اقتصاد

«ترويكا» محيرة: فرص وشواغر وبطالة!

| د. اسماعيل قاسم

تناقض صارخ تشهده سوق العمل منذ فترة، إذ في الوقت الذي تتحدث فيه العديد من التقارير الاقتصادية عن معدلات مرتفعة للبطالة في البلد، هناك من يتحدث في عالم التجارة والأعمال وحتى في القطاع العام؛ عن نقص في اليد العاملة بمختلف مؤهلاتها، مع توافر للشواغر!
بين فرص العمل المتوافرة والشكوى من قلة الأيدي العاملة أين ذهب الباحثون عن عمل؟ ولماذا يرفضون هذه الفرص؟ وهل حقاً نعيش في ظروف بطالة مرتفعة؟ هي أسئلة تدور في ذهن الكثيرين ويكون الجواب العفوي أن تدني الأجور وعدم وجود قوانين كافية لحفظ حقوق العاملين هو السبب المعلن لعدم تشجع الشباب للتقدم إلى العمل.
لكن الحقيقة المخفية تكمن في تعطل دور التنمية البشرية في معالجة البطالة فما حقيقة البطالة؟ وكيف نكبح جماحها؟
ليست البطالة مشكلة طارئة على المجتمع السوري فهي مشكلة متجذرة في الواقع الاقتصادي إلا أن الجديد في هذا المجال ما خلفته سبع سنوات من الحرب ما أدى إلى تفاقم هذه المشكلة وتأثيرها السلبي في سوق العمل ومقدراتها، فقبل الأزمة كانت نسبة البطالة تتراوح بين 7-9% وهي نسبة مقبولة نوعاً ما بغض النظر عن البطالة المقنعة أما حالياً بعد سنوات الأزمة فقد ارتفعت النسبة إلى ما يزيد على 50% حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث والأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية في عام 2015، أما في عام 2018 قد تكون النسبة تجاوزت ذلك الرقم، مما سوف يؤثر المستوى المعيشي لعدة ملايين من السوريين، الأمر الذي يعزى إلى نزوح السكان من مناطق الحرب بفعل إجرام العصابات الإرهابية، إضافة إلى تراجع حجم الاستثمارات العامة والخاصة وتوقف المصارف من منح القروض الإنتاجية والاستثمارية وصرف الكثير من العاملين في القطاع الخاص.. الخ من الأسباب، التي لسنا في صدد تعدادها وإنما من أجل قرع ناقوس الخطر ليس من أجل القضاء على هذه الظاهرة وإنما من أجل كبح جماحها وذلك من خلال وضع مجموعة من الحلول والمقترحات وتسليط الضوء عليها بدلاً من التعتيم، في ظل عدم توافر معطيات دقيقة معلنة حجم البطالة وتوزعها.
إن الآثار الناجمة عن البطالة خلال الأزمة كثيرة، وعلمياً، تنقسم الآثار إلى شقين أساسيين، اقتصادياً من خلال تدني الناتج القومي نتيجة وجود موارد بشرية معطلة وبالتالي حرمان الاقتصاد الوطني من قوة عاملة كانت ستسهم في تنميته بقوة وارتفاع معدلات الفقر نتيجة انخفاض الدخل القومي وتراجع القوة الشرائية لدى قطاعات واسعة من السكان يضاف إليها خسارة الاقتصاد للكفاءات والمؤهلات العلمية نتيجة هجرة العقول لعدم توافر فرص العمل المناسبة.
أما اجتماعياً، فتتجلى آثارها من خلال انهيار القيم والأخلاق لدى قسم من العاطلين من العمل ما يدفعهم للعمل في قطاعات مشبوهة وانتشار السرقة والنهب العشوائي وغير العشوائي وتجارة المواد غير المشروعة والتهريب واستنزاف مقدرات الروابط الأسرية نتيجة عدم تأمين الدخل الكافي لإعالة الأسرة وانتشار ظاهرة عمل الأطفال.. يضاف إلى ذلك تأخر سن الزواج وارتفاع نسب العنوسة وتنامي الأمية داخل المجتمع.
لذا، على الحكومة وضع الحلول العلاجية لهذه المسألة لعلها تحد من تفاقمها وذلك من خلال وضع الأسس والمعايير العلمية السليمة للمشروعات والسياسات المالية الناجعة التي تتعلق بالإنفاق العام من جهة والضرائب والرسوم على عمل القطاع الخاص لأنه المشغل الأكبر للقوة العاملة من جهة ثانية.
كما يجب فتح باب القروض الإنتاجية والاستثمارية للقطاع الخاص وتقديم التسهيلات المصرفية من ناحية الفائدة لأقساط، يضاف إلى ذلك تأمين مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية اللازمة لإنجاح عملية الإنتاج والتعاون مع المنظمات الإنسانية والدولية نحو توجيهها للعمل في المناطق الآمنة.
أما ما يتعلق بسوق العمل فيجب اتباع سياسات تعليمية وتأهيل العاملين وإخضاعهم لدورات تدريبية على نحو مستمر والتركيز على هيكلية القوى بما يناسب مع حاجة المشروعات القائمة والتطورات التقنية والإنتاجية فيها وتطوير أداء العاملين في القطاع الخاص والعام.
إضافة إلى اتخاذ الضوابط والإجراءات والتشريعات الضامنة لحقوق العمال وإلغاء الحد للأجر ودراسة متوسط الاستهلاك الحقيقية للفرد ورفع الأجور بما يتناسب مع ذلك والتركيز على الحقوق الاجتماعية المتعلقة بالعمل كالضمان الصحي وتأمين الشيخوخة.. إلخ، إلى جانب فتح باب الاستثمار سواء كان داخلياً أم خارجياً وتوزيعه بشكل عادل على جميع المناطق حيث أثبتت الأزمة التوزيع الخاطئ للمنشآت والثروات.
وأخيراً.. لا تملك الحكومة ولا أعضاء مجلس الشعب العصا السحرية لتغيير الواقع وإنما على المجتمع السوري بجميع مكوناته أن يتحرك يداً بيد للحدّ من هذه الظاهرة من خلال تفعيل برنامج الإصلاح الإداري والاقتصادي الوطني وتفعيله على كل القطاعات في المجتمع السوري في إعادة إعمار سورية يتطلب اليد العاملة الواعية للمخاطر والصعوبات وفي الوقت نفسه يجب أن تحظى هذه اليد بالعيش الكريم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن