قضايا وآراء

وجه آخر للصراع

| عبد المنعم علي عيسى

من أهم الخلاصات التي يمكن التوصل إليها عبر متابعة فصول الأزمة الخليجية- القطرية، ودون حاجة إلى تمام تلك الفصول هي أن فائض المال المتراكم إذا ما كان يدار بلا عقلانية أو بعقول مريضة مصابة بأنواع شتى من الأمراض كداء البلاهة السياسية الذي يوحي للمصاب به بأنه هو – ولا أحد غيره – محور هذا العالم، أو داء أحلام اليقظة الذي يوحي لمريضه وكأن أحلامه الكبرى قد باتت واقعا ملموساً يراه في وضح النهار، ذلك المال يشكل في هذه الحالة خطورة وهي لا تقل عن الخطورة التي تشكلها أسلحة الدمار الشامل، فالمال عملياً هو اكبر مولدات القوة وهو وسيلة نافذة لإحداث منعطفات كبرى لأشخاص أو أحزاب أو دول عبر شراء الذمم أو التهديد بمأجورين قادرين على الإطاحة بالمتمنع عن القيام بالفعل كما ويفتح أبواباً للدخول في حروب ونزاعات تكون أما على ثروة معينة أو أنها تندلع بتحريض الخارج لبعض الشرائح على بعضها الآخر داخل المجتمع الواحد وجميع ما سبق له غاية وحيدة هي المال دون أن ترتبط بهذا الأخير أية اعتبارات أخرى.
لم يحقق المال الخليجي أكثر من حضارة تقوم على كتل إسمنتية عملاقة كان أن شيدت على الرمال لمحو عمق الصحراء وقساوتها من الذهنية الخليجية كما تم إعلاؤها لارتفاعات كانت قياسية وهي الأعلى في العالم في محاولة لكي يصيب القائمين بالفعل المزيد من الشهرة أو شد الأبصار في حين كانت منعكسات ذلك المال على البنى الاقتصادية والاجتماعية وكذا الثقافية محدودة أو هي شبه معدومة فلا يزال النظام القبلي العشائري هو صاحب السطوة الكبرى التي تحدد مضامين العقود الاجتماعية التي تسير عليها شعوب تلك البلدان كما لا تزال تلك المجتمعات تمثل الخزان البشري الثر والقادر على تفريخ الإرهاب والعنف وشتى أنواع التطرف ولربما توجد في الخليج ظاهرة غريبة من المهم الإشارة إليها هي أن درجة التحصيل العلمي لدى الفرد ليست هي المحدد لقناعاته أو رؤاه في مجمل المسائل والقضايا التي يعاصرها أما المحدد فهو هنا الـ(sustem) الخليط من كل ما سبق بينما الانفصال مابين الإثنين كان قد أدى إلى تعطيل دور الأول (التحصيل العلمي) أو انعكاساته في مسار الحياة الطبيعية الأمر الذي جعل من الأفراد في تلك المجتمعات أشبه بـ«قنابل موقوتة» يجري تفجيرها من الخارج أو هي تدار عبر ريمونت كونترول يحكم أدائها.
أظهرت المباريات الخليجية المحتدمة والتي تسعى فرقها عبر اذرعها الإعلامية إلى فضح فرق الخصوم الكثير مما كان خافيا فهؤلاء ينطبق عليهم قول «دافنينو سوى» ولربما تمكنت جزيرة قطر من أن تجعل وزارة السعادة الإماراتية كيانا هزليا يثير الاشمئزاز والسخرية قياسا إلى الممارسات التي تقوم بها السلطات الإماراتية والتي لا تختلف عن نظيرتها لدى أكثر الشعوب تخلفا في العالم، مع العلم أن الواقع الافتراضي الذي كان قد أدى إلى إنشاء تلك الوزارة كان يجب أن يقوم على حصول الفرد وتمتعه بكامل حقوقه ومزاياه التي يريدها أو يحلم بها ولذا فلابد حينها من إيجاد آلية تبحث في إمكان تقديم المزيد والمزيد، لكيلا يصبح الانتحار هو المسار الوحيد الذي تتيحه تلك الحالة أسوة بتجارب السويد أو سويسرا اللواتي تكثر فيها هذي الحالة الأخيرة ترفاً لا احتياجاً، كما تمكنت الأذرع الإعلامية لدول الحصار من توثيق دعم الدوحة للإرهاب الذي طال حتى الدائرة الضيقة في النظام القطري الذي يأمل كما يبدو في أن تكون ممارسة هذا الأخير (أي ممارسة الإرهاب) أو الجدوى المتأتية عنه هي أشبه بدور السيليكون الذي يستخدم في نفخ العديد من الأعضاء البشرية لإظهارها بشكل كبير يفوق بكثير حجمها الطبيعي.
مع تمدد وتشعب رياح «الربيع العربي» وطول أمدها اكتشف الأميركان (والغرب) أن هناك لدى كل طرف خليجي مجرى مالياً مستقلاً لا يقع تحت السيطرة ولا هو يمر من تحت أنظار العين الأمر الذي يشكل بالتأكيد مدعاة لقلق هؤلاء ولذا فإنهم باتوا يرون أن التحدي الأكبر في هذا السياق يكمن في إعادة ذلك المجرى إلى عمق النهر الأم وبمعنى آخر وضعه تحت السيطرة أو تحت الأضواء، الكاشفة حيث تشكل هذي الأخيرة معركة خفية يخوضها الأميركان سرا في الخليج في هذه الآونة وهم لا يضعون في اعتباراتهم احتمالات الفشل فيها حتى ولو اضطروا – في حال كهذه – إلى وضع أيديهم على جميع المجاري المالية الخليجية بدءا من المنبع بما يشبه الوصاية، والذرائع حينها ستكون حاضرة على الدوام إذا ما بات التوجه الأميركي الأخير يمثل خيارا وحيدا لا بديل عنه وهو إلى الآن ليس كذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن