قضايا وآراء

قضايا حقوق الإنسان

| مازن بلال

تثير قضايا حقوق الإنسان المتعلقة بالغوطة الشرقية مسألة أساسية في طبيعة الصراع الدائر حالياً في سورية، فبينما يحاول بعض الدول الأوروبية عبر مجلس حقوق الإنسان إثارة الموضوع من زاوية الضغط على الحكومة السورية؛ فإن الولايات المتحدة تحاول توجيه لوم مشترك إلى كل من دمشق وموسكو، ورغم حساسية هذه المسألة على مستوى الرأي العام الأوروبي على وجه التحديد، إلا أنه على المستوى العام لا يؤثر في إطار السياسات العامة للدول، فحتى لو صدرت أي إدانة فإنها لا تعتبر ملزمة إلا في حال موافقة مجلس الأمن عليها، فمجلس حقوق الإنسان هو في النهاية جزء من التوازن الدولي ويعبر اليوم حالة تناقض واضحة وغير قادرة على تحقيق وظائف واضحة.
إن قضايا حقوق الإنسان تملك حساسية خاصة، فهي ليست شأنا إنسانيا فقط بل تنعكس أيضاً على شرعية الحكومات وحقها في استخدام القوة، وما يحدث اليوم لا ينطلق من قاعدة الإدانة بل أيضاً من محاولة بناء «الصورة الذهنية» لطبيعة الصراع في سورية، وبالتأكيد فإن الولايات المتحدة والدول الأوروبية تدرك أن الميدان العسكري أعقد من جلسات مجلس حقوق الإنسان، ولكنها في الوقت نفسه تحاول تكريس فصل حاد بين «الغرب» بقيمه الخاصة بحقوق الإنسان، والقوى الجديدة الصاعدة مثل روسيا التي لا يمكنها أن تظهر وفق سياق يعمل على تكريس حقوق الإنسان.
عملياً فإن الفصل المطلق بين القيم الإنسانية كما يجري اليوم هو عمل سياسي بامتياز؛ شهد العالم فصولاً منه في فترات متقطعة من الحرب الباردة وخصوصاً في مرحلة ستينيات القرن الماضي، وبغض النظر عن الاتهامات المتبادلة اليوم داخل مجلس حقوق الإنسان بشأن «تسييس» قراراته، فإن الجدل داخله يقدم مؤشرات أساسية ترتبط بأمرين:
 عدم القدرة على التأثير القوي في النزاع الدائر حاليا، وفي مثل هذا الواقع فإن أحد الأطراف يلجأ لإثارة الرأي العام حول قضية حقوق الإنسان، علما أن انتهاكات حقوق الإنسان خلال النزاعات أمر لم يستطع المجتمع الدولي حله منذ ظهور منظمة الأمم المتحدة.
المشكلة الأساسية هنا أن مستوى العنف ليس مهما لإثارة قضايا حقوق الإنسان، بل عملية مطابقة هذا العنف لمعايير يتم تحديدها بشكل سريع خلال تطور النزاع، فالولايات المتحدة على سبيل المثال تطلق على الضحايا المدنيين نتيجة عملياتها العسكرية عبارة ـ«الضحايا الهامشيين»، وفي المقابل يتم الاختلاف دوما على تصنيف الصراعات بحيث يصعب تحديد شرعية استخدام القوة، فالمسألة ومنذ ظهور مجلس حقوق الإنسان تحمل تناقضا في الرؤى السياسية وليس في مسألة «الحفاظ» على أرواح المدنيين خلال الحروب.
 غالباً ما يعكس اجتماع مجلس حقوق الإنسان عدم القدرة على خلق توافق داخل مجلس الأمن، وهو ما يدفع للتعامل مع الوضع السياسي عبر البحث عن «الواقع الإنساني»، ومع تأكيد أن الأرواح البشرية أمر لا يمكن التهاون فيه، إلا أن حل هذا الموضوع هو سياسي وليس إنسانياً.
المشكلة اليوم في الغوطة تعبر عن تشابك دولي قاس لأبعد الحدود، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على نقطة اشتباك واحدة بل ينسحب على كامل سورية، والاتكاء على العامل الإنساني لن يوقف أي تصعيد عسكري لأنه عامل ضغط يخلق زوبعة على مستوى الرأي العام، ويكرس صورا نمطية للأطراف السياسية تعزز التناقض، على حين تحتاج الأزمة السورية لحالة مختلفة تماما كي تخرج باتجاه الحل السياسي، وهذا الأمر على ما يبدو مؤجل بالنسبة لبعض الأطراف التي تعتبر أن الحرب يمكنها فتح احتمالات جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن