سورية

اعتبر أن مصير الكثير من الدول العربية مرتهن لأميركا.. ولم يستبعد قيام ثورة فلسطينية مسلحة حقيقية … سفير فلسطين لـ«الوطن»: لم تكن أميركا لتجرؤ على إصدار القرار لو كانت سورية معافاة

| مازن جبور

اعتبر سفير دولة فلسطين لدى دمشق محمود الخالدي، أن الحرب على سورية وانشغالها بوضعها الداخلي، تدفع ثمنه قضية فلسطين، وأن أميركا لم تكن لتجرؤ على إصدار قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» لو كانت سورية معافاة.
ورأى الخالدي في مقابلة مع «الوطن»، أن مصير الكثير من الدول العربية مرتهن للولايات المتحدة، ولم يستبعد قيام ثورة فلسطينية مسلحة حقيقية من الداخل والخارج.
وأشار الخالدي إلى أن أميركا و«إسرائيل» تريدان تصفية القضية الفلسطينية بمؤتمر إقليمي يهدف للتطبيع مع كيان الاحتلال، وتساءل: هل يترجم ارتفاع النبرة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية إلى عمل، خصوصاً أنهم كانوا بالإدانة والشجب والاستنكار فاعلين.
ورأى أن ردات الفعل خلال الأيام الماضية، لم تكن بحجم هذا الحدث، وقال: «وإذا كانت القدس لا تحرض على النهوض فهذه مصيبة كبرى، ومعناها أن الكعبة لن تحرض، وإذا أخذت الكعبة فلن تحرض هذه الأمة». وفيما يلي نص الحوار:

• كيف تنظرون إلى القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وما معطيات هذا القرار وما هي منعكساته؟
أعتقد أن كل الأمة الآن تمر بمنعطف خطر، وما لم تستعد وعيها القومي بأنها أمة واحدة، وإن تعرض جزء منها للخطر فإن الأجزاء الأخرى لن تسلم ويجب أن تهب للدفاع عن نفسها من خلال الدفاع عن هذا الجزء، وهذه الحقيقة غير موجودة الآن، بل بالعكس نرى الواقع العربي محزناً إلى أبعد الحدود والانقسامات فيه بلغت حدها وأعتقد أن هذا الذي شجع معسكر العدو للنيل منا في موضوع القدس.

• هل ترون أن القرار يرتبط بالوضع في المنطقة عموماً بعد الحال الذي آلت إليه جراء ما يسمى «الربيع العربي»؟
إن «إسرائيل» هي الابن الشرعي لكل مساعي التآمر على المنطقة من قبل القوى الاستعمارية منذ أكثر من قرن وحتى يومنا هذا، وللأسف نحن لم نستطع تغيير هذا الواقع بل كرسناه، فأمن «إسرائيل» كأمن إحدى الولايات الأميركية، ووظيفة «إسرائيل» كما قال بن غوريون: «نحن كلب حراسة»، وهذا الكلام صحيح، فـ«إسرائيل» كلب حراسة لمصلحة الولايات المتحدة، وتحرص أميركا على سلامة «إسرائيل» وأمنها كما تحرص على أمنها الشخصي، وبالتالي فإن مصالحها الاقتصادية مربوطة بأن تبقى هذه الأمة ممزقة، وصفقة القرن التي يتم الحديث عنها ليست أبعد من هذا إطلاقاً، مع الأسف أن الكثير من الدول العربية مرتهن مصيرها للولايات المتحدة وهذا مرعب في عالمنا العربي.
ولكن فوق هذا وذاك المواطن العادي واع إلى حقيقته القومية، وقلعة القومية العربية سورية، وهذه حالة واضحة وموجودة عند كل مواطن في هذه المنطقة، سورية الطبيعية مستهدفة باستمرار ولكن في كل مرة يتجلى الاستهداف بصورة محددة حسب المرحلة وظروفها.

• هل لديكم رؤية أو وجهة نظر للتحرك الأميركي اللاحق لهذا القرار، خصوصاً في ظل آراء تربط بينه وبين ما يسمى صفقة القرن وبين مشروع ولي العهد السعودي «المملكة 20 – 30»؟
هم يريدون اللحظة التاريخية المناسبة لتصفية القضية الفلسطينية ويريدون تصفيتها بمؤتمر إقليمي وليس في مؤتمر دولي، ففي الأدبيات الصهيونية القديمة، طي القضية الفلسطينية يعتمد على موقف عربي قائم على أساس تطبيع العرب مع كيان الاحتلال، وفي اللحظة التي يعترف بها العرب بالكيان الصهيوني الذي سيقوم في فلسطين تكون فلسطين قد انتهت، ومن هنا يريد ترامب مؤتمراً إقليمياً ولا يريد مؤتمراً دولياً، لأنه في المؤتمر الدولي هناك منظومة من القواعد التي قام عليها ميثاق الأمم المتحدة لا يستطيع أن يكسرها ترامب أمام العالم دون أن يتلقى معارضة، أما في مؤتمر إقليمي فيمكنه أن يتحاشى هذا الأمر.
المؤتمر الإقليمي يسير في ثلاثة مسارات كما تسرب عن ما يسمى صفقة القرن، هناك مسار إسرائيلي عربي ومسار إسرائيلي فلسطيني ومسار دولي.
المسار الإسرائيلي العربي أن يقام مؤتمر إقليمي يتم فيه التطبيع بين الدول العربية و«إسرائيل» طبعا هذا حلم وطموح إسرائيلي قديم يطبقه ترامب.
المسار الفلسطيني الإسرائيلي الذي لا يعطي دولة للفلسطينيين ولا يعترف بحقهم في تقرير المصير ولا بالقدس، هو شكل من أشكال الحكم الذاتي يكون فيه الفلسطينيون هم المسؤولين من الناحية المدنية في حين تبقى الناحية الأمنية بيد «إسرائيل».
المسار الثالث هو الإنعاش الاقتصادي والمساعدات الاقتصادية للفلسطينيين.
طبعاً هذا الكلام لا يمثل حلاً باعتبار أن هناك 120 قراراً أممياً صادراً بخصوص فلسطين وهذه صفقة القرن مخالفة لها ومخالفة للمبادرة العربية ومخالف لكل ماعليه المرجعيات العربية أو قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

• نائب الرئيس الأميركي مايك بنس سيحط في السعودية في جولة بالمنطقة قريباً هل تحدثتم مع الرياض بشأن زيارته؟
نائب الرئيس الأميركي الذي سيزور المنطقة هو المنظر الأيديولوجي لترامب وهو الذي دفع به للاعتراف بالقدس عاصمة لدولة «إسرائيل»، هذا الرجل خطر وهو رجل صهيوني يميني متطرف، وهو ذو تاريخ سيئ وسمعة سيئة ويأتي ليقنعنا بنقل السفارة إلى القدس وهذا لايمر على الشعب الفلسطيني.
نحن لا نغالي في انتمائنا إلى سورية وعندما دخل الجنرال اللمبي إلى القدس محتلا في نهاية الحرب العالمية الأولى خرج إليه الفلسطينيون بعشرات الالوف في تظاهرة احتجاج يحملون مئات اللافتات عليها جميعاً جملة واحدة «فلسطين جزء من سورية»، وفي سنة 1919 وضع الفلسطينيون الميثاق الأول لهم وسمي الميثاق القومي البند الأول فيه «فلسطين جزء من سورية»، العقلية واحدة والتراث واحد والثقافة واحدة.
الرئيس محمود عباس على تواصل مع الجميع وهو نشط في هذا الموضوع لكن لا أعلم في هذه النقطة إذا ما تواصل مع السعودية، خصوصاً أنه لا يحق لك أن تملي إرادتك على أحد.

• هل تعولون على الجامعة العربية بالوقوف إلى جانب القدس؟
باجتماع وزراء الخارجية العرب قدمت فلسطين كلمتها وأرسلت عبر مؤتمر صحفي قبل الاجتماع رسالة، يبدو أنها وصلت لأن الكثير من الدول العربية كانت لغتها تصعيدية بالقياس بواقعها السابق، لكن السؤال هل يترجم ارتفاع هذه النبرة إلى عمل، مثلا هل تقطع العلاقات مع أميركا، خصوصاً أنهم كانوا بالإدانة والشجب والاستنكار فاعلين، وإذا لم تستطع القدس أن تجعل القادة العرب يأخذون قرارات تنسحب على الواقع العملي بإجراءات معينة وليست تقف عند مجرد اللفظ والشجب والإدانة والرفض والخ، هذا يدل على أن الأمة حتى الآن لم تع واقعها والأخطار المحدقة بها، (ففلسطين ما ضاعت لأنها فلسطين وشعبها لم يشرد لأنه شعب فلسطين، المقصود كان المنطقة كلها من خلال احتلال فلسطين).

• هل تلقيتم أي اتصالات أو تنسيق حول أي تحضيرات لردود على القرار الأميركي؟
لأن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين فالقدس ليست موقعاً جغرافياً فحسب بل هي ذات بعد روحي متعلق بالدين متعلق بالإيمان، فتغيير هذه الهوية وهذا الطابع وان يدوسوا على كل هذه القيم الإيمانية عند الناس ونبقى من دون ردود فعل هذا لا يجوز.
بداية كنت أقول إن ترامب أخطأ في حساباته لأنه لا يواجه الفلسطينيين فقط بل يواجه كل العرب وكل المسلمين بالعالم والمسيحيين باستسهال ويدوس على كل قيمهم الدينية، لكن ما لاحظناه خلال الأيام الخمس الماضية، لم تكن ردات الفعل بحجم هذا الحدث ففي حرب 1973 قاموا بوقف ضخ البترول، وما يحدث الآن أهم مما حدث في 1973 فهل يمر هكذا مرور الكرام، سيحدث لنا مثلما قالت غولدا مائير إنه عندما تم إحراق المسجد الأقصى لم تنم لأنها ظنت أن كل المسلمين والعرب في العالم سيزحفون باتجاهه إلا أنها استيقظت في الصباح لتجد أن شيئاً لم يحدث فقالت فلتفعل إسرائيل ما تشاء.
نحن في حالة ثبات ولكن هذا الثبات قابل للاستنهاض، وعندي أمل أن هذه الأمة لديها كبوات، وآمل أن تكون هذه كبوة، وإذا كانت القدس لا تحرض على النهوض فهذه مصيبة كبرى، ومعناها أن الكعبة لن تحرض، وإذا أخذت الكعبة فلن تحرض هذه الأمة.

• يبدو أن اتخاذ القرار في هذا الوقت تم استغلاله نتيجة انشغال سورية ومحور المقاومة عموماً بما يجري في سورية والعراق وبمكافحة الإرهاب، ما رأيكم؟
هذا كلام دقيق وموضوعي، أنا أتحدث من تجربتي وهذا يطابق للتجربة التاريخية فالفلسطينيون في الخمسينيات وجدوا أن قضيتهم تموت فشطبت من جدول أعمال الأمم المتحدة ومن جدول أعمال الجامعة العربية ولم تعد تذكر إلا في تقرير المفوض العام للاجئين الفلسطينيين في الأمم المتحدة مرة في السنة كقضية إنسانية، هنا الشباب الفلسطينيين بدؤوا يفكرون بثورة فلسطينية مسلحة للتحرير، وكان لديها مجموعة من المشاكل أهمها أن هذه الثورة سوف تقوم من داخل إلى خارج وبالتالي هي بحاجة إلى دول الطوق لتشكل قاعدة ارتكاز لها لتنطلق إلى الداخل فأقاموا اجتماعاتهم في دمشق ووجدوا أنها الدولة المؤهلة الوحيدة هي سورية لتكون قاعدة ارتكاز للثورة الفلسطينية المسلحة جرت الاتصالات الرسمية وأخذوا الموافقات وانطلقت الثورة عام 1965، فمن هنا شكلت سورية قاعدة الارتكاز الأولى وشكلت الغطاء السياسي لهذه الثورة وهي التي تولت الدعم اللوجستي اللازم للانطلاقة وللاستمرارية.
إن إضعاف سورية وإضعاف الجيش السوري وانشغال سورية في وضعها الداخلي، تدفع ثمنه قضية فلسطين، ولم يكن يجرؤ ترامب على إصدار هذا القرار لو كانت سورية معافاة، والعرب بحال أفضل.

• كيف تقيمون الوضع في الداخل الفلسطيني وما هي خطواتكم المستقبلية؟
الشارع الفلسطيني بلغ عنده السيل الزبا ووصل إلى النهايات من عام 1993 وحتى الآن ونحن مسار الحل السياسي وللأسف ثبت أن الجانب الإسرائيلي لا يريد حلاً وسيمنع قيام دولة فلسطينية والصراع بيننا وبينه من أجل الوجود ومن أجل الأرض، وهذا النمط من الاستعمار الصهيوني هو النمط الاستيطاني الأنكلوسكسوني الوحشي الذي يقوم على أنه يريد الأرض خالية من السكان ليحل مكانهم سكان جدد، إن عملية ضم القدس منذ 50 سنة ولم تنجح لأنه لا يوجد توازن في الديموغرافيا فعدد الفلسطينيين في القدس الموحدة التي يريدونها 330 ألف ويقولون إن هذه شوكة في حلق «إسرائيل» وستؤدي إلى دولة ثنائية القومية.
نحن لم نستقل من ثورة التحرير، والشعب الفلسطيني صامد وظاهرة شباب السكاكين في القدس تدل على عنفوان الثورة في نفوس الفلسطينيين، ولا استبعد إذا بقي المنوال على هذا الحال أن نشهد ثورة فلسطينية مسلحة حقيقية ربما من الداخل والخارج وصعب جداً أن يستكين الفلسطينيون بعد كل هذا الظلم والقهر والذل واحتلال الأرض وصحيح أن علينا واجباً كأصحاب الأرض لكن من دون الموقف العربي يصبح الأمر صعباً جداً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن