عواء الذئاب
| بسام أبو عبد الله
لا نسمع الآن في المنطقة سوى «عواء الذئاب»، القطري يتهم السعودي بالتآمر للإطاحة بنظام آل ثاني، والسعودي يتهم القطري بالتآمر للإطاحة بنظام آل سعود، وزعزعة استقرار المملكة، والإمارات العربية المتحدة تتهم قطر بالعمل لتقويض استقرارها، وهكذا دواليك الكل يتآمر على الكل حتى لا تكاد تميز مَنْ مِنَ الذئاب يعوي أكثر.
يكتب إبراهيم قره غول في صحيفة «يني شفق» الناطقة بلسان الحزب الحاكم في تركيا مقالاً يسأل فيه عن العلاقة بين أزمة قطر، ومحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016 التي استهدفت الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويتهم «قره غول» ولي عند أبو ظبي محمد بن زايد بتمويل محاولة الانقلاب القذرة عبر رجل الأعمال (محمد دحلان) الذي يصفه بأنه رجل الموساد والسي آي إيه، وبأن الإمارات حولت (3) مليارات دولار لجماعة فتح الله غولن لتنفيذ الانقلاب، ويؤكد مسؤولية الإمارات عن هذه المحاولة وحق الأتراك في الملاحقة القانونية لممولي، وداعمي الانقلاب.
يقول (قره غول) إن محاولة انقلاب تموز 2016 جرت بالتعاون بين الإمارات، والمخابرات المصرية، والإسرائيلية، وإن هذه الأطراف تخطط لاستهداف تركيا بعمليات إرهابية عبر تنظيم داعش الإرهابي، ويحملهم منذ الآن المسؤولية الكاملة عن أي عمليات قذرة من هذا النوع ستتم داخل المدن التركية.
من يتابع وسائل إعلام دول العدوان على سورية، يقرأ العجب العجاب، ويطرح أسئلة على هؤلاء الذين كانوا معاً- حسب حمد بن جاسم- في غرفة عمليات واحدة في شمال سورية وجنوبها يتآمرون معاً عليها، وعلى محور المقاومة ويسعون معاً بالتعاون مع الإسرائيلي لتدميرها، وإنهاء دورها المحوري على صعيد المنطقة، وقضاياها المركزية، واللافت للانتباه أن الإسرائيلي تجده يتآمر مع قطر ضد السعودية والإمارات، وتجده يتآمر مع الإمارات والسعودية ضد قطر وتركيا، وتجده يدعم البرزاني في مشروع تقسيم العراق والانفصال، وتجده يدعم الجماعات الإرهابية المسلحة في سورية، فهو الجوكر الذي يستخدم الجميع لتحقيق مصالحه ومصالحه فقط من دون أن يعنيه أبداً من يتآمر على من! لا بل يساعد كل طرف ضد الآخر على مبدأ «فرق تسد» الشهير.
المستفيد الوحيد الآن مما جرى، ويجري في المنطقة هو الكيان الإسرائيلي الذي يُظهر الآن سعيه الحثيث لتهويد القدس، وتدمير الأقصى، وتصفية قضية فلسطين التي يرى فيها ذئاب المنطقة عبئاً عليهم لابد من التخلص منه بأي طريقة كي تصفو الأجواء لهم من أجل مواجهة أعداء وهميين جدد، والاستمرار في معارك طواحين الهواء، والتآمر على بعضهم البعض.
الطريف في الأمر أنه في الوقت الذي يتعرض فيه الأقصى لهذا الانتهاك الإسرائيلي، فإن خادم الحرمين الشريفين أخرس- أبكم والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بزعامة يوسف القرضاوي أخرس- أبكم لأنه منشغل بمواجهة الهجمة السعودية العدوانية التي تريد المساس باستقلال قطر وقرارها الوطني المستقل وسياستها الخارجية ذات الأبعاد الإقليمية- الدولية، وأما تنظيمات المتأسلمين في سورية فهي الأخرى منشغلة في كيفية مواجهة بعضهم بعضاً، وتصفية نهج بعضها البعض، واجتهادات علمائها الكبار في الفيزياء، والكيمياء، والرياضيات المتقدمة في عالم الجماعات المتأسلمة شكلاً والمتأسرلة مضموناً.
ما من شك أن المنطقة تمر في مرحلة حساسة للغاية تنتقل فيها شعوب المنطقة من كارثة إلى أخرى، ومن معارك وهمية إلى أخرى، فاستعراض بسيط تحت المجهر يكشف لنا حجم الأزمات العميقة التي تواجهنا، وأولها سعي قوى العدوان للسطيرة، والهيمنة على الإسلام، وكأنه متاع شخصي لهذا الحاكم العربي، أو ذاك، ولهذا النظام السياسي، أو ذاك، فالسعودية تريد إخفاء جرائمها، وعهرها في المنطقة تحت ستار الإسلام، وتريد من رعاياها أن يصمتوا على الظلم الاجتماعي- الاقتصادي باسم الإسلام، وتريد تدمير اليمن تحت شعار أن هؤلاء خارجون عن الدين، والملة، وتواجه قطر تحت عنوان أن آل ثاني ليسوا من أحفاد الوهابيين، وأن تركيا ليست مرجعية إسلامية كحال الرياض، وأن المطلوب من المسلمين جميعاً الركوع أمام نتنياهو فقط لأن من يسمى خادم الحرمين الشريفين يرى في ذلك سياسة حكيمة، أو أن رؤية (محمد بن سلمان) لعام 2030 هي رؤية بمنظار إسلامي بحت، وهكذا دواليك.
أما مرجعية المسلمين العثمانية في استانبول فكما أسلفت في بداية المقال فهي تستعد لعمليات إرهابية تستهدف أمنها، واستقرارها تخطط لها الإمارات، وقد تكون السعودية، وهي دول عربية- إسلامية، والحقيقة أن الصراع القائم الآن هو بين المحور الإخواني (القطري- التركي)، والمحور الوهابي على زعامة العالم الإسلامي المنهك بالحروب، والمدمر، والبعيد عن التنمية، والتقدم العلمي- الثقافي الذي هو معيار التقدم والبقاء في العالم اليوم.
لكن السؤال الأهم من كل ذلك يبقى لهؤلاء: هل عراكم صمود السوريين، وصبرهم، ودماء شهدائهم، وآهات جرحاهم، وهل أسقطتكم سورية في شر أوهامكم، وتضخمكم كجرذان المختبرات من دون أن يكون لديكم هدف سوى التآمر- التآمر!
ما من شك أن المنطقة تصدح بعواء الذئاب القطرية، السعودية، التركية، الإماراتية، والأهم الإسرائيلية، عواء يشي بانتهاء مرحلة، والدخول في مرحلة جديدة عنوانها «انتصار سورية» التاريخي مع حلفائها، هذا الانتصار الذي سيبعث أمامنا تحديات جمة تعادل حجم التحديات التي واجهناها في زمن العدوان، وهذه التحديات القادمة تحتاج بالتأكيد إلى الرجال- الرجال المؤمنين- الصادقين، ذوي الأخلاق العالية، والمتفانين في خدمة شعبهم، وأمتهم، ولكنها لا تحتاج أبداً إلى أشباه الرجال، والمنافقين، فالعبرة ستكون بالإنجاز، والعمل والإبداع، والتفوق، وليس بالكلمات المنمقة، والخطابات الرنانة، فالزمن القادم زمن العمل في الداخل الذي يشكل عماد أي سياسة خارجية جديدة تأخذ بالاعتبار كل هذه المتغيرات، والتبدلات، فالأساس هو الداخل ثم الداخل لأنه كما قال الرئيس الأسد: (لو كان بيتنا الداخلي صلباً، وقوياً- متماسكاً لا يضرب الفساد، والخيانة بعض زواياه، لما وصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن).
وعندما نبدأ بسماع عواء ذئاب الداخل فسوف ندرك أننا نسير في الاتجاه الصحيح، إنه زمن عواء الذئاب.