ثقافة وفن

عقبات تكبّل المترجم وتقف بوجه ازدهار الترجمة .. «الترجمة في سورية مشكلات وحلول».. قراءة للواقع وبحث عن حلول ممكنة … القصة والرواية ولدتا من المؤثرات الأدبية الأوروبية.. والمترجمون أصحاب فضل على الأدب وتطوره

| سوسن صيداوي

نتاج الحضارات وتلاقي الثقافات يعبُر إلى العالم بالترجمة… فالأخيرة تبني جسورا نحو عقول وأفكار وحتى مشاعر المتلقّين من القراء، ولأنها أساسية في التعبير عن الكلمة بطريقة حرفية مفهومة للجميع من دون استثناء، تأتي الترجمة كي تعزز من دورها الفاعل على كل الصعد في حياة المرء. والأمر الذي لا يختلف عليه أحد، أن الترجمة علم له قواعد وأسس يجب مراعاتها كي تقوم بوظيفتها وتوصل ما يجب إيصاله بشكل دقيق مئة بالمئة. ومن الأمور التي لابد من مصادفتها في تجوالنا بالمكاتب ومعارض الكتاب، أنه وللوهلة الأولى عند رؤية الكتب، نجد عناوينها براقة تجذبنا، هذا إضافة إلى أن أسعارها تكون مغرية. وفي البداية يذهب ظن القارئ إلى أن الموضوع يستهويه، ولكنه وقع في فخ غير مدبر، فالمفاجأة أنه عندما يطلع على المضمون، يجده مفككا، وأسلوبه ركيك جدا، كما أنه مفتقر للدقة، ونجد في كل فصوله وبشكل واضح التحوير والتشويه. ولكن إذا أردنا أن نعود للسبب الحقيقي لكل تلك المشاكل في النص، فإنها وببساطة ترجع إلى عدم تمكّن المترجم من أدواته وقواعده بالشكل الجيد، الذي يؤهله لترجمة كتاب ومن ثم نشره وبيعه في الأسواق. وتلافيا لهذه المشاكل ولضرورة نشر الوعي بأهمية الترجمة على كل الصعد، وبمناسبة اليوم العالمي للترجمة، برعاية وزارة الثقافة أقامت الهيئة العامة السورية للكتاب ندوة وطنية للترجمة تحت عنوان: «الترجمة في سورية.. مشكلات وحلول» بالتعاون مع الجهات المعنية بالترجمة (جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب، المعهد العالي للترجمة، اتحاد الناشرين السوريين، مؤسسات الترجمة الخاصة)، وذلك في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق.

ترجمات تضعف اللغة العربية
بيّن د. ثائر زين الدين المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، أن الرواية والقصة ما كان لهما أن يولدا لولا المؤثرات الأدبية الأوروبية؛ لولا الترجمة عامة، والاتصال المباشر بالغرب من بعض المبدعين العرب، قائلاً: «والحقيقة أن فضل المترجمين الرواد أولئك الذين كانوا أدباء وشعراء في لغتهم الأم لم يقف عند ما ذكرنا فقط، بل وضع لغة جميلة سليمة بين أيدي القراء، وأسهم في تبسيط لغتنا وتقريبها من اليومي والمعيش، ولعل من أصدق الأمثلة على ما أقول ترجمات د. سامي الدروبي لأعمال دوستويفسكي، وترجمات عبد الغفار مكاوي وبشير السباعي عن الأدب الروسي، وترجمات صياح الجهيّم عن الفرنسية وترجمات حسب الشيخ جعفر من الشعر الروسي وأحمد الصاوي محمد عن الفرنسية وغيرهم، وعوضا عن أن تتطور حركة الترجمة لدينا في هذا المجال تحديدا وتعزز إنجازات السابقين؛ وتبني عليها بدأنا نقرأ عشرات الترجمات التي تصدى لها أشخاص لا يعرفون لغتهم الأم جيدا؛ ربما كان بعضهم يتقن لغة النص الأصلية، لكنه ينبري للترجمة ظاناً أن ذلك يكفي، وهو من قبل لم يكتب في حياته نصا أدبيا أو خاطرة أو رسالة ذات سوية أدبية عالية، في ظل اندفاع القراء نحو الأعمال المترجمة ولاسيما الروايات والقصص التي نلاحظ أنها مرغوبة من أجيال القراء الشباب أكثر من الأعمال الإبداعية المكتوبة أصلا بالعربية، يفسد هؤلاء المترجمون لغة القارئ، ويخربون ذائقته، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى إيهام الكثير من أصحاب المواهب والإمكانات الضعيفة؛ أن اللغة التي بين أيديهم هي لغة الرواية الحقة، ولغة القصة الصافية، فيتصدون لفعل الكتابة الإبداعية وجعبتهم فارغة إلا من الركاكة والضعف، وأنتم ولا شك تقرؤون هذه الأيام نصوصا لكتاب عرب، فتشعرون فوراً أن الكاتب يستخدم لغة مترجم رديئة وليس لغة مبدع».

الترجمة في سورية
أشارت د. لبانة مشوّح عضو اتحاد المترجمين العرب، إلى أن التشخيص الدقيق لواقع الترجمة، مع العوائق التي تقف حجر عثرة في طريق تطورها، والنواقص التي تعتريها، هو أمر يتطلب تقصيا دقيقا وبحثا شموليا يأخذ بالحسبان مختلف العوامل المتداخلة في هذا النشاط الإنساني الفكري الثقافي الأدبي الراقي، وكانت أحاطت في بحثها ببعض المشاكل التي تعانيها الترجمة في سورية، وصنفتها إلى فئتين الأولى: معرفية والثانية تنظيمية، متابعة «لاشك أن العقبات التنظيمية تكبّل المترجم وتقف حجر عثرة أمام ازدهار الترجمة، لكنّ المشكلات المعرفية تبقى الأشد والأدهى؛ فهي تتصل بمستوى المترجم المعرفي اللغوي والثقافي في اللغتين المصدر والهدف، وبمعارفه النظرية الترجمية، وهو تحديدا ما يزوّده بالمهارة والحذق المهني، ويرتقي بالترجمة إلى مصاف الإبداع». مشددة د. مشوّح على ضرورة النظر ملياً إلى مشكلات عملية التأهيل اللغوي التي تندرج ضمن مهام المؤسسات التعليمية في المرحلتين ما قبل الجامعية والجامعية الأولى، والتي يشوبها الارتجالية وعدم المهنية في المرحلة ما قبل الجامعية، وتحتاج إلى رؤية تحديثية جديدة في المرحلة الجامعية «إن المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية الذي أحدث في جامعة دمشق بموجب المرسوم رقم /405/عام2005، يأخذ على عاتقه مهمة تأهيل المترجم بتنمية مهاراته الترجمية النظرية والعملية، وتطوير كفاءتي التفسير والتحرير، ليغدو قادرا على تحليل وفهم بنية النص الكبرى(أي تحديد نمط النص وموضوعه ووظيفته والسياق العام الذي أحاط به والخلفية الفكرية والاجتماعية لمؤلفه)، وكذلك تحليل بنية النص الصغرى بكل مكوناتها وعلى كل المستويات اللفظية والمعجمية والصرفية والنحوية والدلالية والعملانية لمعرفة أكان النص هجائيا أم جداليا، صريحا أم ضمنيا، وبما يتيح الكشف عن أفكاره الضمنية وتلميحاته».

الترجمة العلمية
من جهتها تحدثت د. خزامى الجمّال اختصاصية في الطب المخبري، عن أهمية الترجمة العلمية التي تتعاظم يوماً بعد يوم نتيجة للتطور السريع في المجال العلمي والتقني لأنها أصبحت ضرورة ملحة لا غنى عنها، باعتبار أن التعلم الذاتي المستمر بحاجة إلى زاد متجدد من حصاد المعرفة العلمية فقد أصبح من الضروري تكثيف جهود الترجمة العلمية لتهيئة مجتمعاتنا العربية من أجل الدخول في عالم المعارف والعلم، معتبرة أن ترجمة المصطلحات العلمية من أهم التحديات التي تواجه المترجم العربي وذلك لأسباب أوجزتها «تباين المصطلحات العلمية وخاصة الطبية بين أقطار الوطن العربي، فقد اعتمدت المدرسة الطبية في سورية والعراق على الاشتقاق من اللغة العربية والعودة إلى الجذر الأصلي إلا أنه في بعض الأحيان جاءت هذه المفردات بعيدة عن العصر وغير مألوفة، تعدد المرادفات للمصطلح العلمي الواحد، وهو ما يسبب حالة من التشتت في فهم المعنى بشكل جيد على حين اللفظ العلمي هو لفظ دقيق محدد لا يحتمل عدة معان، عدم استيعاب المصطلحات العلمية الجديدة في المعاجم العربية وخاصة المعجم الطبي الموحد الذي لم تتم مراجعته أو إضافة التعديلات الجديدة عليه منذ سنين عديدة، عدم وجود هيئة عليا فاعلة لتوحيد المصطلحات العلمية ويكون لديها السلطة لإلزام المختصين بالتقيد بالمصطلح العلمي الذي تم الاتفاق عليه».

الترجمة من الشرق
تحدث الأستاذ هيثم الحافظ رئيس لجنة التطوير المهني في اتحاد الناشرين العرب، في كلمته عن الترجمة من الشرق، موضحاً أنه اعتاد المترجمون والورّاقون الترجمة من اللغات المشهورة كاللغة الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية إلى اللغة العربية، لكن حديثه اشتمل على لغات لا يقوم الناشرون بنشر ثقافات عنها ومنها اللغة الصينية والهندية والكورية والتركية، متحدثا عن التجربة الصينية في الترجمة والنشر قائلاً: «رغم تعدد الثقافات والأديان والفئات المجتمعية فإنها تنتج عملا واحدا خاصاً للمجتمع الصيني كافة، فواقع النشر في الصين أصبح دوليا وانتقلت الصين لمصاف الدول المتطورة بالنشر، وأصبحت تطبع الملايين وليست مثلنا، وعلى فكرة عدد السكان ليس عاملاً وحده بزيادة عدد المطبوعات فالقراءة لديهم هدف للطالب، فتمتلك مئات الشركات آلاف المنتجات. ملايين القراء تقرأ كتب الأطفال وكتب الناشئة. وإن الصين تدعم بقوة التواصل المباشر مع الثقافة العربية وتسعى إلى توضيح صورتها للقارئ العربي الذي كان يعرفها فقط عبر ما يقدمه الإعلام العربي، كما تسعى في الوقت نفسه إلى نقل الثقافة العربية مترجمة إلى الصينية لتعريف المواطن الصيني بالعالم العربي وثقافته. وتطمح الصين لنشر الكتب الصينية باللغة العربية فتشارك في معارض العربية حتى يكون النقل مباشراً من الكاتب الصيني إلى القارئ العربي». متابعا في مكان آخر«فقد أصبح المترجمون المهتمون بترجمة الآداب من الصين قليلين جدا، والحقيقة أن أكثرية الترجمة هي من المترجمين صيني-إنكليزي ثم عربي وهذه ظاهرة أيضاً ليست إيجابية لكنها هي الأكثر شيوعاً حالياً وقليل هي الكتب التي ترجمت من دون وساطة لغة أخرى وهذا ما يضعف الحراك الإيجابي باتجاه الشرق».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن