اقتصاد

وصفة «مداد» لنجاح التشاركية في سورية: إعادة النظر في دور الدولة ومسؤولياتها وكيفية إدارة شؤون الاقتصاد الوطني … توفير إطار سياسي وقانوني وضريبي وإداري عادل.. ومؤشر خاص بالتشاركية

| المحرر الاقتصادي

خلص بحث حول التشاركية يعمد مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» نشره، إلى ضرورة إعادة النظر في دور الدولة ومسؤولياتها، وكيفية إدارة شؤون الاقتصاد الوطني، وأنه بموجب القانون ونتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إليها سورية طوال مدّة سنوات الحرب، يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكاً في جميع المشروعات والقطاعات، ذلك بعد وضع مجموعة من المعايير التي يتم الركون إليها، في تحديد المشروع الذي يمكن تنفيذه على أساس تشاركي، على أن تكون هذه المعايير منبثقة من الأهداف التنموية والحاجات الاقتصادية والاجتماعية في سورية، وبما يضمن سلامة الأمن القومي للدولة.
البحث الذي حمل عنوان «مجالات تطبيق المشاريع التشاركية بين القطاعين العام والخاص وآفاقها في سورية» أعدته عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية د. رشا سيروب، بيّنت خلاله أنه لا يوجد نموذجٌ وحيدٌ ذو صيغة عقدية واحدة، يمكن نسخه وتطبيقه على القطاعات والمشروعات كلها، لذلك هناك صيغ مختلفة ومعقدة ومركبة للتشاركية، وينبغي قولبة مشروعات التشاركية، وأقلمة العقود والإبداع في استحداث آليات اقتصادية جديدة في التشاركية، وفقاً لطبيعة المشروع ومدّته ونوع الخدمة والعديد من العوامل التي تتغير مع الظروف. وقبل طرح أي مشروع على أساس تشاركي، يجب أن يكون قرار التشاركية واضحاً، وهو ما يمكن تحقيقه على مرحلتين: مرحلة الإعداد المبدئي للمشروع؛ ومرحلة إقرار المشروع.
وتوصل البحث (حصلت «الوطن» على نسخة منه) إلى صياغة مؤشر يتم استخدامه في المرحلة الأولى، مكوّنٍ من أربعة عناصر موضوعية قائمة على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لسورية: حجم رأس المال، القدرة على خلق فرص العمل، استقطاب وتوطين التكنولوجيا، الواقع المالي للمشروع، ويتمُّ بوساطة هذا المؤشّر تقييم جميع المشروعات التي تتطلبها عملية التنمية في سورية للمرحلة القادمة، وبناء عليها يمكن اتخاذ القرار بطرح المشروع على أساس تشاركي.
ومن النتائج التي توصل إليها البحث أن سورية ما زالت غير مهيأة لتطبيق التشاركية، إذ إنها لم تستكمل بعد القوانين والتشريعات التي ترافق عادة قانون التشاركية من قوانين مالية ومصرفية وتأمينية والمعالجة الضريبية والمحاسبية لمشروعات التشاركية، وعدم إحداث المؤسسات الضرورية لتيسير وإدارة المشروعات التشاركية، إضافة إلى عدم توافر الخبرة الكافية في التعامل مع هذه العقود، وعدم تهيئة البيئة الثقافية والعامة. إضافة إلى أنه يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكاً في جميع المشروعات التي تعود ملكيتها للقطاع العام، إذ فسح قانون التشاركية رقم /5/ المجال للقطاع الخاص للدخول ليس فقط إلى البنى التحتية والمرافق العامة؛ بل أيضاً إلى المشاريع التي تعود ملكيتها للقطاع العام.

توصيات «مداد»
اقترح البحث أن يعمل القطاعان العام والخاص بشكل تنافسي من دون تمييز بينهما، وذلك تحت إشراف الدولة، ويعدُّ معيار الكفاءة والفعالية المعيارَ الأساسَ والأفضل لمن يحق له تقديم السلع والخدمات التي تلبي طلب الأفراد والمجتمع بأفضل جودة وأقل سعر.
إضافة إلى تشكيل وحدة التشاركية في كل وزارة، على أن تتبع إدارياً للوزير المعني مباشرة وفنياً للوحدة المركزية للتشاركية التي يجب أن تُحدث في وزارة المالية، إذ تتألف كل وحدة من الكوادر الحقوقية والاقتصادية والمالية والإدارية والتقنّية وتكون مهمتها: اقتراح المشروعات، وتقديم دراسات الجدوى، وإعداد مقارن القطاع العام، والتصور المرجعي لأي مشروع.
ولحظت الدراسة في توصياتها تدريب وتأهيل الكوادر البشرية في الدولة وفي القطاع العام، لتصبح قادرة على إدارة عقود التشاركية، بما يضمن صياغة العقود، وحسن تنفيذها ومراقبة جودة الخدمة، وبالتالي ضمان تحقيق الغاية التي أنشئ العقد من أجلها.
ونصح البحث بدخول القطاع الخاص إلى تقديم أي خدمة عامة، ذلك عندما تكون هذه الخدمة بحاجة إلى تمويل كبير، وتكون أيضاً متطورة تكنولوجيّاً وقابلة لفرض الرسوم (يمكن قياسها) وتنفذ على نطاق محلي.
إضافة إلى إعداد مؤشر تفصيلي موسع من الدولة، إذ يتضمن أهم الأهداف التنموية العامة للدولة والتي بناء عليها يمكن اتخاذ قرار طرح المشروع على أساس تشاركي، وفق أسس موضوعية قائمة على تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لسورية.

شروط نجاح التشاركية في سورية
حدّدت الدراسة مجموعة من الشروط المطلوبة لنجاح التشاركية في سورية، تتلخص بضرورة توافر إطار سياسي وقانوني وضريبي وإداري عادل وواضح، يحكم مشروعات التشاركية، ويؤطِّرها في شكل يحدد أهدافها وضوابطها، وينظم شكل العلاقة، ويؤكد أهمية تحقيق الهدف المنشود وهو تنشيط الاقتصاد وتخفيف العبء المالي على الموازنة الحكومية والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، كما يجب أن يوضح التشريع المنظم لهذا الإطار أسس حل المشكلات والمنازعات التي قد تنشأ بين الأطراف الداخلة في التشاركية، ويفترض ذلك ترابط وتنسيق جميع التشريعات والسياسات ذات العلاقة بمشروعات التشاركية لدى جميع المستويات العليا للحكومة، وأن تكون منسجمة ومتوافقة مع خطة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، وأن تكون واضحة أيضاً عند المستويات الأدنى للحكومة (الإداريون، الموظفون، التقنيون، الماليون…) من أجل تنفيذ الإصلاحات والتوجهات المطلوبة لتجنب معوقات التشاركية)، وقد صدر قانون التشاركية وتعليماته التنفيذية، إلا أنه لم يترافق مع قوانين مالية ومصرفية وتأمينية، تبين كيفية المعالجة المالية والضريبية والمحاسبية لمشروعات التشاركية.
ونظراً لأنه لا يمكن فصل البنية المؤسسية عن البنية التشريعية، ولهذا فلا يكفي وجود القوانين والتشريعات، وإنمّا لا بد من وجود المؤسسات القادرة على حمل أعباء قيام مشروعات التشاركية، ولعل من أهم الخطوات بهذا الشأن وجود إدارة مركزية خاصة مزوّدة بالكفاءات الحقوقية والاقتصادية والمالية والإدارية والتقنّية.
ولاحظ البحث أن القانون أغفل أهمية دور وزارة المالية، في آليات سير عمل مشروعات التشاركية، إذ إن إعداد التصور المرجعي لعقود التشاركية، يُعَدُّ من أهم بنود ومتطلبات نجاحها، وقد أسند هذه المهمة إلى مشاور المشروع، لذا يجب أن نضيف إلى هذه المؤسسات تشكيل وحدة للتشاركية، في كل وزارة تتبع إدارياً للوزير مباشرة، وفنياً للوحدة المركزية للتشاركية التي يجب أن تؤسس في وزارة المالية، وتتألف كل وحدة من الكوادر الحقوقية والاقتصادية والمالية والإدارية والتقنّية مهمتها اقتراح المشروعات وتقديم دراسات الجدوى وإعداد مقارن القطاع العام والتصور المرجعي لأي مشروع.
إضافة إلى شروط أخرى مرتبطة بالشفافية في البيئة الناظمة لمشروعات التشاركية، وتهيئة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعامة وتوفير الموارد البشرية لضمان نجاح التشاركية، لتوافقها مع بقية البيئات التشريعية والقانونية والمؤسساتية.
ولكي تحقق التشاركية الأهداف والغايات التي وجدت من أجلها، رأى البحث بضرورة التقيّد بأربعة مبادئ أساسية، أولها التأكد أن الخدمات المطلوب توافرها تلبي الاحتياجات العامة، ويمكن تعريفها وتحديدها وقياسها بسهولة.
ثانياً، التأكد أن القطاع العام يمتلك من الخبرة ما يمكّنه من تقييم وإدارة المخاطر. وثالثاً، التأكد من أن التشاركية سوف تمكِّن من توفير الخدمات بجودة عالية وبكفاءة، عن طريق توزيع المخاطر. وأخيراً، التأكد من وضوح في المساءلة والمحاسبة.

محاذير التشاركية
بيّن البحث أن مشروعات التشاركية بين القطاعين تقترن بمجموعة من المخاطر المختلفة، يتعلق بعضها بإيلاء مشروعات التشاركية أهمية أكبر للبعد الاقتصادي، مقارنةً مع البعد الاجتماعي والبعد البيئي وغيرهما من الأبعاد. إضافة إلى أن تحضير العقد ذاته يستغرق وقتاً طويلاً، وسورية لها تاريخ طويل في إجراء مفاوضات مطوّلة ومكلفة دون أن تتوصل إلى نتيجة.
ومن المخاطر أيضاً، عدم القدرة على التحقق من ضمان علاقات شفافة، سواء أكان ذلك عند اختيار الشريك، أم عند تحديد الشروط والمواصفات، أو الاختصاصات والمسؤوليات، أو أثناء إبرام العقود نفسها، التي تتزايد كلما طالت مدة العقد. هذا إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية والمالية السلبية وتحويل مخاطر القطاع الخاص إلى القطاع العام، ذلك أنه في حال قرر الشريك الخاص التوقف عن العمل، لأي سبب كان (مخاطر إفلاس، أو مخاطر سياسية…)، إذ سوف يحمل الاقتصاد الوطني تكاليف كبيرة وتبعات كثيرة، منها تأخير العمل بالمشروع، ريثما يتم إيجاد البديل، الديون المتعلقة والضمانات الممنوحة، العمالة، وغيرها من المنعكسات السلبية الكبيرة على الاقتصاد الوطني، مثال ذلك: استثمارات الشركات النفطية الأجنبية في سورية.
إضافة إلى عجز في ميزان المدفوعات على المدى الطويل، بما أن رأس المال الأجنبي سيكون المستثمر الرئيس في مشروعات التشاركية، سيؤدي ذلك إلى دخول الاستثمار الأجنبي إلى سورية في مدة إنشاء المشروع، لكنه سيعود للخروج على المدى الطويل على شكل أرباح ورأسمال إلى الخارج، ما يؤدي إلى استنزاف القطع الأجنبي، وعجز في ميزان المدفوعات على المدى الطويل.
ومن المخاطر أيضاً، إضعاف دور الدولة الاقتصادي والسياسي، إذ سينتقل القرار فيما يتعلق بهذه المشروعات من الدولة (أو مَن يمثلها) إلى إدارة مشتركة بين القطاعين، سوف تكون الغلبة فيها للقطاع الخاص، الذي يرتبط بأجهزة خاصة قد تكون مرتبطة بمصالح الشركات متعدية الجنسية في حال وجودها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن