ثقافة وفن

رسالة الفن خطرة وتتطلب قدراً عالياً من الثقافة … أمانة والي لـ«الوطن»: لست ضليعة بالإدارة وأستطيع تسيير العملية المسرحية وأقبل بعشرة بالمئة من الإنجازات

| سوسن صيداوي

إيمان كبير بحياة تستحق التفاؤل وتتطلب الكثير من القناعة، سيدة اسمها سوري قديم، وهي من رائدات المعهد العالي للفنون المسرحية لأنها من أول الخريجات. عندما تسمع صوتها تشعر بقوة كبيرة، وتظن- وأنت على خطأ- أن خلف هذا الصوت خشونة، تدل على أن صاحبته سيدة غليظة القلب، فظة، صعبة المراس، ولكنّ واقع الحال يبين الحقيقة المنافية لما ذكر. الفنانة أمانة والي صوتها كان مفتاحاً لها في الحضور القوي على خشبة المسرح، وهي بالطبع من خريجات الأستاذ فواز الساجر، الذي علمها مع زملائها أن المسرح مقام مقدس، وهو المنبر الأقرب للناس، والمؤثر الأكبر في كيفية معيشتهم، وهنا عندما يكون المعلم نبيلا ومبادئه وقناعاته على قدر كبير من الأهمية، أمر طبيعي أن يتأثر المتلقي ويكوّن قناعته الخاصة، هكذا انطلقت فنانتنا في مسيرتها التي صعّبتها على نفسها، لأنها رقم صعب ولا تستسيغ أي استسهال أو ابتذال، فبنظرها الحشمة مشكورة ولا يمكن للمرء أن يخرج من نفسه ويقدم ما هو غريب ولا يناسب محيطه، فنانة تتدخل في بناء الشخصية التي ستؤديها، فالفن خطير وهو المؤثر الأكبر في المجتمع، وبنظرها إن لم تكن الشخصية تثير الكثير من الإشكاليات فالدور غير مرغوب به، حتى ولو كان الظهور كما يقال من الجلدة إلى الجلدة في السيناريو المطروح. فنانتنا سيدة لها رسالتها التي تدفعها إلى تقديم الأفضل، وعلى صعيد شخصي هي امرأة مؤمنة بالله وبالعطايا الممنوحة لها، أم عطوف، وصديقة وفية. صحيفة «الوطن» التقت الفنانة وحاورتها بأمور شخصية ومهنية، وخاصة ما يهم المسرح بعد أن استلمت منصب مديرة المسرح القومي.

حدثينا عن الطفولة والبدايات؟

ترعرعت في منزل يقدّر الفن والموسيقا، فإخوتي الشباب كانوا مؤسسين لفرقة أجنبية، واحد منهم يغني والآخر يعزف على السكسافون، وأيضاً أولاد خالي يعملون في المجال الموسيقي، فالاهتمام كان واضحاً بالموسيقا بعكس التمثيل، الأخير الذي كنت الوحيدة بينهم أهواه، فأنا من المتابعات للسينما وأحب ارتيادها وأحضر الأفلام الأجنبية والعربية وحتى الهندية، أساسا حبي للفن والتمثيل بدأ من السينما، ومنها انطلقت الفكرة بأن أسافر إلى مصر كي أدرس الإخراج، وبالطبع أخبرت والدي برغبتي، الذي أجابني قائلاً: «إذا كان سفرك للدراسة سيستغرق عامين فقط فأنا موافق ويمكنك الذهاب». حينها سألت عن التفاصيل، فكانت السنوات الدراسية للإخراج في مصر تستغرق أربع سنوات، فأخبرت أبي بذلك فكان جوابه «أربع سنوات وقت طويل جدا.. لا يمكنك السفر». وحتى اللحظة لا أدري لماذا وافق أبي على السفر لسنتين ورفض في حالة الأربع سنوات. ومن وقتها لم أعد أهتم بالموضوع. ولكن النصيب لعب دروه في هذه الفترة، عندما تقدمت إلى الشهادة الثانوية كان المفروض بأن انتسب إلى كلية هندسة العمارة، ولكن مجموعي لم يكن كافيا ليؤهلني لذلك، وعلى أساسه قمت بدراسة البكالوريا في العام التالي مرة ثانية، وفي الوقت نفسه سجلت في كلية الآداب بقسم اللغة الإنكليزية، وأثناءها افتتح المعهد العالي للفنون المسرحية، وببساطة ذهبت وسجّلت فيه، وتقدمت إلى فحص القبول من دون أن أخبر أحدا، انطلاقا من فكرة بأن اختبر نفسي وهل بإمكاني أن اجتاز الامتحان، والذي حصل، أنني نجحت، وعندما أخبرت والدي بما فعلت لم يكن أمامه خيار غير الموافقة، لأنه بالأساس يعلم بأنني استهوي الفن، ورغبتي حقيقية في الدراسة والعمل في مجاله، وكان وافق على سفري إلى مصر كما ذكرت، لولا أنني سأغيب لأربع سنوات. بالطبع أنا أنتمي لعائلة شامية محافظة، حتى إنه نشب خلاف بين أبي وعمي، وانقطعت العلاقة بينهما لأنه وافق وشجعني على الدراسة في المعهد العالي، هذا وأبي رجل منفتح ويشجع على ما يحبه أطفاله، فمثلا في عام 1960 كما ذكرت أخي محب لآلة السكسافون فأحضر والدي له الآلة وأستاذاً روسياً كان يأخذ بوقتها أجره على الدرس الواحد خمسة وعشرين ليرة، وكل ذلك في سبيل أن يتعلم ابنه الأمر الذي يحبه، وكان هذا أمرا مستغربا في ذلك الوقت، وبالنسبة لي امتهنت الفن من باب الأكاديمية، فأنا لم يكن لدي قبلها أي نشاطات في المسرح الجامعي ولا في الشبيبة.

يؤخذ عليك أنك عنصرية أكاديمية؟

أنا أؤمن بالاختصاص، وهذا الأمر لم يتغير في تفكيري في السابق وحتى اللحظة، وبرأيي كل شيء بحاجة لاختصاص مهما كان ما يريد أن يعمل به المرء سواء تجارة أم مثلا مكيانيك سيارات أو أي مجال آخر في الحياة، ومن ثم إيماني بالاختصاص من إيماني الكبير بالعلم، فالمرء عندما يتعلم في مجال ما فهو يقرأ مجموعة من التجارب المستخلصة من فكر أي إنسان موجود بأي نقطة في العالم، لنفكر بهذا الأمر، كم سيستفيد المطّلع على التجارب؟ وكم سيطور من مهاراته؟ ولكن هذا أبدا لا ينفي إيماني بالموهبة الاستثنائية التي يمكن أن تتم الاستفادة منها في عمل سينمائي أو تلفزيوني، ولكن ليس لدرجة ألا يتم الاهتمام وتأمين الفرص لهؤلاء الأكاديميين، فلماذا يأتي الآخرون ليأخذوا فرصة الشخص الأكاديمي الذي رهن حياته لحلمه ودفع عمره وهو يدرس في الأكاديمية؟

ولكن وللأسف الواقع يقول غير ذلك فالفرصة متاحة للموهبة الاستثنائية أكثر من الأكاديميين؟

هذا الواقع خاطئ ومرفوض بالنسبة لي، فأنا لا أستطيع أن أفكر بهذه الطريقة. أنا أؤمن بالخبرة، فمثلا الجيل الذي قبلنا كالسيدة منى واصف والأستاذ دريد لحام والأستاذ أسعد فضة وغيرهم من الأسماء الكبيرة، هم مؤسسون وجاؤوا وقدموا فنا راقيا على الرغم من أنه لم يكن هناك أكاديمية، فهؤلاء أؤمن بهم وعندما دخلت إلى المعهد استفدت من تجاربهم كثيرا، وأعيد وأركز أنا مؤمنة بالاختصاص، فهو علم ويحتاج إلى جهد وتعب كبير لاكتسابه، وخطأ شائع أن يقف من يعرف أن يتكلم أمام الكاميرا ويعتبر نفسه ممثلا، أو أن تظن الشابة الجميلة عبر جمالها أنها ستصبح يوماً ممثلة قديرة، فالفن ليس من هذه الحالات، الفن رسالة، وهو في الوقت نفسه أمر خطير، فرسالته الموجهة للمجتمع تتطلب قدراً عالياً من الثقافة، ومن هنا يمكن أن أغض النظر عن الممثل في حالة كان الممثل خريجا جامعيا لأنه بالنتيجة صاحب علم، وهنا أؤكد أنني من الخريجات الرائدات في المعهد، وأرفض ألا أكون منتمية لنفسي، أنا أكاديمية.

ليس فقط اختيار الممثلين يؤزم الحال، كذلك الأعمال التي تقوم شركات الإنتاج بتنفيذها، ويكون اختيارها للمواضيع وباقي العناصر على أساس أنها تحقق الربح؟

في الحقيقة هذا الأمر يؤثر في العملية الفنية ورسالة الفن، فمثلا عندما عمل الأستاذ هيثم حقي كمنتج، كانت لديه رسالة فلقد اختار أمورا هادفة ومعالجة لقضايا المجتمع. وبالفعل هناك منتجون يقدمون فنا عاديا ليس بالمستوى المطلوب، والعمل محكوم بالعرض والطلب في السوق التي يخضع لها الفن، وهذا ما يرغبه المنتج عندما يكون تاجرا وغرضه ربحياً، وهنا لا بد من الإشارة لما تأثرت به الدرما من حيث الحصار، وهو ما دفع الكثير من المنتجين للتوجه إلى مسلسلات البيئة الشامية لأنها مرغوب فيها ومطلوبة، ومنهم من أنتج أمورا تافهة وغير مكلفة، بالمقابل هناك منتجون لم يكن لديهم علاقة بالإنتاج ولكن وهم في غمرة تجاربهم تعلموا وأدركوا أنه كلما كانت المادة جيدة جلبت لهم مالا أكثر، وبالطبع كل تلك الأمور أساءت للدراما السورية بشكل كبير، وهذا طبيعي لأننا نعيش في زمن حرب، فخف العرض والطلب، وحُكم على درامانا بحصار فظيع على الرغم من جودة الأعمال مثل مسلسل «الندم»، الذي لم يُبع لأنه يحكي عن قضايانا، وكذلك مسلسل «سايكو» وهو من بطولة وتأليف أمل عرفة، المسلسل تعرّض لمضاربات كثيرة وفي النهاية سيتم عرضه في هذا العام علما أنه أنتج العام الفائت وكان جاهزا للعرض في رمضان من العام نفسه.

وكأنك تشيرين بمكان إلى أن مواضيع الأزمة هي أيضاً من أسباب عدم انتشار درامانا عربياً؟

هذا ما تريده المحطات الفضائية التي تقول عبر سياستها في العرض(لا تصدّروا لنا حربكم)، وبالنسبة لنا الأمر جداً طبيعي، فالحرب ترافق أدق أمورنا الحياتية اليومية البسيطة من مأكل ومشرب وجيران وأصدقاء وعمل ومواصلات والقائمة تطول. هنا سأقف عند المسرح قليلا لأن الأمر فيه مختلف عن الدراما، فانتقاء النص فيه من الحرية أكثر من الدراما، والمسرح يتقدم ويُعرض لمجتمعه على التحديد، ومن خلاله نقوم بتقديم أمور تتعلق بالأزمة بطريقة أو بأخرى، وحتى جمهور المسرح هو من اقترح أن نبتعد بالمواضيع عن الأزمة الدائرة في حياتنا، أنا أحاول أن نعمل بهذا الاتجاه وأن نقدم الكوميديا أكثر من التراجيديا، وهو السبب نفسه- وأعود للدراما- والذي دفعني إلى المشاركة بمسلسل أزمة عائلية، أنه يتحدث عن الأزمة بطريقة كوميدية نوعا ما وبطريقة يستطيع المشاهد متابعتها بطريقة أفضل مما يعرض من مسلسلات درامية تحاكي الأزمة.

على ذكر مسلسل أزمة عائلية وهو من إخراج هشام شربتجي، لم يحقق المسلسل نسبة المشاهدة المطلوبة وكثيرون وجدوه مسلسلاً مملاً وامتنعوا عن المتابعة، ما تعقيبك؟

تجربة الكوميديا جداً حساسة، فهناك من وجد المسلسل مملاً ومنهم من تابعه، ربما نحن قصرنا بطريقة ما، ولكنني أعتبر أن النص- وهو من تأليف شادي كيوان- من أهم النصوص الكوميدية التي تحدثت عن الأزمة. ربما نحن كممثلين لم نقدمه كما يجب، أو ضمن الرؤية الخاصة بالمخرج الأستاذ هشام شربتجي الذي لا يمكننا الشك بقدراته. إن حققنا خمسين بالمئة من المشاهدة، فهذه النسبة تكفيني لأن منها سننطلق ونقدم الأفضل، وخاصة أن الناس تعودت مسلسل عائلة خمس نجوم- علما أنه للمخرج نفسه- والأجزاء التالية له، وبرأيي لغة الحرب اليوم هي لغة مختلفة عن اللغة التي كُتب بها مسلسل عائلة خمس نجوم وباقي أجزائه، وهنا أحب أن أشير إلى نقطة مهمة، فالجمهور يرى مسلسل عائلة خمس نجوم هو الأفضل من باقي الأجزاء، واليوم نحن لا يمكننا العمل بالآلية السابقة نفسها التي قدمت بها آلية مسلسل عائلة خمس نجوم فالأزمة تتطلب منا طريقة مختلفة.

أنت ممثلة لا تحب الاستسهال وتحب تقديم الشخصيات المركبة، إلى أي مدى أنت مقيدة فيما يقدّم لك من عروض؟

من بداياتي وحتى اللحظة وأنا أفكر وأسأل نفسي سؤالا متكرراً «ماذا أريد من الفن، وما الرسالة التي سأقدمها، وهل أريد الشهرة أم الأموال؟»، طبعا جوابي أنني كما ذكرت، أنا أرى أن الفن رسالة ولابد من أن أقدم شيئاً مميزاً، وبالفعل منذ بداياتي أنا حاسمة بألا أقدم نفسي إلا ممثلة حقيقية، فمثلت أدواراً على قدر من الأهمية، ولم يكن مرورها عابرا، وكانت لدي الرغبة- ومازالت- بأن أجسّد الشخصيات التي تعني المرأة السورية- علما أن جمهوري من السيدات أكثر من الرجال- فمثلا في مسلسل «ليس سرابا» الكثير من السيدات صادفنني وقلن لي: «شعرت بأنك تعيشين معي وتعلمين بأدق تفاصيل حياتي، لقد مثلتني بشكل رائع جدا». ومن جهة أخرى أنا أعمل على شخصياتي وأتدخل فأبنيها مع المخرج والمؤلف ومن بعدها أقوم بتمثيلها، وبالفعل الشخصية التي فيها إشكال تأخذ حيزا، لأنها تحتاج إلى تمثيل وإلى جهد وأنا أبحث دائماً عن الأمور الصعبة، فكل ما مثلته يؤهلني كي أكون ممثلة وجديرة ولي مكانتي، وهذا أخذ مني وقتا وجهدا كبيرين، وربما طريقتي هذه هي التي جعلتني أبتعد عن التلفزيون على الرغم من الأدوار النجومية التي عُرضت علي، ولم أعمل في المجالين التلفزيون والمسرح معا وأوازن بينهما، هذا ما لا أندم عليه مطلقا ولكن حقيقة ربما كان الدرب أقصر. بالنسبة للشق الثاني من السؤال، في سياق عملنا وبالعموم نحن لسنا مخيرين، بل يُعرض علينا الدور، ونحن نوافق عليه ونقوم به أو نرفضه، بالطبع لم يكن لدي الحرية في اختيار الأدوار إلا في مرحلة زواجي من المخرج يوسف رزق، فمثلا في مسلسل «رقصة الحباري» كان يريد أن يعطيني دوراً آخر، ولكنني كنت مصرة على دوري الذي قمت به، وبالفعل جلست مع الأستاذ خيري الذهبي وحوّلنا الدور إلى دور مهم وأطول مما كان، وهنا لابد لي من الإشارة إلى أنه على الرغم من أنني كانت لدي حرية اختيار الأدوار في فترة زواجي من المخرج يوسف رزق، إلا أن هذه الحرية نابعة من إيمانه بموهبتي وحتى بعد انفصالنا، ومن جهة ثانية أنا أقدره جداً وأحترمه، لأنه كان يعطيني من الأدوار ما أومن به حقا وأحب تمثيله، وهو مدرك أنني إن لم أكن مقتنعة فببساطة أعتذر.

يهمك تجسيد أدوار المرأة السورية… ماذا عن شخصية «هموم» في مسلسل عناية مشددة؟

عندما عُرض علي العمل ترددت كثيراً لأنني بالأساس لا أفكر بتلك الطريقة، ولكن أقنعي المخرج أحمد إبراهيم لمّا أخبرني بأن الشخصية هي لامرأة حقيقية لها اسم وتسكن في منطقة من سورية وكانت تربت على يد جزار في المسلخ.

هل رأيت صورتها قبل أن تقومي بالدور؟

لا أبدا، حتى إنني لا أحب أن أرى صوراً للأشخاص بل أقوم بالشخصية وبعدها يمكن أن أشاهد صاحب الشخصية الحقيقية، ولكن حتى اللحظة لم أشاهد الصورة الحقيقية لشخصية «هموم».

هل «هموم» هي أصعب شخصية قمت بأدائها؟

لا أبدا بل قمت بشخصيات أصعب منها في بداياتي، وخاصة في ذلك الوقت لم يكن لدي الخبرة الكافية، فمثلا أنا أحب شخصيات مسلسل «نساء من هذا الزمن» لأنها صعبة كثيراً وفيها العديد من الإشكاليات، وفي وقتها فكرت كثيراً كيف سأقدم الشخصية وأكون مؤثرة في الجمهور، وخصوصاً أنني أتعاطف مع الشخصية التي أريد تمثيلها وأحاول أن أجد مبرارات لها كي تكون بالنتيجة شخصية إنسانية إلى حد بعيد، وبالعودة إلى شخصية «هموم» لم يكن لدي أي مرجع أعود إليه كي أبني الشخصية، إلا الخيال والحكايات التي يتكلمون فيها عن الإجرام والحرب، وقدمت الدور بناء على ذلك مع توجيه المخرج، خبرتي ساعدتني وربما لو قمت بهذه الشخصية في أول مشواري الفني لما استطعت اتقانه.

هل يمكن أن نشاهدك بأدوار تجسد الحب والمرأة الشفافة؟

كنت قدمت هذا النموذج المسحوق في دور من مسلسل «الأميمي» مع الممثل عباس النوري، ولكن الدور كان صغيرا لهذا لم يعلق في ذهنية المشاهد، وما أريد هنا التركيز عليه، أن معاناة المرأة في الحب تُكتب بطريقة واهية غير عميقة، على حين نحن نبدع في كتابة أدوار الشر التي تحرك الأحداث في القصة، لكن أتمنى أن تُكتب أدوار تُعالج قضايا الحب عند المرأة وتخلق إشكالية في القصة وتكون محركا عميقا للأحداث، حينها لن يكون عندي أي مانع.

إذاً.. إلى حد ما نحن نعاني من فقر في عمق الكتابة؟

في الشخصيات المحبة، بالفعل لا يوجد عمق، وهنا نقول إن الحب لا يصنع عقدة كبيرة، أو إشكالية بشخصية، ربما نحن شعب يحب الشر أكثر من الحب لهذا نبدع بالأخير.

ما رأيك بالشابات من الممثلات السوريات؟

هناك تنوع بالمستويات، منهن الجيد ومنهن الوسط ومنهن ما هنّ دون الدون، فمثلا الفنانة سلافة معمار تقدم دائماً الأدوار التي فيها الإشكاليات سواء مثلا في مسلسل «أرواح عارية» أو «قلم حمرة» أو «خاتون»، كما تقدم الفنانة أمل عرفة نفسها سواء بالكوميديا أو التراجيديا بطريقة مهمة. وهنا لابد لي أن أقول أمرا مهما، الفن أناني جدا، يأخذ كي يُعطي، فهو قادر على استحواذ المرء وتملكه، وهو كالبحر تماما قادر على لفظ كل ما هو سيئ، فمن يرد منه المال يعطه إياه ولكن إلى متى؟ ومن يرد منه الشهرة يعطه إياها، ولكن إلى متى؟ وأضيف إن السيدة الفنانة القديرة منى واصف بقيت طوال عمرها ممثلة ومنحت عمرها كلّه للفن ومازالت متألقة في الساحة، وبالمقابل نلاحظ كيف تمتطي الفنانات الشابات الشهرة ويصعدن بسرعة، هذا لن يدوم، إنه آني لم يقم على أسس متينة، ومن هنا تظهر أنانية الفن، لأنه يتطلب الاستمرار، فالجمال لن يدوم وكذلك المال والشهرة، وهذا الكلام لا يخص الفن السوري فقط بل فن العالم كله، فمثلا الفنانة القديرة هند رستم، كانت ممثلة إغراء، وعندما شعرت بأن الأدوار لم تعد تناسبها، انسحبت من الساحة واكتفت بالجلوس في المنزل، وهذا أمر يحتاج إلى ذكاء وجرأة في الاختيار، وخاصة أنها تركت وهي على قدر كبير من الأهمية في أدوارها، إضافة إلى أنها قدمت الإغراء غير المبتذل.

أنت من الأشخاص الذين يقدّرون النعمة كثيراً ويحمدون اللـه بشكل دائم على عطاياه؟

أنا امرأة مؤمنة وأحب اللـه كثيرا، وأؤمن بأن لكل إنسان رزقه، فالله يساعدنا ويهتم بنا، هذا وأنا متسامحة جداً وراضية بما وصلت إليه، ومتفائلة جداً وقنوعة في الوقت نفسه، أنظر إلى ما هو حولي من صحتي وصحة أولادي وعملي، وقاعدتي هي ألا أنظر إلى من هم أكثر مني في العطايا، بل أنظر إلى من هم أقل مني، ولأن نيتي صافية في عملي وحياتي أشعر أن اللـه أعطاني على قدرها. واليوم أتمنى لو أن أبي على قيد الحياة كي يعرف أنني لم أخذله وأنه كان محقا في وقوفه معي في امتهان الفن.

أنت فنانة تغارين بشدة على المسرح؟

المسرح هو أبو الفنون وبالتالي أشجّع كل الخريجين على ألا يتوقفوا عن التمثيل في المسرح، لأنه سيصقل موهبتهم، ويستطيع الممثل من خلاله أن يختبر كل أدواته، وعلى أي فنان كي يختبر نفسه كممثل أن يبدأ من المسرح وينتهي فيه.

ولكن كيف للممثل أن يفضّل المسرح وهو من الأمور الثقافية التي لا تؤمن كفاف الحياة؟

لا يتم التسويق للمسرح بالشكل الجيد، ثانيا أساسه الاقتصادي سيئ جدا، وكنا ناقشنا وزير الثقافة بأن نهتم ماديا بالمسرح وقوبل الطلب بالترحيب، واليوم نسعى جادين كي نستقطب المخرجين والكتّاب والممثلين الجيدين للعمل المسرحي. ونعود إلى الأزمة ومخلّفاتها فالحصار الاقتصادي الذي عاني منه المواطن بشكل عام والممثل بشكل خاص، جعل من الحق الطبيعي للممثل أن يختار عمله الدرامي ويفضلّه على المسرح، وفي ضوء هذا أكرر أننا نسعى لتحسين المردود المادي رغم أنه لا يتناسب مع الجهد والتعب المبذول.

أمانة والي أولى امرأة سورية تستلم منصب مديرة المسرح القومي، كيف همّتك؟

بصراحة أنا لست ضليعة بالإدارة ولم أعمل بها من قبل ولكنني أعرف تماما كيف تتم العملية المسرحية، وقبلت بالمنصب في سبيل أن أحسن أو أقدّم أي شيء ضمن رسالة الفن التي أسعى إلى تحقيقها، وكي أكون أكثر وضوحا اليوم نحن في المديرية نسعى كي نقدم شيئاً مهماً أو أن نجرب أمورا جديدة، وأن نقدم احتفالا مسرحيا في موسم مسرحي، كما فعلّنا المسرح التجريبي وفعلّنا مسرح الشباب، مع تقديم منح للشباب لتشجيعهم، هذا وكان السيد مدير المسارح قد أطلق يدي- مشكورا- وطلب أن نقرأ ونناقش النصوص المقدمة، وبالنتيجة إذا استطعت أن أحقق نسبة عشرة بالمئة مما أطمح إليه فأنا موافقة، وإن وجدت نفسي أنني فشلت فببساطة سأنسحب، ولكن سأبذل جهدي لأنني متفائلة بأنني لن أفشل.

في الماضي قدمت مسرحا متجولا مع مخرج أجنبي في بلاد أجنبية، اليوم هل لديك التفاؤل بأننا سنقدم ثقافة مسرحية مختلفة على الرغم من الواقع المفروض؟

نعم متفائلة، حتى إننا في طريقتنا الحالية في العمل في مديرية المسرح القومي نعمل بجهد كي نخطط ونجهز الأمور بشكل مسبق، حيث اجتمعت مع المخرجين وأخبرتهم بأنني بدءاً من حزيران القادم، علينا أن نعرف ماذا سيقدمون لنا في العام القادم من عروض، يجب أن يكون موسم عام 2019 جاهزا، ولن ننتظر أحدا، فكل مسارح العالم- وبالفعل في هذه المسرحية التي تجولت فيها- كنا قبل ستة أشهر نعرف ماذا سنأكل وما سيُقدم لنا من وجبات، فكيف إذاً بالنسبة للتخطيط للأمور الأعمق والأهم. نحن لا ينقصنا شيء وعلينا أن نجهز خططنا وعروضنا لا أن يأتي الموسم ونحن لم نستعد بعد. وهنا يمكنني أن أذكر بأننا نتواصل مع الفنان أيمن رضا وهو على استعداد كي يقدم مسرحية وهي في طور الكتابة وسيتم العرض في حديقة تشرين، وهذا أمر مطروق جداً في الغرب وعلينا نتّبع أساليب جديدة في تطوير الثقافة المسرحية.

في نهاية حديثنا.. كلمة أخيرة

المسرح أبو الفنون، أحبوا المسرح وساهموا في بناء مسرح يخصكم ويخص مشكلاتكم، هذا الكلام للجيل الجديد الذي أصبح بيني وبينه فارق أربعين عاما، فمعاناتنا تختلف عن معاناتهم، والمسرح أصبح مسؤوليتهم ونحن علينا مساعدتهم. كما ننتظر أن تنتهي المشاكل في سورية الحبيبة التي هي معافاة إن شاء الله، فرغم ما مرّ عليها من انكسارات فإن شعبها شعب صامد وعظيم، وأنا أحييه لأنه تحدى رغم ما مر عليه في السنوات السبع، وأرى أن الفن السوري الحقيقي سيأتي بعد انتهاء الأزمة، لأننا سنرى المشاكل من بعيد وبشكل أعمق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن