ثقافة وفن

الشعر سيد الأجناس الأدبية والناطق الشعبي عن كفاحها … الشاعر السوري عمل على اختراق الأشكال القادمة في محاولات لطرح جماليات مغايرة

| سوسن صيداوي

الشعر ابن بار لبيئته، مكنوناته وعناصره وصوره كلّها ناتجة عما تراه العين ويحس به القلب. إذاً الظروف هي محرك أساسي للكلمة الشعرية ومنها إما يكافح الشعر بقصائده ويصدّ عنه الظروف ويحافظ على قوالبه، وإما يتأثر ويسمح للتيارات أن تقصف به. الشعر السوري عاش الأمرّين لما مرّ عليه من أزمنة احتلالية صوّر خلالها الشعر في قصائده المتنوعة الأسى والوجع والهوان مع الاستبداد والويلات التي تنتجها الحروب. قد يجد البعض أن في هذا الكلام مبالغة، ولكن عندما يكون الكلام واقعاً فهو يجسّد حقيقة، وفي الحقائق لا مكان لأي مبالغة. وللحديث أكثر عن الشعر في زمن الحرب، على سورية، أقامت جمعية الشعر في اتحاد الكتّاب العرب الندوة السنوية النقدية «الشعر والحرب على سورية» بمشاركة نخبة من الشعراء والنقاد وهم: د. ثائر زين الدين، د. عبد الله الشاهر، د. غسان غنيم، هيلانة عطا الله، عبد الكريم شعبان. وذلك في مبنى اتحاد الكتاب العرب الكائن في أوتستراد المزة.

مُفتتح
تحدث دكتور ثائر زين الدين مفتتحاً الندوة، بالشرح حول معاناة الشعر العربي في سورية والشاعر السوري من آلام عاشها خلال السنوات الخمس الماضية، معتبراً أن هذه المعاناة لم يعشها الشعر العربي السوري في تاريخه الحديث سواء في الفترة التي ذاق فيها أهلنا الويلات من الحكم التركي العثماني، أو ما خلفه الانتداب الفرنسي من ظلم وبؤس، وما تركته خلفها الحروب منها حرب 1948 وحرب 1956 وحرب 1967، هذا بالإضافة للانقلابات العسكرية ومشروع ايزنهاور، وانهيار الوحدة الأولى في تاريخنا الحديث. متابعاً: «لقد رافق الشعر العربي السوري كل تلك الأحداث الجسام، التي ذكرتها بداية، وكان صورة صادقة جسّدت معاناة الفرد من جهة والأمة من جهة أخرى، وكان- بحكم موقعه في الثقافة والحضارة العربيتين- سيد الأجناس الأدبية، والناطق الشعبي عن كفاحها وانتفاضاتها وثورتها، عن أحلامها وطموحاتها وأمانيها». مضيفاً في مكان آخر حول الأسلوب الفني: «على الصعيد الفني ظل الشاعر السوري مسكوناً بالرغبة في اختراق الأشكال الفنية القائمة التي أصبحت مهيمنة منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؛ فقصيدة التفعيلة ترسّخت وأصبحت ذات أنماط وأشكال يصعب الخروج عليها-كما كان الأمر مع القصيدة العمودية فيما مضى وقصيدة النثر استهلكت طاقاتها التجديدية إلى حد غريب، وبدأت تصبح نمطية بدورها، وظلت القصيدة ذات البنية التقليدية (نظام البيت) موجودة، وتعايشت مع الشكلين السابقين بعد أن غادرت مضارب الكلاسيّة الرومانسية إلى الكلاسيّة الجديدة الواقعية. إذاً عمل الشاعر السوري على اختراق تلك الأشكال القادمة ولا سيما من خلال التجريب في القصيدة، ومحاولات طرح جماليات جديدة مغايرة لتلك الجماليات، التي هيمنت لأكثر من ربع قرن أو يزيد».

أهداف وأبعاد وبناء فني
في مداخلة الدكتور عبد الله الشاهر، قدم قراءة في كتاب من ديوان الجرح السوري، مشيراً إلى أن الحروب تفرز في الشعر الكثير من الاتجاهات والأساليب، مستذكراً في العصر الحديث ما أفرزته الحربان العالميتان من أدباء ومدراس أدبية، منهم الشاعر الألماني غوتفريد والشاعر البريطاني جون ستولورذي، والشاعر الفيتنامي باوشان غوين، متحدثاً عن التجارب السورية «على ما يبدو أن الدكتور ثائر زين الدين، قد تنبّه إلى ما للشعر من أثر في الحرب على سورية، فكانت تجربته رائدة في اختيار مجموعة نماذج شعرية لعدد من الشعراء الذين كانت قصائدهم نتاج المرحلة المأساة، فأخرج كتاباً جاء تحت عنوان (من ديوان الجرح السوري) «متابعاً حول أهمية هذا الديون بأن مؤلفه أضاء على الأهداف والأبعاد والبناء الفني مرتكزاً على أرضية الحرب على سورية، كما عمد المؤلف فيه إلى إبراز البعد الأخلاقي والإنساني والوحشية والعدوانية الحاقدة بشكل كبير على سورية والشعب السوري، متحدثاً دكتور الشاهر: «لقد بيّن خلال المقدمة أن الشعر الذي أنتج في هذه المرحلة (شعر وجود) كان شعرا يعبر عن نزوع شعب إلى تحقيق أحلامه الصغيرة والكبيرة، ولكن ماذا يفعل الشعر في مدة تُقطع فيها رؤوس الشعراء والعلماء والفنانين على بواباتها وأعمدتها الأثرية وجسورها المحطمة»، متابعاً: إن الشعراء أمام هذه الوحشنة ما كان منهم إلا أن يندفعوا يكتبون معبرين عن الواقع واضعين أصابعهم على الجرح، فجاءت قصائدهم وكأنها موازاة رمزية معادلة للواقع، وكان النتاج الشعري تسجيلاً وجدانياً عالي المستوى، إذ حقق حضوراً لافتاً وأعطى رؤية واضحة في توصيف ما جرى ويجري من أحدث لتترجم في الوجدان الشعبي حزناً وأسى وحافزاً وتاريخاً». مؤكداً د. عبد الله في مداخلته: «لا نستطيع أن نتنبأ بملامح الشعر السوري في المستقبل، لكن لا بد أن ثمة شعرا مختلفا يتشكل اليوم في رحم الحرب، وهنا يكفي أن تنشأ تجارب شعرية جديدة وغير متوقعة، وأن تندثر تجارب أخرى، وتنهار قامات شعرية لنوقن أن شعراً جديداً يتشكل».

الاختيار شعرية
من جانبه تحدث دكتور غسان غنيم عن الاختيارات الشعرية، لافتاً إلى أن الكثير من الشعراء فكروا بتقديم رؤيتهم عبر اختيارات تدل عليهم وعلى ذائقتهم الشعرية والنقدية، مشيراً إلى أنه تنوعت الأسس التي تم الاختيار على أساسها وبأن منهم من صنّفها بحسب المعاني، ومنهم من صنّفها بحسب الإطار الفني، وبعضهم صنّفها بحسب جنس الشعراء أو إقليمهم أو زمنهم، قائلاً: اللافت توافق الكثير من الاختيارات، القديمة أو الجديدة مع ذوق أصحابها، واتجاهاتهم الفكرية والفنية. وبما أن هذا أمر طبيعي، فالكل يختار ما يمليه ذوقه الفني أو اتجاهه الفكري… وهذا ما سبب كثرة الاختيارات في الآداب جميعاً، وفي الأدب العربي والشعر العربي بخاصة». وعن (ديوان الجرح السوري) موضوع الندوة أشار د. غسان أن الديوان ليس استثناء من حيث كونه نوعاً من الاختيار الذي قام على فكرة (المعنى) أو الثيمة التي تجمع معظم قصائد الديوان، بل كلّها، متابعاً قام د. ثائر باختيارها، لا تسيّره في اختياراته إلا فكرة (الجرح السوري) والقصائد التي تناولت هذا الجرح، وقاربته بأشكال فنية متعددة، فاجتمع في الديوان عدد من القصائد التي تتوافق في تناول الفكرة، وتختلف الفنيّات المتبعة. فقد اجتمع في هذا الديوان قصائد (تقليدية) على نمط الشطرين، كقصيدة (العودة إلى نينوى) لرضوان الحزاني، وقصيدة (أنين الياسمين) لمحمود حامد وغيرها. وقصائد التفعيلة وهي كثيرة منها ثلاث (افتتاحيات) لراتب سكر، وقصيدة (بانتظار وطن) لعبد النبي التلاوي. مشيراً إلى أن هذا التنوع في أنماط القصائد المختارة، يؤكد أن أسس اختيار ديوان الجرح السوري لم تكن فنية، ولم تعتمد التصنيف الفني، وهذا ما صرح به د. ثائر زين الدين، وبأن هذا التباين بين القصائد دفع الأخير إلى تقديمها في الديوان على أساس أحرف الهجاء كأسماء الشعراء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن