ثقافة وفن

ما من جهة تحاسب على الأخطاء…سمير حسين لـ«الوطن»: مسؤوليّة الفنّ اليوم أكبر فنحن نعيش حالة تستهدف هويّتنا وانتماءنا

عامر فؤاد عامر : 

جاء خطّه المهني بين كفتي التمثيل والإخراج ففي رصيده خمسة أعمال تمثيليّة، واثنا عشر عملاً إخراجيّاً في الدراما التلفزيونيّة، وهكذا عرفه الجمهور في أعمال حملت بصمة إخراجيّة التصقت باسمه أكثر ومنها «زمان الصمت»، و«ما وراء الشمس»، و«دليلة والزيبق»، و»قاع المدينة»، و«ليل ورجال»، و«حائرات»، ومؤخراً «بانتظار الياسمين» الذي تعرضه ثماني فضائيات عربيّة، وهو من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق، سافر إلى المملكة المتحدة ونال شهادة الدكتواره في الإخراج التلفزيوني والسينمائي، واليوم يقع على عاتق المخرج «سمير حسين» استمراره في تقديم نموذج راق عن الدراما السوريّة، إضافة لحلمه السينمائي، وبين هذه الهموم وغيرها وفي الحديث عن مسلسلات الدراما السوريّة وما يُحسب عليها كان حوارنا لـ«الوطن».

تقديم الفكرة بالتوازي مع الصورة فلا شيء منهما يطغى على الآخر، هذه معادلتك في الإخراج فهل تعدّها ميزة؟ وهل تتشابه فيها مع مخرجين آخرين؟
دائماً يراهن الواحد منا على الحالة النوعيّة من المتفرجين، أثناء صناعة العمل، فالأغلبية من الجمهور تتمتع بذائقة بصريّة ومعرفيّة ليست بالمستوى المطلوب – مع الأسف – فشريحة كبيرة من المتفرجين يذهبون نحو الحكاية بغض النظر كيف يقدّم العمل معرفيّاً وفكريّاً، أو من ناحية شكل العمل الذي يحكم مضمون المادّة، لكن هناك شريحة لا بأس فيها قادرة على التقدير، وتمييز العمل الجيّد عن غيره، وهي تعنيني كثيراً، والآن نحن نعيش ظروفاً استثنائيّة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأعتقد أن واجب الفنّ ومسؤوليّته اليوم أصبح أكبر بمئات المرات، لأنّنا نعيش حالة خاصّة جداً، تستهدف هويّتنا، وانتماءنا، وثقافة مجتمعنا، والكثير من الأساسيات التي تشكّل مجتمعاً صحياً، وللأسف الشديد بدأ كلّ ذلك يتداعى اليوم، وتأتي مسؤوليّة الفنّ في جميع عناصره وتجليّاته للارتقاء بمستوى الحدث والمسؤوليّة، وفيما يتعلق بي كـ(سمير حسين) من بداية تجربتي في مسلسل «أمهات» وإلى اليوم، كنت حريصاً جداً على تقديم موضوعات مهمّة، وبشكلٍ راقٍ ومحترم، ويختلف الشكل والمضمون باتجاه تجربتي المتعلقة بي، فحتى خلال السنوات الماضية جاءت المواضيع الاجتماعية التي قدّمتها مما يحدّث من حولنا.
باعتقادي التميّز يعود للموهبة التي يجب أن تتوج بتحصيل أكاديمي ثقافي علمي فالموهبة وحدها لا تكفي، وأيضاً الشيء المعرفي والثقافي لا يمكن أن يكفي بل يجب توافر الموهبة فهما معادلتان مهمتان، فبالإضافة لكونه فنّاً فهو علم. اليوم ضمن جو الفوضى أصبح لدينا مفرزات دخلت على الصناعة التي يفترض أن تحمل مجموعة من القيم المعرفية والفكرية والفنية والترفيه، فما حصل بناء على سنوات ما قبل الأزمة، فرزت مجموعة من الزعران والبلطجية على هذه المهنة، لكن هذا العام بالتحديد كانت الأمور أخف فتحية للرقابة فهناك مجموعة من الأعمال المسفة تمّ رفضها شكلاً ومضموناً، فالرقابة لعبت دوراً إيجابياً، لكن مازالت مجموعة من الأعمال المسفة تُعرض.
فهذه المهنة لا تحتمل صنايعيّة هدفهم كسب رزمة من المال، على حساب تشويه القيم الاجتماعية، وهذه الأعمال يجب أن تقف المؤسسات بصرامة تجاهها، حتى لو اشتغلنا عملين أو ثلاثة طوال العام، أما بحجة أن يشتغل الجميع فذلك يعني أن نفتح الباب لفوضى إنتاج مسلسلات دون المستوى، وهذا سيزيد من حجم العطالة والتخريب لمجتمعنا وهو أخطر بمرات كثيرة، فهل من الممكن أن ننتج عملاً ذا قيمة بمليوني ليرة سورية وأقل من ذلك؟!
الحامل البصري يشكل حالة ضرورية في اللوحة الدرامية الحالية، فإبهار المشاهد أصبح حرفة ودراسة، فأين أنت من ذلك اليوم؟
الموضوع بحاجة لبحث طويل، ففي الفترة الأخيرة، وبعد موجة التركي المدبلج، والإمكانيّات الهائلة التي تخدم هذه الصناعة التي تشكل رديفاً قوياً في دخل البلد كما في تركيا، ازداد انتباهنا لهذا الموضوع الدقيق والحسّاس، ولكن في الوطن العربي يغيب المستوى التقني العالي حتى اليوم، بالتالي المتلقي العربي يلعب دور المتأثر غالباً، ولكن البعض استفاد من التجربة لتقديم صورة مهمّة، لكن في هجرة الفنان السوري تم الاستفادة من وجوده خارجاً لخدمة أعمال ترويجيّة سياحيّة تقدم 90% من إنتاجها حياة الترف، والغنى، ومع استقدام بعض التقنيات الحديثة تمّ تقديم صورة شكلانية فارغة المضمون، فكانت كما الأعمال التركيّة، تفتقر للقيمة الأخلاقيّة فلا تتناسب مع مجتمعنا.
هذا العام صُنعت أعمال لإهانة الفقير وضحايا الحرب لاستباحتهم وتمريغ أنوفهم في التراب، فعندما نرى هذه الأعمال نجد شخصيّاتها ترتدي أغلى الثياب، وتركب أفخر السيارات، والمزيد من المظاهر، والفساتين، وعارضات الأزياء، بالتالي تقديم حشوة في مادّة تثير غريزة المتفرج، وعندما يرى المشاهد العربي هذه المشاهد سيكون هناك كميّة كبيرة من الإحباط واليأس أو تحريض المشاهد بطريقة سلبية، وعموماً تقديم الصورة يمكن أن يكون في فيديو كليب، أو دعاية، ولكن في مسلسل؟! فهذا يثير الشكّ خاصّة أنه لا يحمل مضموناً أو حالة تنويريّة بل قصة مأخوذة من فيلم أجنبي.
الآن بعض الأسماء المهمة في الإخراج بدأت تقدّم أعمالها في لبنان بنجوم سوريين، وكادر فنّي سوري، جاءت نهايتها أعمال مغلّفة بسلفان ومن الداخل تحمل العفن، والمراهنة الارتقاء لمسؤولية اللحظة وتقديم شيء إنساني مما يحدث، ولتكن الحرب حاملاً زمنياً فقط، وليكن البيت الداخلي هو حكايتنا، فلماذا هناك عشرة أعمال بيئة شامية في هذا العام ولماذا هناك أعمال اجتماعية تتحدث عن سنوات ما قبل الأزمة فعلى الأقل يمكن معالجة الكثير من الأمور دون هروب ومن يقول بأن العمل لا يوزع فهذا كذب.
ما خصوصيّة «بانتظار الياسمين» واختلافه عن مسلسلاتٍ سابقة قمت بإخراجها؟
هناك سنة كاملة من صناعة هذا العمل؛ فالموضوع الذي يعالجه « بانتظار الياسمين « هو موضوع حسّاس جداً، وما يحصل في سورية مهمّ جداً، وحتى نصل هذه اللحظة يجب أن يكون لدينا ارتقاء حقيقي في الخطوة لنقارب جلال هذه اللحظة، فـ 90% من الأسر السوريّة تأثروا بطريقةٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، وبالتالي علينا احترام هذه الأسر، وأنّ نحترم صدمة ما حدث، والنصّ أخذ وقتاً طويلاً حتى أُنجز، والعمل يتصدّى بكلّ شجاعة لما حدث مع هذه الأسر في موضوعاتٍ راهنةٍ، أمّا الوصول إلى الشكل والقيمة الفنيّة فكان بمنتهى المسؤوليّة، والدراسة الشديدة للصورة التي سيظهر بها العمل، فنحن أمام حالة واقعيّة، والتركيبة المشهديّة لمسلسل «بانتظار الياسمين» هي لصيقة باللحظة، ولما رأيناه في العين، وما شاهدناه عبر هذه السنوات الأخيرة، في لحظةٍ من اللحظات، فالشخصيّات في المسلسل هي ابنة هذه المرحلة، وهذا الواقع الحقيقي، بمعنى من المعاني: هو مقاربة وثائقيّة دراميّة، من حيث الشكل للحدث والشخوص، بالتالي استلهمنا من الواقع وأعدنا صياغته، فالواقعيّة سوريّة بالمطلق، وأقول: هو مشهد سوري، حقيقي، وثائقي، كلّفني كثيراً من الوقت، والجهد.
كيف ترى الأعمال السوريّة في موسمها الجديد؟
بالعموم فيها تحسن بسيط عن العام الفائت فقط، لكن يمكن الإشادة إلى نقطة مهمّة حدثت هذا العام من حيث رفض مجموعة من الأعمال المُسفّة والسطحية والتي تدعو لتدني مستوى الدراما السوريّة وتسيء للإنتاج الدرامي، على الرغم من إنتاج قسم منها هذا العام لكن بالمقارنة مع العام الفائت وما قبله يبدو أن نسبتها انحصرت وقلّت وهذا شيء إيجابي. أشجّع على الحد من ذلك ووضع قوانين صارمة لحماية البلد وثقافته وحماية الجيل، فلا يجوز أن نخرب مستقبلنا بأيدينا.
موضوع الأعمال المقتبسة عن الرواية هي بشكل أو بآخر تشبه ما سقطت به الأعمال المقتبسة عن فيلم أجنبي من حيث مشكلة في الشكل، والقصور، والأزياء، وضرورة وجوده في المرحلة الحاليّة، وأحد العرابين هش للغاية واحد منهما فيه إمكانيات أكبر لكنه لا يشبهنا، والفيلم الأجنبي يعدّ من أهم الأفلام في تاريخ السينما العالميّة، وكانت تمر هناك سنوات كثيرة ليتم تصوير جزء جديد منه، والمسألة ليست فقط استعراضاً في الماديات فهذا استخفاف في ذهنية المتلقي، وعموماً جاء المسلسل يشبه الفيلم ولا يشبه الرواية الأصلية،. أهالي هذه الصنعة في هوليوود لا يجرؤون على إنتاج فيلم العراب في مسلسل بـ30 ساعة فيديو بل نحن نعلن إنتاج جزء ثان وثالث، العراب كفيلم يتحدث عن عائلات إيطالية هاجرت إلى أميركا وتأثيرات هذه العائلات في كل مستويات الحياة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في الولايات المتحدة الأميركية منذ بداية العشرينيات في القرن المنصرم، فالموضوع لا يخصنا وهل نحن قاصرون على ابتكار مواضيع تهمنا وتخص مجتمعنا؟!.
ما زالت المسلسلات الشاميّة تقدّم بطريقة تسلخنا من واقعنا وأصالتنا لا هدف منها ومنذ عشرات السنوات تقدم ودون هدف منها إلا التشويه وضرب عاداتنا وتقاليدنا ووجود هذه الأعمال يكرس السلبية. الشامي بكاء على الأطلال لتاريخ نجهله والمراهنة على شريحة جاهلة لم تطلع على التاريخ الحقيقي، وبالتالي التأثير الحقيقي لهذه الأعمال في المتلقي سلبي جداً فالمُستقبِل يأخذ المعلومة مباشرة ويتأثر بها.
الدراما اللبنانية تستقدم المخرج، والكاتب، والفنان، والكادر الفني من سورية، وتعمل على تعويم الدراما السورية على مقاس الدراما اللبنانية أي سلفان خارجي وعفن داخلي، هناك فكر محدود ضمن اقتباس من تجربة الآخرين، كما كانوا يفعلون في برامج أجنبية يتمّ استقدامها من الغرب، واليوم يتجهون في الدراما لنفس الطريقة، وبالتالي هم لا يبتكرون، بل يقتبسون، ويقلدون فقط، والدراما تذهب في نفس الاتجاه.
المطلوب أن تحمي مؤسسات الدولة الأعمال الدراميّة السوريّة، وعلى سبيل المثال منذ العام الماضي، مؤسسة الإنتاج التلفزيوني التي أُسست للارتقاء بالإنتاج، هل تنهض بمستوى الدراما يا ترى؟ هل هناك اختراق خطر للمال العام تتم استباحته ودون أدنى مسؤولية أين المحاسبة؟ ولنكن شجّعان، فهناك أولويات، وحجم الدمار والخراب الذي تقدّمه هذه المسلسلات، يوازي خطورة ما تقدمه الجماعات المسلحة، ويجب أن تكون هناك محاسبة.
درست السينما والإخراج السينمائي، لكن أين مشروعك السينمائي؟
هناك جهد مهم للمؤسسة العامة للسينما، من خلال ما تقدّمه من أعمال، ومنها مشروع دعم سينما الشباب، والأفلام التي أنتجت والتي تحاكي جانباً من واقعنا تستحق التقدير والاهتمام، ولا بدّ من ذكر «محمد الأحمد» واهتمامه في الجانب السينمائي فهو ذاكرة سينمائيّة مهمّة، وهو ناقد مهمّ، وهو على دراية في موقعه، وفي تنشيط المؤسسة باتجاه الواقعيّة السوريّة، فهناك إنتاج جيّد، ومبشّر، وأنا من يقع عليّ اللوم هنا، فقد دُعيت عبر سنوات من المؤسسة، ومديرها «محمد الأحمد» لتقديم تجربتي السينمائيّة، لكن حالة الأمان الماديّة أفتقدها، فظروفي هي من تحكمني، وأتمنى أن تكون أيامي القادمة أفضل حتى أتمكن من تقديم مشروعي السينمائي، فظرفي المالي لم يسمح لي القيام بهذه الخطوة إلى اليوم، وهذا شيء مخجل، فما أحققه في العمل التلفزيوني يحقق لي ستة إلى سبعة أضعاف العمل السينمائي، وهناك كثير من الالتزامات المطلوبة مني تراكمت عليّ عبر سنوات الأزمة، وهي مسؤوليّات باتت معروفة للناس القريبة مني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن