قضايا وآراء

«أوراسيا».. نظام عالمي جديد يتحدى الهيمنة الأميركية

| قحطان السيوفي

بعد سقوط جدار برلين وانفتاح الصين، برزت كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية، ككيان متميز، ذات أهمية اقتصادية وإستراتيجية، ويعتقد المراقبون أن ظهور «أوراسيا» ككتلة أوروبية آسيوية يابسة مترابطة يُعتبر العامل الأهم في نظام عالمي جديد للقرن الـ21 في قارة أوراسية عملاقة، وبالدرجة الأولى الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وهي أكبر كتلة يابسة على الأرض، حيث نشأت وتطورت معظم الحضارات العظيمة في التاريخ البشري.
يقول الوزير السابق للشؤون الأوروبية في البرتغال، مؤلف كتاب «فجر أوراسيا» الخبير في الجغرافيا السياسية ماسايس: في التاريخ وفي الواقع، تبدو الأهمية الجيوسياسية لأوراسيا موجودة وتعتبر كتلة اليابسة الأوراسية أنها الجزيرة العالمية، ومن يحكمها يحكم العالم، ومفهوم أوراسيا أصبح شاغلا رئيسيا للسياسة المعاصرة.
الصين وروسيا تفكران في الأصل بمفاهيم أوراسية؛ الصين من خلال مبادرة «الحزام والطريق»، لتفعيل التجارة بربط أوروبا وآسيا برا، وإمكانية السفر برا من شنغهاي إلى لشبونة، وروسيا من خلال «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي» الذي أنشأته أخيراً، ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي غير قريب حتى الآن في التعامل مع كتلة أوراسيا.
أزمة اللاجئين وسوء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا حول أوكرانيا، هي مشاكل أوراسية، والبعض يرى أن القول باعتبار أوراسيا هي المفتاح إلى «نظام عالمي جديد»، يضعف دور وهيمنة الولايات المتحدة.
لقد أثار الرئيس دونالد ترامب خوف الليبراليين الغربيين بسبب الفتور مع المؤسسات الغربية، كالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وبالمقابل تحاول إدارة ترامب الحفاظ على الهيمنة الأميركية في المحيط الباسفيكي، وهذا تحد واضح لطموحات الصين.
إن أكبر سؤال إستراتيجي يواجه الصين الصاعدة، ليس تطوير كتلة اليابسة الأوراسية فحسب بل أيضاً محاولة السيطرة على البحار في منطقة آسيا الباسيفيكي، حيث تواجه خصوما هما الولايات المتحدة واليابان.
الصين لن تختار أوراسيا أو منطقة آسيا الباسيفيكي لتكون محور التركيز الرئيسي لطموحاتها الإستراتيجية، لكن ستكون المنطقتان حاسمتين لميزان القوى الناشئ في القرن الـ21، ومن جهة أخرى العلاقة بين الصين وروسيا هي واحدة من كبرى المحددات للاستقرار في أوراسيا وآسيا، وهي تساهم في تشكيل النظام العالمي الجديد.
يرى العديد من المختصين أن الشراكة الإستراتيجية الصينية الروسية تستند في المقام الأول إلى عدم رضا الدولتين عن هيمنة الولايات المتحدة على النظام العالمي، وتجسدت هذه الشراكة من خلال تزايد التعاون في مجال الطاقة والتجارة ومبيعات الأسلحة الروسية إلى الصين، والتعاون الدبلوماسي حول الشرق الأوسط بما في ذلك التنسيق مع الدولة السورية لمحاربة الإرهاب.
يأمل البلدان الحد من الهيمنة الأميركية من خلال دور أقوى لمجلس الأمن الدولي، وهما عضوان دائمان ولهما حق النقض، ويأمل البلدان في لعب دور أكبر في عالم متعدد القطبية تستطيعان فيه حماية مصالحهما، ومصالح أصدقائهما، كما تأمل الصين وروسيا إصلاح المؤسسات الدولية التي باتت الولايات المتحدة تتلاعب بها، وتطوير المنظمات المتعددة الأطراف، مثل مجموعة بريكس التي تضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب إفريقيا، ومنظمة شنغهاي للتعاون من ناحية أخرى.
إن روسيا شريك إستراتيجي مهم للصين، وتعتبر العلاقات الروسية الصينية واحدة من أهم العلاقات على مستوى النظام الدولي، فكلتاهما عضو في النادي النووي الدولي، وهما أيضاً من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وروسيا لديها من الإمكانات والقدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية ما يؤهلها لتكون لاعبا فاعلا ومؤثرا في النظام الدولي، أما الصين فهي العملاق الصاعد من شرق آسيا المنطلق بقوة إضافة للاقتصاد والأمن والمصالح في آسيا الوسطى، وبالنسبة للاقتصاد تعتبر الطاقة المادة الأكثر أهمية في التبادل الاقتصادي بين روسيا والصين، وفي آسيا الوسطى التي تشمل كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان تمتلك هذه الدول احتياطات كبيرة من الطاقة وتحتل موقعاً استراتيجياً بين الصين وروسيا والشرق الأوسط.
آسيا الوسطى تمثل الحديقة الخلفية لروسيا التي تعتقد أنها تدخل ضمن دائرة نفوذها، أما الصين فلها ثلاثة أهداف رئيسية في آسيا الوسطى، الأول هو ضمان الاستقرار في إقليم شينجيانغ في شمالها الغربي، والثاني أنها تريد المزيد من العلاقات القوية الاقتصادية والبنية التحتية مع آسيا الوسطى، والثالث تسعى الصين لزيادة واردات الطاقة من آسيا الوسطى.
تعتقد الصين أن خطوط الأنابيب عبر آسيا الوسطى أكثر أمانا من إمدادات الشرق الأوسط، ترغب روسيا والصين في القضاء على الإرهاب، النزعات الانفصالية والتطرف الديني في المنطقة ويعمل البلدان على الحد قدر الإمكان من النفوذ والهيمنة الأميركية والوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
تتألف منظمة شانغهاي للتعاون من الصين وروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وأنشئت في عام 2001، لتوفر آلية لروسيا والصين للتعاون بشأن القضايا المهمة ذات الصلة بآسيا الوسطى، وتشعر بكين بقلق كبير بسبب مشكلة الإرهاب الإيغور.
صعود كتلة أوراسيا ومحركها الرئيس روسيا والصين، ككتلة جغرافية برية هائلة ذات أهمية اقتصادية وسياسية إستراتيجية كبيرة؛ هو إيذان بميلاد نظام عالمي جديد في القرن الـ21 يمثل الكثير من التحدي للنفوذ والهيمنة الأميركية في العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن