ثقافة وفن

مستطيل الشاشة ينبغي أن يكون مشحوناً بالعواطف … «التقنيات السردية في السينما» وشواهد كلاسيكية ومعاصرة لتعزيز الرؤية الفنية

| سارة سلامة

«التقنيات السردية في السينما»، كتاب صادر حديثاً عن وزارة الثقافة- المؤسسة العامة للسينما، من تأليف جينيفر فان سيجيل، وترجمة زياد خاشوق.
إن هناك العديد من الوسائل الكفيلة بتمرير الأفكار إلى الشاشة، وما الحوار إلا واحدة منها، حيث يجمع هذا الكتاب مئة تقنية غير حوارية ويعرض ما يشبه الموسوعة للسرد السينمائي معززة بالشواهد والأمثلة المستقاة من أشهر المشاهد في تاريخ السينما.
ويطمح الكتاب إلى ربط المنهجين المتمثلين في إخراج الفيلم بالمعنى الواسع للكلمة والكتابة السينارية، آملاً في أن يزاوج ما بين الجمالية والتقنية ومستوحياً على سبيل الاستشهاد بعضاً من أشهر المشاهد في تاريخ السينما.
وضمّ خمسة عشر فصلاً وهي: «الفراغ، الصورة، المونتاج، الزمن، المؤثرات الصوتية، الموسيقا، تأثيرات الربط، العدسات، سلّم اللقطات، حركة الكاميرا، الإضاءة، الأدوات والملابس، المشاهد الخارجية، الظواهر الطبيعية».

ترجمة للطريقة التي تنتج السينما
وتقول الكاتبة سيجيل في مقدمة الكتاب: «إنها لطالما حاولت البحث عن الطريقة السينمائية لرواية قصة عن طريق تتابع لقطات وأجزاء من أفلام فيما بينها، عندما نكتب فيلماً لا بد في كل مرة نستطيع فيها ذلك، إيلاء الأفضلية للمرئي على الحواري، وباختصار، يمكن القول: إن مستطيل الشاشة ينبغي أن يكون مشحوناً بالعواطف.
وكصدى لعبارات هيتشكوك هذه، يقدم كتابنا هذا 100 مثال من التقنيات السينمائية البحتة التي تبني قصة الفيلم، من متروبوليس إلى اقتلي بيل، تبين مقتطفات من سيناريوهات شهيرة، كيف يمكن خلق الطباع وإسباغ الحيوية على الحركة وإعطاء الحبكة كل قوتها عن طريق العمل على التأطير وحركة الكاميرا والنور.
إن قوة هذا الدليل المرجعي الحقيقي الموضوع تحت تصرف السيناريين والمخرجين وعشاق السينما كافة هي في تقديم ترجمة بسيطة وفعالة للطريقة التي تنتج السينما فيها المعاني، وذلك بفضل استنساخ العديد من الصور بشكل خاص، وتقديم البينة، عبر شواهد كلاسيكية ومعاصرة معاً، على أن الفيلم ليس مجرد «تصوير لأناس يتكلمون».

الصورة والتقنيات رديف للحوار
ويقول المترجم زياد خاشوق في تقديمه للكتاب: «الكاتبة قامت بتجميع وتصنيف الممارسات التي لجأ إليها العديد من السينمائيين وكتّاب السيناريو للتعبير عن بعض الأفكار حيث تصبح الصورة والتقنيات الأخرى رديفاً للحوار، إن لم نقل بديلاً منه، وقد نظمته في خمسة عشر فصلاً اختصّ كل منها بناحية معينة، وعلى هذا يمكن الرجوع إليه فصلاً فصلاً عند الحاجة، الأمثلة الواردة مدعمة بالصور وبمقتطفات من السيناريوهات، وهنا لا بد من الإشارة إلى أكبر الصعوبات التي يتضمنها الكتاب، فغالباً ما نجد أن لا بد من معرفة الفيلم أو المشهد المقصود، طبعاً يمكن للمختص الرجوع إلى مكتبة الأفلام، إن وجدت، أو إلى مواقع الإنترنت حيث يجد ضالته، إضافة لذلك، نذكر بأن السيناريو المكتوب غالباً ما يكون عبارة عن «مشروع أو مسودة للعمل»، وعلى هذا سنجد اختلافاً بين ما كان مخططاً للمشهد وبين المشهد المنفذ، واعتمدت الكاتبة في هذا الكتاب على مجموعة من الصور التوضيحية وهي صور في غاية الأهمية أو حتى لا يمكن الاستغناء عنها لفهم الأفكار المطروحة».

ما السرد السينمائي؟
خلال السنوات العشرين الأولى من عمر السينما، كانت الحكاية تُروى بواسطة الصور وحدها، وبما أن الصوت المرافق لم يكن قد أحدث بعد، فإن أفلاماً مثل سرقة في القطار السريع ومتروبوليس والمدرعة بوتمكين كانت تعرض الحبكة الروائية والشخصيات من دون اللجوء إلى الحوار، وفي الحالات القصوى، عندما كانت القصة تتطلب شيئاً من الشرح، يلجأ إلى استخدام البطاقات.
كانت وسائل السرد الوحيدة تتمثل في وضعية الكاميرا والإضاءة والتشكيل والحركة والمونتاج، ولم تكن الوسائل السينمائية، مثلها كمثل الكاميرا، تفيد فقط في تصوير مشهد ما إذ كان من مهمتها السير قدماً في الحكاية وعرض طبائع الشخصيات.
ومع دخول الصوت، في عام 1926، ظهرت في الفيلم الحوارات والأصوات الخارجية، هذه الأدوات الخاصة بالأدب والمستقاة من الروايات والمسرحيات فرضت نفسها على السينما، وعلى هذا فقد أبدى بعض المتشددين استياءهم من دخول الصوت على حين رأى البعض الآخر في ذلك تطوراً حميداً، وأياً كان الأمر فقد أصبح هذان النظامان السرديّان تحت تصرف كتاب السيناريو والمخرجين.

الشكل في الصورة
يمكن لأشكال الأشياء أو التكوين الإجمالي أن توحي ببعض الأفكار ومختلف الانفعالات وذلك حسب استخدامها في السياق، ومتفقون على الإقرار بوجود أشكال ثلاثة أساسية: الدائرة، المربع، المثلث، يشتق مما سبق أشكال أخرى: نصف الدائرة، المستطيل، المعين، المثمن..، بالطريقة نفسها التي توجد فيها الأشكال العضوية بأعداد غير محدودة.
اشراكات تقليدية: يشترك منظروا البصريات غالباً بأفكار وانفعالات خاصة، ومنها ما ذكره بروس بلوك في كتابه «القصة البصري»:
أشكال مستديرة: طبع غير مباشر، سلبي، رومانسي، مرتبط بالطبيعة، لطيف، نقي، مرن وغير خطر.
أشكال مربعة: طبع مباشر، صناعي، منظم، خطّي، غير طبيعي، بالغ وصلب.
أشكال مثلثة: طبع عدائي وديناميكي.
وينبهنا بلوك أن هذه الإسقاطات ليست بقوانين فتبعاً للحبكة يمكن إجراء العديد من الإشراكات الجديدة، الشكل ليس سوى عنصر في الصورة من بين عناصر أخرى.
لقد استخدم الشكل بطريقة معبرة في الشاهد حيث يعبر المثلث عن ديناميكية الثلاثي العاشق.

مبادئ المونتاج
حدد فسيفولود بودوفكين خمس تقنيات للمونتاج تبقى هي المرجع في المونتاج العصري: التناقض، التوازي، الرمزية، التزامن، تكرار اللازمات.
حسب رأي بودوفكين، يمكن للمونتاج المبني بناء جيداً التأثير على المشاهد، بيد أنه كان يعتقد أن الاضطلاع بهذه المهمة يعود إلى السيناريست والمونتير في آن واحد، إذ إن هدف مهنتهما هو «توجيه المشاهد نفسياً».
تبين هذه المبادئ الخمسة الطريقة التي تتيح فيها خيارات المونتاج المتعددة إحداث الانفعالات النوعية، هذه المبادئ التي ما تزال سارية المفعول تم عرضها في كتاب نظرية الفيلم والنقد لكـل من بروجي وك. مارشال، ونشر بودوفكين للمرة الأولى هذه المبادئ في العام 1926 في موطنه الأصلي روسيا.

ربط الصورة والصوت
يتيح الربط الانتقال من لقطة إلى أخرى من أجل الإشارة إلى نهاية مقطع وبداية مقطع آخر، يقدم المونتاج إلى السيناريست والمخرج إمكانية تمرير أفكار إضافية، الوصل، الذي هو إحدى الطرق لربط مقطعين من الناحية البصرية، يمارس أيضاً في مجال الصوت.
التراكب الصوتي: رغم أن لفظة «تراكب» لا تنتمي إلى المصطلحات التقنية، إلا أننا نستخدمها سعياً إلى وضوح أكبر إذا ما قارناها بالوصل البصري، يشبه التراكب الصوتي إلى حد بعيد المزج المتدرج: الصوت في نهاية لقطة ما يستمر ويمتد إلى اللقطة التالية خلال بعض الوقت.

الإضاءة
لقد طوّر الرسام الإيطالي كارافاجيو مفهوماً جديداً عن الدور، باستخدامه للتناقض الشديد بين الضوء والعتمة: إضاءة جانبية شديدة تجعل الشخصيات تبرز من العتمة وهي مضاءة بشكل عنيف ومن دون انتقال تدريجي، يقال إن هذه التقنية تؤكد الناحية الدرامية أو الواقعية، في السينما، هذه الإضاءة المعروفة لدى العامة باسم الضوء الرامبرانتي (على طريقة رامبرنت) تستخدم غالباً في اللحظات المفتاحية من القصة، حيث يتم التعبير عن تساؤلات فلسفية حول الخير والشر، أو الحياة والموت.
الإضاءة التلفزيونية: أو بشكل عام إضاءة التمثيليات الهزلية أو المسلسلات المصورة بالفيديو، إضاءة برّاقة، مسطحة، من دون ظلال، ويمكن للموضوع المعالج، في حال تبنيها، اكتساب شيء من القوة الدرامية.
الإضاءة بالشموع: تتمتع الإضاءة بالشموع بمزايا صميمية تبرز الوجوه وتلطف وتدفئ المشاهد الجسدية، وتوحي بالمشاهد العاطفية والاحتفال والتناغم مع بقائها مرتبطة تاريخياً بالعصور السابقة للقرن العشرين.
الضوء المبرر: يمكن القول عن الضوء في لقطة ما إنه مبرر عندما يتطابق مع المصادر الضوئية الموجودة منطقياً في الصورة، ويمكن أن يكون عبارة عن مصباح في الشارع غير مرئي على الشاشة، غير أن ضوءه ينير الشخصيات أو مصباح منزلي موجود ضمن الديكور.
الضوء غير المبرر: من وجهة النظر التقليدية يعبر النور عن الخير، والظلام عن الشر في فيلم «ليون» استخدم لوك بيسون ضوءاً غير مبرر من أجل إعادة تقييم الادعاءات التي تثقل على بطله «ليون» القاتل المحترف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن