أنقرة، وقطع اليد القطرية: الاستعداد للأسوأ
| د. بسام أبو عبد الله
ذهب كثيرون في تحليل ما يحدث تجاه قطر الآن على أنه أزمة تُحل بمجرد قيام قطر بدفع ما يترتب عليها من الجزية للمعلم الأميركي الجديد دونالد ترامب، وكأن قطر بإمكانها التمرد على سيدها الأميركي، وعدم دفع ما تتطلبه واجبات الحماية الأميركية، وإذا كان الأمر سيُحل بالدفع الكاش، فإن قطر بالتأكيد جاهزة لذلك دائماً وأبداً، ولكن الواضح تماماً أن حجم الإجراءات الزاجرة لها، والعقوبات المفروضة عليها، لا تستهدفها فقط بذاتها، بل إن المطلوب قلب الواقع في المنطقة خوفاً من انقلاب متعهدي المشروع الأميركي بعضهم على بعضٍ، وبالتالي فإن المثل الدارج بالعامية لدينا ينطبق على حالة قطر أي: «الطبل في قطر، والعرس في تركيا»!
أنقرة تقرأ المعادلة بهذا الشكل وتستعد لها، وما كشفه الصحفي التركي إبراهيم قره غول، في صحيفة «يني شفق» الناطقة بلسان الحزب الحاكم، يؤشر لذلك بوضوح شديد إذ يرى قره غول أن محاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز 2016 تورطت فيها الإمارات العربية المتحدة عبر رصدها مبلغ 70 مليون دولار لسيناريو الانقلاب، وأن رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة محمد دحلان رجل ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كان الطرف الناقل للتعليمات لمنفذي الانقلاب، وأنه دخل إلى تركيا آنذاك بجواز سفر صربي، ويدلل على ذلك بما كشفته الرسائل الإلكترونية لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة حول تنسيق إماراتي إسرائيلي لتنفيذ محاولة إنقلاب تموز 2016، وبأن جماعة فتح الله غولين المتغلغلين في مفاصل الدولة التركية كانوا الطرف المكلف بالحملة الإعلامية والتنفيذ، وأما الإمارات فبالدعم المالي واللوجستي، وواشنطن أعطت الأوامر، وقامت بالرعاية بمعنى أن العملية كانت متعددة الجنسيات، حسب قوله.
وآنذاك من يعد لتغطية محطة «سكاي نيوز» التابعة لـمحمد بن زايد فسيتبين له أنها كانت محطة لتشجيع الانقلاب في تركيا، كما هي حال العربية، على حين كانت «الجزيرة» تدافع عن الرئيس التركي رجب أردوغان، وبنتيجة فشل محاولة الانقلاب، جاءت الآن الضربة تجاه قطر التي تشكل ذراعاً مالية بالنسبة لأردوغان، ولذلك عندما يتذكر الأتراك تلك المرحلة فهم يتهيؤون لمرحلة أقسى، وأصعب حسب تقديراتهم، فالمطلوب ضرب بلدان المنطقة بعضها ببعضٍ، والآن بين الدول التي شكلت محور العدوان على سورية، إذ سيتحول هؤلاء إلى محورين يتقاتلان، والهدف تدمير الجميع، وإضعافهم وتصفيتهم بعد أن فشلوا من جهة فيما أوكل لهم، وبعد أن اصطدم مشروع الإخوان، والتطرف بالصخرة السورية وصخرة محور المقاومة، وهنا لابد من أكباش فداء للفشل.
في أنقرة يرون بوضوح أن ما جرى ضد قطر هو كمن يُنفذ عملية ضد تركيا من خلال قطر بهدف عزلها، ودفع الأوضاع فيها إلى مرحلة الاضطرابات الاقتصادية، ويشيرون إلى أن الموجة الجديدة هي الاستثمار في الواقع الاقتصادي، وخلق أزمة مالية في تركيا، من خلال تشديد الحصار على قطر.
وتفيد التقديرات، حسب قره غول، أن هناك موجة جديدة قادمة لتركيا، بعد قطر ستأخذ شكلاً متعدد الجنسيات، كما حدث في محاولة انقلاب تموز 2016، ولكن أنقرة تتابع، وترصد وتلاحق هذه الاحتمالات، لأن الهدف حسب زعمه، هو جعل تركيا تنهار، ولن يتغير شيء ما لم تنهر تركيا، ولهذا فإن مواجهة تركيا لهذا المخطط حيوية وأساسية، وهذه المواجهة ستجلب رداً قاسياً عليها.
ما تراه أنقرة هو التالي: إن ما يجري الآن من حروب وتسعير لها بهذا الشكل المخيف، يعني فيما يعنيه: أنه لا يوجد بعد الآن تحالفات، ولا شراكات إستراتيجية، ولا اتفاقيات، ومواثيق دولية ضامنة، وعلى كل طرف الاعتماد على قوته الذاتية، وتحذر تركيا هنا، عبر كلام قره غول، من أن صدمة قطر ستؤدي إلى انهيار كل خرائط السلطة في المنطقة بأكملها، وعلى تركيا أن تستعد لتطورات دراماتيكية، ولكن تركيا دولة قوية، وقادرة على مقاومة هذه الموجة الجديدة حسب زعمه.
إذاً، قراءة تركيا لما جرى ضد قطر تُظهر بوضوح شعورها بالخطر الداهم، وبأن الخطوة التالية ستكون استهدافها، وما تحذير زعيم حزب المعارضة الرئيسي كمال كيلتيشدار أوغلو، للرئيس التركي بضرورة التخلي عن الإخوان المسلمين إلا رسالة تحذير هدفها الدعوة لتجنيب تركيا مصير قطر.
المراقبون يرون أن أردوغان قرأ الرسالة القطرية بسرعة وتحدث بلغة هادئة، وبدعوة للحوار، ولكنه سارع للاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإلى عقد لقاء ثلاثي تركي إيراني عراقي، لبحث المسألة وتداعياتها، وخاصة أن تركيا لم تكن سعيدة أبداً بنتائج قمة الرياض، ولن تدعم عودة السعودية لزعامة العالم الإسلامي الذي تنطعت كثيراً لاحتلال مقعده، وتدرك تماماً أن المطلوب عزل إيران من قبل دول ما يسمى «العالم السني»، حسب التعبير الأميركي، تمهيداً لاستهدافها كما استهدفت سورية، وهو المشروع الذي يتطلب مشاركة كل الدول التي حضرت قمة البيعة لترامب في تنفيذ هذا المشروع كما حدث الأمر في العدوان على سورية.
لا تبدو المخارج كثيرة أمام تركيا، ولا يبدو أن أمام أردوغان ترف الخيارات، ولذلك فإن هذا الواقع الجديد القادم سوف يضطره إلى التحرك أكثر باتجاه محور موسكو طهران علّه يحمي رأسه ورأس تركيا من الطوفان القادم إليه.