ثقافة وفن

الأطفال العباقرة… ثروة ثقافية فكرية موروثة أم مكتسبة؟

ديالا غنطوس : 

كم هي مبدعة الطفولة في براءتها، صفاء روحها، نقاء وجهها، في كل التفاصيل ترى إلهاً يطل من عيني طفل صغير، بكل الوداعة والحب والطهر اللامتناهي، بكل السماحة وروعة الابتسامة، جميلة هي الطفولة برائحتها التي تنسرب إلى روحنا كلما عانقنا فلذات أكبادنا، عبقرية هي الطفولة في أسئلتها المذهلة، والتي نحار أمامها أحياناً كثيرة، فلا نملك إجابة لها، ونقف عاجزين أمامهم وأمام نبوغ مقنع بوجه طفولي.
قد يتبادر إلى أذهاننا أن العبقرية رهن بمدى الاهتمام الأسري والمجتمعي والاقتصادي، هي عوامل لابد مهمة للغاية لرعاية العبقرية، لكن ليس لخلقها، فالطفل الخارق موهبة صافية تزداد تألقاً بالرعاية والتشجيع، قد تضمر أحياناً بالإهمال وقد تزداد عنفواناً ورغبة في الانطلاق أحياناً أخرى، ويشهد التاريخ على العديد من حالات الطفولة العبقرية والخارقة، التي أذهلت العالم بقدراتها التي لم يسبق أن شهد العالم مثيلاً لها.
معظمنا في طفولتنا لم نكترث لأمور معقدة لم تكن لتخطر في بالنا، كانت اهتماماتنا تنحصر باكتشاف أنواع الطعام، نتفحص ألعابنا ونفككها، نتباهى بما لدينا من ثياب، نتلقن ما أتيح لنا من معلومات بدائية كان معظمها متأخراً عن قدراتنا العقلية المتقدمة التي لم نملك أي وسيلة للإفصاح عنها وإظهارها، في حين كان هناك أطفال آخرون في مكان آخر من العالم يماثلوننا في العمر يخوضون في مجالات معقدة ويتعلمون لغات وعلوماً مكثفة بوسائل لم نسمع عنها قط، يحققون ما عجز بعض العلماء عن تحقيقه، هذا ما يدفعنا لطرح سؤال جدلي، هل العبقرية تنتج عن نظام وأساليبلتعليم محددة، أم إن الطفل يمتلك جينات خاصة تميزه وتمكنه من التفوق في سن مبكرة؟
قامت مجلة Business Insider الأميركية بنشر قائمة تضم أذكى وأصغر 16 طفلاً على مر التاريخ، واعتمد التقييم على مقارنة معدل ذكاء كل طفل «IQ» مع عمره. تلك القائمة ضمت أسماء معروفة مثل الفنان التشكيلي الإسباني بيكاسو الذي برزت مواهبه منذ الصغر برسمه لوحات معقدة، وبوصوله لسن الـ15 تم عرض أولى لوحاته الزيتية الكبيرة «المناولة الأولى»، كما ورد اسم المؤلف الموسيقي النمساوي موزارت الذي عزف «البيان القيثاري» عند بلوغه 3 سنوات، وكتب أول تأليف موسيقي له وهو في السادسة، في حين كانت الفتاة البريطانية سافرون بليدجر أصغر من بالقائمة وهي في الثالثة من عمرها وبلغ معدل ذكائها 140 نقطة، أي أعلى بأربعين نقطة من متوسط معدل ذكاء الأميركيين، متقدمة بثلاث نقاط على معدل ذكاء الرئيس الأميركي بل كلينتون.
وأثناء بحثنا نطالع حالات خارقة يقف العقل أمامها مشدوهاً لما امتلكه هؤلاء الأطفال من عبقرية في سني عمرهم المبكرة، كان منهم الطفل الهندي أكري جاسوال Akrit Jaswal الذي ولد عام 1993، فقد أصبح طبيباً جراحاً حين كان يبلغ من العمر 7 سنوات، وسجل معدل ذكائه 146 نقطة، تمكن جاسوال من الكلام حين بلغ عشرة أشهر من العمر، وبعدها بسنتين تمكن من الكتابة والقراءة، في سن الثانية عشرة جرى قبوله في جامعة Chandrigarh ليكون أصغر الطلاب المقبولين في جامعات الهند، وفي العام ذاته ذهب إلى بريطانيا لحضور نقاش حول مرض السرطان الذي ادعى أنه وجد علاجاً له، لكن بعض العلماء شككوا بذلك مع الاعتراف بصوابية طرحه بشكل نظري، لكنهم قالوا إنه من السابق لأوانه تبني وتطبيق ذلك العلاج.
وفي حالة أخرى نجد العبقري كيم أنغيونغ Kim Ung-Yong الذي ولد عام 1962 في كوريا الجنوبية، وقد بدأ الكلام بعد أربعة أشهر من ولادته، وفي عمر السنتين كان يتقن أربع لغات الكورية، اليابانية، الإنكليزية والألمانية، وعندما بلغ من العمر 3 سنوات بدأ بحضور دروس الفيزياء في كلية هانيانغ الكورية، وفي الثامنة من عمره تلقى دعوة من وكالة ناسا وعلى نفقتها لإكمال دراسته في الولايات المتحدة الأميركية، لكنه ترك العمل مع ناسا في سن السادسة عشرة وقرر العودة إلى كوريا الجنوبية فنال هناك شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية، حقق كيم رقماً قياسياً في معدل الذكاء وصل إلى 210 نقاط، ما أدخله موسوعة غينيس كأذكى شخص عرفه العالم.
ومن تلك الحالات الفريدة كان مايكل كيرني Michael Kearny من جزر هاواي، الذي دخل موسوعة غينيس باعتباره أصغر شخص في العالم يحصل على شهادة جامعية، في عمر 10 سنوات حصل على أولى شهاداته الجامعية من كلية South Alabama، وتبعها بشهادة جامعية ثانية من جامعة فاندربيلت في السابعة عشرة من عمره، وقد جمع أربع شهادات جامعية في اختصاصات متنوعة ببلوغه سن الحادية والعشرين، بعدها بعام تمكن من الحصول على شهادة الدكتوراه في الكيمياء، ولاحقاً عام 2006 اشترك في مسابقة AOL’s Gold Rush وربح الجائزة الأولى مليون دولار. وأيضاً في حالة مشابهة نجد الأميركي جاكوب بارنيت Jacob Barnett الحائز جائزة نوبل للسلام، في سن الثامنة التحق بجامعة إنديانا، وأصبح لاحقاً أحد أهم العلماء في العالم، وتم تعيينه بروفسوراً في الجامعة حين بلغ سن 13، حيث كان معدل ذكائه 170 نقطة متفوقاً بذلك على العالم الشهير ألبرت آينشتاين، منذ التحاقه بالجامعة بدأ بارنيت بتعلم الفيزياء الفلكية المتقدمة وعمل على توسيع نظرية النسبية لآينشتاين، وعمل أيضاً على تحدي نظرية الانفجار الكوني الكبير.
ومن زاوية أخرى، نطالع قصة الطفل كارل وايت Karl Witte الذي حظي بنظام تعليم منزلي أحاطه به والده، فكانت جميع تفاصيل حياته جزءاً من عملية تعليمية اعتمدت على إثارة فضوله وخلق الرغبة لديه للتعلم منذ عامه الأول، بالتوازي مع تحقيق توازن بين حاجاته العاطفية ومتطلباته التعليمية، ونتيجة لذلك كان كارل يقرأ ويكتب لغته الألمانية من دون أخطاء وهو في سن الخامسة، وفي التاسعة من عمره كان يجيد اللغات الفرنسية، واليونانية، والإيطالية واللاتينية، وعندما بلغ 13 من عمره حصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة Giessen الألمانية، فدخل موسوعة غينيس كأصغر الحاصلين على شهادة دكتوراه في العالم، منذ مئة عام حتى يومنا هذا.
هناك رأيان متناقضان حول الأسلوب الأنجع لتعليم الأطفال، الأول يقول بوجوب تعليم الأطفال أكاديمياً بدءاً من سن السادسة أو السابعة، ويجزم بأن التعليم المبكر قبل هذا العمر يسبب ضرراً عاطفياً وعقلياً للطفل، في حين يعتبر الرأي الآخر أن توجيه اهتمامات الطفل نحو شيء معين وتعليمه إياه يجب أن يبدأ منذ الولادة، لأن مواهبه الإبداعية تبدأ بالتناقص أو تتلاشى بحلوله السادسة أو السابعة من العمر، وبكل الأحوال يبقى أسلوب التعامل مع الطفل من الأمور الدقيقة التي تستوجب الحذر، فقد يؤدي أي خلل تربوي أو تعليمي إلى نتائج عكسية لا تحمد عقباها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن