الأولى

من نبيل «جنبلاط» إلى وليد «العربي»

فراس عزيز ديب : 

يوماً ما أقفل «رفيق الحريري» إحدى المجلات اللبنانية الشهيرة، لأن رئيس تحريرها قال: إن أي «خادمٍ» كان سيفيد «الحرمين» أكثر من «خادم الحرمين». سنستقي من هذه العبارة لنقول:
لا يمكن لخادمٍ أن يخدم امراء «آل سعود» كما يخدمهم اليوم «نبيل العربي».
في آذار الماضي، كان المسؤولون العرب ومن بينهم «نبيل العربي» منشغلين بالبحث في قواميس اللغة العربية عن الأسباب التي تسوّغ حرب «آل سعود» على الشعب اليمني الشقيق. لم يتركوا كذباً يُكذَب إلا واستخدموه، تاجروا حتى ببدعةِ أن الرئيس يبقى شرعياً ولو هرب إلى دولةٍ مجاورةٍ، ليتحول فيها إلى «زعيم جالية».
لكن لتصريحات «نبيل العربي» وقعٌ خاصٌ دائماً، لم يكن ينقصه إلا أن يركب طائرةً ويشارك في قصف اليمنيين الأبرياء، حتى يُثبت للجميع عدالة ما يقوم به «آل سعود». ولأن من يمارس التجارة بقول الحق الذي يُراد به الباطل لا بدّ أن يقعَ بشر أعماله، تمادى هذا «الأجِيّر» في تسوّيغ قتل الأبرياء بإقناع أعضاء جامعته يومها بأن «عاصفة الحزم» شرعيةٌ، لأنها تستند إلى معاهدة الدفاع العربية المشتركة.
عندما تم استئجار العربي كأمينٍ عامٍ لجامعة «طويلي العمر» العربية، كان إعلام البترودولار يقدمه بالإضافة لكونه وزير خارجيةٍ سابقاًٍ وخبيراًٍ قانونياً (تحديداً بما يتعلق باتفاقية كامب ديفيد) بأنه رجلٌ «مثقفٌٌ»، وتناسوا أن الصفة الأولى التي يحملها المثقف هي أن يكون حراً، وليس مجرد خادمٍ مطيعٍ يعمل بجهاز التحكم، يُقوَّل متى يشاؤوا وينسحب متى يأمروا، فهل يظن العربي ومشغلوه أن هذا الأمر غائبٌ عن أحد؟
على الطريقة الجنبلاطية، «لحسَ» نبيل العربي تصريحاته التي أطلقها من موسكو والتي اعتُبرت «تصالحية» مع القيادة السورية، تذرّع بأن الكلام أُسيء فهمه، ظن «نبيل العربي» أن انقلابه على تصريحاته كان مفاجئاً للسوريين.
لم يكن مفاجئاً للسوريين تراجع العربي عن تصريحاته، بل كنا سنُفاجأ لو أن نبيل العربي تمسك بموقفه، كنا سنُفاجأ لو أنه تحدث بما يُمليه عليه الضمير، لكن عن أي ضمير نتحدث؟ إذا كان أولياء نعمته لا يملكون قرارهم، فهل يظن بأي حالٍ من الأحوال أننا سنعتب على «مرتزقٍ» عند من لا يملك قراره؟ فما قصة التصريحات والتراجع عنها؟
تُشير المعلومات إلى أن «نبيل العربي» كان من حيث المبدأ جادّاً بتصريحاته، لأنها بالأساس هي مطلب مشغليه، وحسب التعليمات الأميركية المرتبطة بارتفاع وانخفاض أسهم الاتفاق النووي مع إيران، والاستفادة من حالة النزوع نحو حل المشكلات انطلاقاً من المبادرة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كانوا يريدون جس النبض السوري من خلال إطلاق تصريحات تدفعُ القيادة السورية والإعلام السوري إلى التهليل لهذه التصريحات، والبناء عليها، ثم الانسحاب منها. كان الأمر أشبه بـ«كمينٍ» لإيقاع القيادة السورية به، وإظهارها كمن ينتظر تلقف التصريحات ليثبتوا ضعفها.
كان رد فعل القيادة السورية على تلك التصريحات مدروساً بعناية فائقة، لدرجةٍ لم تُعرها أهمية لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، فبدا انسحاب العربي من تصريحاته لا معنى له، فإذا كانت القيادة السورية قد تجاهلتها عندما كانت في مصلحتها، فهي غير معنية عندما يقرر مُطلقها التراجع عنها.
بدا حال نبيل العربي مع تجاهل القيادة السورية لمجمل تصريحاته، أشبه بالطفل الصغير الذي يلعب لعبة المكعبات، يبني قصراً وعندما لا يجد من يعيره اهتماماً يحاول كسره، عساه يلفت النظر لمن حوله بأنه يجيد عملية الهدم كما يجيد البناء، لكن تبقى أحلام الطفولة محكومة بالبراءة، أما أحلام نبيل العربي فهي محكومة بما يُملى عليه. تحدّث بإيعاز وانسحب بإيعاز، كيف لا؟ والانسحاب هنا معناه حفظ ما تبقى لهم من ماء وجه «يظنون أنه تبقّى».
لم يكن مفاجئاً أن تراجع العربي عن تصريحاته جاء عبر منبر «سعودي»، ولم يكن مفاجئاً أن «المعارض السوري» الأول الذي استقبله العربي بعد الانسحاب من تصريحاته هو الذي قال يوماً: أتمنى أن يصبح شخص كـ«سعود الفيصل» رئيساً لسورية.
مات «سعود الفيصل»، ورحل قبله من رحل وحال «الغلمان» الذين اشتراهم يقول:
لن نتعظ أبداً بغيرنا، فمن خُلق ليزحف، فلن يطير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن