سورية

«الجهادي جاك» بين التيار الحازمي و«تبييض» المقاتلين الأجانب

| عبدالله علي

تشرّع قصة هروب «الجهادي جاك» من تنظيم داعش وما يحاك إعلامياً حولها، الباب واسعاً لفهم جزء من حقيقة تعامل الغرب مع ملف «المقاتلين الأجانب» الذي يرقى في بعض الجوانب إلى مستوى «التبييض»، متطابقاً بأركانه وغاياته مع جرائم «غسيل الأموال»، لكنه يتعلق هنا بغسيل إرهابيين دوليين، هذا بالإضافة إلى دور هذه القصة في الإضاءة على ملف «الحازميين»، ذلك التيار في تنظيم داعش الذي بلغ من الغلو والتشدد درجة أنه يحكم بالكفر على أبي بكر البغدادي زعيم التنظيم وعلى معظم رموز «الجهاديين» المعروفين، الأحياء منهم والأموات. وعنونت شبكة «بي بي سي» البريطانية تقريرها حول قصة الفرار يوم الإثنين الأسبوع الماضي، بـ«الجهادي جاك في سجن الأكراد» بعد الفرار من «وهم تنظيم الدولة الإسلامية» في محاولة واضحة منها لإظهار الفرار على أنه جاء بفعل يقظة اعتملت بداخل جاك بعد أن اكتشف حقيقة التنظيم، ونقلت الشبكة عن جاك قوله «إنني أكرههم (داعش) أكثر من كراهية الأميركيين لهم». وأضاف: «أدركت أنهم ليسوا على حق، ولذلك وضعوني في السجن ثلاث مرات، وهددوني بالقتل». كما أن «مركز صواب» وهو مبادرة أميركية إماراتية تقول إنها تعمل لمكافحة فكر داعش على الانترنت، استغل بدوره قصة جاك محاولاً التركيز على «ندمه على الانضمام لداعش بعدما اكتشف الوجه الحقيقي لهم وأيقن أنهم على المسار الخاطئ» وذلك في تغريدة للمركز على حسابه على تويتر الخميس الماضي.
لكنّ الحقيقة هي غير ذلك تماماً، إذ إن «الجهادي جاك» واسمه الحقيقي جاك ليتس، ومعروف بلقب أبي داوود البريطاني، لم يهرب لأنه شعر بالندم بعد ما اكتشف حقيقة التنظيم الذي قاتل في صفوفه لمدة ثلاثة أعوام تقريباً، بل جاء فراره في سياق مختلف تماماً وذي صلة وثيقة بملف «التيار الحازمي» المتشدد، حيث يعتبر ليتس من أعضاء «التيار الحازمي» ومن المؤمنين بأفكاره المتطرفة التي تتفوق على تطرف داعش بدرجات، وهو ما يفسر مطاردة التنظيم له وسجنه ثلاث مرات وتهديده بالقتل، حسب تأكيد «م س» وهو شاب سوري من «التيار الحازمي» هرب في وقت سابق إلى تركيا، وقال لـ«الوطن» إن «جاك ليتس صديقي المقرب وكنا معاً، عشتُ معه أسابيع طويلة وأعرف عنه الكثير، وأسأل اللـه أن يفك أسره، وهو خرج هارباً بعد أن ضاقت به السبل وسلك طريقاً خطيراً عند الأكراد وتم اعتقاله من قبلهم»، وأضاف «أنا استطعت الخروج لأني سوري ولم أستطع اصطحابه».
جاءت إشارة «م س» إلى قصة البريطاني جاك ليتس في إطار استدلاله على تزايد أعداد «الحازميين» الراغبين في الفرار من مناطق داعش بعد أن استجدت بعض الأمور أهمها أمران اثنان: الأول تبنّي «التيار الحازمي» فتوى فقهية لا تجيز القتال إلى جانب التنظيم ضد أي خصم من خصومه سواء كان هذا الخصم رافضياً أو صليبياً أو غير ذلك، وهو ما دفع أتباع هذا التيار إلى رمي البندقية والبحث عن طريق للهروب لكيلا يأثموا جراء القتال في صفوف داعش الكفار. والثاني اشتداد حملة داعش ضد أتباع هذا التيار وسعيه إلى التضييق عليهم ومحاصرة مناطق وجودهم لمنعهم من القيام بأي عمل ضده أو على الأقل لإجبارهم على القتال إلى جانبه في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها في الموصل والرقة.
وأكد «م س» أن هناك العشرات ممن يتواصل معهم يحاولون إيجاد طريقة مناسبة للهروب من مناطق داعش، مشيراً إلى أن لديه اطلاعاً شخصياً على أن أعداد الهاربين من «الحازميين» بلغ حتى الآن ما يقارب 500 شخص، ولفت إلى أن أغلبية عمليات الفرار الناجحة تكون من خلال إجراء صفقات مع «قوات سورية الديمقراطية- قسد» تتضمن دفع مبالغ طائلة لهم تقدر بحوالي عشرة آلاف دولار للشخص الواحد من أجل السماح له بالوصول إلى الأراضي التركية.
وعلى الرغم من أن جاك ليتس برر هروبه من سجن داعش بأن الحراسة عليه كانت ضعيفة، حسب ما ورد في تقرير الـ«بي بي سي» آنف الذكر، إلا أن هناك معطيات متزايدة بدأت تشير إلى وجود مساعٍ دولية سرية وغير مباشرة، تهدف إلى تقوية «التيار الحازمي» وتأمين طرق هروب لأتباعه إلى خارج مناطق سيطرة التنظيم، من دون أن تتضح الأهداف الحقيقية لمنح أتباع التيار هذه التسهيلات، وإن كان أحد هذه الأهداف هو استخدامهم في هذه المرحلة من أجل الضغط على داعش وتفكيكه على أن يكون لهم أدوار أخرى في مراحل قادمة.
وفي هذا السياق كان من اللافت أن أحد أبرز قادة «التيار الحازمي» وهو أبو معاذ العاصمي، جزائري الجنسية، تمكن، أواخر العام الماضي، من الهرب من السجن الذي وضعه فيه داعش إثر استهداف السجن بغارة جوية من طائرة للتحالف الدولي، حسب ما كتب هو على حسابه على «تويتر» في سرده لقصة فراره حيث قال: «وشاء اللـه أن يكون الخروج عن طريق الطيران الأميركي بسبعة صواريخ فقط أرانا اللـه آياته»، علماً أن السجن الذي كان فيه العاصمي هو «النقطة 11» أو «الملعب الأسود» الذي يعتبر من أهم وأخطر سجون داعش وأشدها حراسة في معقل التنظيم في الرقة.
وفي إشارة على مدى خطورة الرجل كان تنظيم داعش عبر «اللجنة المفوضة» قد أصدر تعميماً إلى جميع الولايات التابعة له للتحذير من أبي معاذ العاصمي واسمه الحقيقي محمد يحيى قرطاس، وتضمن التعميم توجيهاً حازماً إلى «جنود الدولة الإسلامية باعتقاله أو قتله أينما ظفروا به لأنه يحمل منهج الغلاة الخوارج» وهو تعبير يستخدمه داعش للدلالة على أتباع «التيار الحازمي».
يضاف إلى ما سبق ما أشرنا إليه من تساهل «قسد» الواضح في التعامل مع الهاربين من أتباع هذا التيار والسماح لهم بالعبور إلى داخل الحدود التركية بأمان لقاء مبلغ مالي، وسط صمت مطبق ومستغرب من الولايات المتحدة الداعمة لـ«قسد».
وبات مثار تساؤلات أن المملكة السعودية التي أقدمت عام 2016 على إعدام عدد من كبار قادة الإرهاب حسب توصيفها من بينهم قيادات في تنظيم «القاعدة» مثل فارس الـشويل، قد أبقت على حياة الشيخ أحمد بن عمر الحازمي المعتقل في سجونها منذ أواخر عام 2014 ويعتبر الأب الروحي لـ«التيار الحازمي» المشهور بأنه أكثر تطرفاً وتشدداً من جميع القيادات التي أعدمتها.
وأشارت «الوطن» في تقرير منشور الأحد إلى أن الرياض لعبت على ما يبدو دوراً كبيراً من خلال ولي عهدها محمد بن نايف في تأسيس «التيار الحازمي» من خلال اعتقال الشيخ أحمد بن عمر الحازمي وعقد صفقة معه تمكنه من وضع أفكاره المتشددة موضع التطبيق على أن يكون تنظيم داعش حصراً هو ميدان هذه التجربة وليس أي تنظيم آخر، وتكون الفائدة التي تحصل عليها أجهزة الاستخبارات هي مراقبة وتوجيه تأثيرات هذه التجربة على بنية تنظيم داعش وإمكان تفكيكها بالكامل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن