الخاصة ؛ فقد جاءنا البديل ؛ البديل الذي جعل بعضنا يلهث وراء موضة التكنولوجيا التي التهمت عقوله وجيوبه.
لقد أفقد الغزو التكنولوجي شهر رمضان بهجته وألقه، وأصبح الكثيرون يميلون إلى الانعزال مع أصدقاء الفيس بوك، بدلاً من الالتفاف حول صحن الحلوى وصينية الشاي.
لقد تركنا أحاديث الأجداد والجدات ؛ وأحاديث رمضان الشيقة، وجاءت أحاديث أخرى يتم تناولها بدلاً منها…
فقد اختفت اللمة حين غدا كلٌّ منا يفضل تناول طعام الإفطار بمفرده أحياناً وهو يتابع برنامجه المفضل أو مسلسله الرائع على ‏الفضائيات العربية.
وقد استبدل العديد من الأشخاص بعادات اللمة العائلية خلال سهرة رمضان اللمة على طاولة الكمبيوتر والسهر مع الأصدقاء عبر شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) إلى غاية السحور، ولم يعد هناك دور لأحاديث الأهل، ولا لزيارة الأقارب…
رحم الله رمضاناً كان فيه تراحم وتآلف ومحبة ؛ ضمن بيئة عائلية بيتوتية عبر حوار عائلي مفيد…
ألا ليتنا نعود إلى التمسك بعادات رمضان والتشبث بأخلاقه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن