ثقافة وفن

اليوم.. العالم يحتفل بالمرأة … الدراما لم تتعرض للقضايا والمشاكل الحقيقية وتجاهلت إنجازات المرأة السورية

| وائل العدس

يحتفل العالم أجمع اليوم بعيد المرأة العالمي، وهو احتفال سنوي في الثامن من آذار من كل عام، ويرتكز على احترام وتقدير وحب المرأة لإنجازاتها المتعددة.
ولم يتم تخصيص هذا اليوم كعيد عالمي للمرأة إلا عام 1977 لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة قبل ذلك، فأصدرت قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من العام يختارونه للاحتفال بالمرأة فقررت أغلبية الدول اختيار هذا التاريخ، وتحول ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن ومطالبهن.
ويعد اليوم عطلة رسمية في عدد من البلدان مثل روسيا وأنغولا وأرمينيا وكوبا وجورجيا وفيتنام وأوزباكستان، بينما تعطل بلدان أخرى النساء فقط مثل الصين ومقدونيا ومدغشقر.

نماذج سلبية
عادةً ما تقترن حرية الإبداع بالمسؤولية، وغالباً ما تمنع الأعمال الفنية من العرض في دول العالم إذا تعارضت مع قيم ومبادئ المجتمع، لأنها تصبح بلا قيمة حينذاك.
ولأن الدراما تلعب دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية السورية، وقادرة على التأثير في فكر وثقافة الناس، وأن تهبط أو ترتقي بمستواها الفكري، فكيف لها أن تقدم نماذج سلبية مشوهة عن المرأة السورية؟
وإذا افترضنا جدلاً أن الدراما وحدة تعارف بين الشعوب، فإن ما يعرض على الشاشات سنوياً لا يليق بنسائنا السوريات، وينقل صورة غير حقيقة للعالم الخارجي.
صورة المرأة في الدراما تعكس تناقض المجتمع، فهي دائماً تتحايل بواسطة أنوثتها وجمالها للحصول على حقها في الحياة وقد تفشل رغم ما تقدمه من تنازلات، فلا هي احترمت نفسها وقامت بدورها خلف الرجل وليس أمامه، ولا هي استطاعت أن تحقق ذاتها وتكون امرأة مستقلة قوية.
إذاً.. هي متسلطة أو مقهورة.. خائنة ومادية وسطحية وشريرة ومحطمة.. هذه بعض نماذج المرأة في درامانا المحلية.

الدراما النسائية
موسماً بعد آخر، تتزايد المسلسلات المعنية بالمرأة في الدراما السورية بشكل كبير وملحوظ فيما بات يسمى «الدراما النسائية».
سابقاً، حصدت عدة أعمال تنتمي إلى هذا النوع نجاحات باهرة، منها «أشواك ناعمة» عام 2005، و«بنات العيلة» عام 2012 ، إضافة إلى «جلسات نسائية» 2011، وكل هذه الأعمال طرحت مشاكل المرأة بشكل سلس وبسيط وإن اعتمدت أحياناً على البهرجة في حدها المقبول.
وخلال السنوات الأخيرة كان الأمر متشابهاً شكلاً ومختلفاً مضموناً، حيث أنتجت أعمال رفعت سقف الجرأة إلى حدودها القصوى من خلال قضايا تطرح للمرة الأولى ودخول عالم النساء السري كما في «نساء من هذا الزمن» على سبيل المثال.
مسلسل «خواتم» عام 2014 أظهر النساء بشكل آخر حيث يحكي العمل قصة مجموعة من الفتيات المعنّفات اللواتي تتبناهن إحدى الجمعيات وتعتني بهن لكي تخدم كل منهن هذه الجمعية بمهنتها، خاصةً أن الجمعية تخفي شبكة سرية وتأمرهن بأفعال مشينة، فنرى مثلاً فتاة موظفة في بنك وتهرب الأموال وتسرقها، وأخرى قاتلة مأجورة، وواحدة فتاة ليل، مع غياب واضح للفتاة الإيجابية حتى لو كانت يتيمة أو مشردة أو «مقطوعة من شجرة».
أما «صرخة روح» الذي ساهم في تأليفه وإخراجه أكثر من كاتب ومخرج والذي أنتج منه خمسة أجزاء، فيدور في أفق واحد هو الخيانات والعلاقات المحرمة مع الاعتماد على محاكاة الغرائز وإقحام الحوارات اللامعة والمثيرة.

صور سلبية
من الملاحظ أن صناع الدراما- ربما بمعزل عن منطلقاتهم الفكرية- باتوا يمنحون المرأة مساحة أوسع، لتكتسح البطولة النسائية أعمالهم ولو كان ذلك على حساب الموقع الفعلي للمرأة في سياق النص الدرامي.
لكن في الوقت نفسه حاولوا فرض صور سلبية عن المرأة السورية وتعميمها على أنها الصورة السائدة في المجتمع التي لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن مجتمعنا الذي مازالت تحكمه عاداته وتقاليده المحافظة، فظهرت المرأة في الدراما المعاصرة وكأنها محاصرة في أدوار الزوجة الخائنة أو فتاة الليل، فقُدمت بصورة مخزية لا تليق بالمرأة السورية بعدما باتت تركز على مشاهد خادشة للحياء وتميل إلى الاتجاهات الجنسية، فضلاً عن الاهتمام بعرض المرأة من خلال المداخل المادية والجسدية فقط، واستخدامها مادة لإثارة الغرائز والفتن‏.
وكان من المفترض تجنب الدخول بمتاهات كنا بغنى عنها لعدة أسباب، أهمها انخراط عدد كبير من المثقفات في العملية الدرامية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً، ما يعني أن المرأة ترسم صورتها بنفسها وتطرح قضاياها وتدافع عنها!
خلال السنوات القليلة الماضية، لم تتعرض الدراما للقضايا والمشاكل الحقيقية للمرأة، بل رسخت حالة من الرفض لنموذج المرأة الطبيعية مغيبة بذلك العناصر التي تعلي من قيمة المرأة وأهميتها في المجتمع، فالعمل الدرامي يجب أن يقدم صورة صادقة عن المرأة في المجتمع، وأن يناقش همومها ومطالبها ومعاناتها من دون حصرها في نماذج نمطية.
خلال السنوات الأخيرة تجاهلت الدراما إنجازات المرأة السورية على الصعد كافة، وباتت تركز فقط على السلبيات وتحاول تعميمها.
التجاهل بات واضحاً للمرأة الأم التي تتعب وتسهر على راحة بيتها وأولادها، والمرأة الطبيبة التي تسهر وتكد وتتعب من أجل مرضاها.
ويرجع ذلك ربما لاستسهال بعض الكتّاب في طرحهم للموضوعات لأن السلبيات تنتشر بسهولة لافتة، بينما تفشل النماذج الإيجابية بفعل ذلك على اعتبار أن النفس البشرية تتطلع دوماً لما هو غريب وغير مألوف.

البيئة الشامية
معظم أعمال البيئة الشامية يسوق للمرأة على أنها تابعة للرجل وبلا قيمة وهي عادة مختصة بأعمال المنزل فقط ويستطيع الرجل في أي وقت أن يطلقها ويتزوج غيرها.
بل صورت المرأة على أنها عبدة للرجل، وهذا الذي لم يكن موجوداً قديماً بل كانت تناقش وتعقد أحياناً ندوات فكرية وكان لها دور مؤثر وفعال في تربية الأجيال.
أحداث مسلسل «باب الحارة» مثلاً ركزت على صورة المرأة الضعيفة والمستسلمة والمطواع.
في الوقت نفسه حققت بعض أعمال البيئة الشامية على عكس المتوقع انعطافاً مهماً من خلال إعطاء المرأة أدواراً أكثر تفتحاً وعطاءً، لنرى المرأة العاملة والمقاومة والمساندة لزوجها، وإن انحصرت في بعض الأماكن في الإرادة الذكورية التي تعتبر المرأة جزءاً من ممتلكاتها الخاصة وفي إبقائها مرتهنة تحت سلطته، ما جعل العرب يعتقدون أن المرأة الشامية مغلوبة على أمرها ومهضوم حقها وأن زوجها هو السيد المطاع.
حاولت بعض الأعمال إنصاف المرأة، بمحنها أهمية الرجل نفسها بل تفوقت عليه في العطاء والحب، كما توازيه في الحكمة والعقل، فكانت في «بواب الريح» 2014 المثقفة والمقاومة للاحتلال، والممرضة في «الغربال» 2014، والمرأة المتعلمة والسياسية والأديبة والصحفية، والمرأة التي قادت التظاهرات ضد الاحتلال الفرنسي في «طوق البنات» (أنتج جزؤه الأول عام 2014، ويصور حالياً جزؤه الخامس).
في مسلسل «حرائر» 2016 سلط الضوء على واقع النساء السوريات في تلك الحقبة الزمنية من خلال قصة امرأة مكافحة ترفض الظلم وتطالب بحقوقها التي لا يعترف بها المجتمع المحافظ ما أجبرها على خرق القوانين لتثبت ذاتها، بل صور المرأة بصورة مختلفة أعادت اعتبارها.

الدراما التجارية
نلحظ هذا العام انتشار ظاهرة جديدة وخطيرة تتمثل بانتقال عدوى «السينما التجارية» إلى الدراما، فعوامل الجذب التي يخاطب بها صناع الفن السابع لحصد أكبر قدر من الأموال في شباك التذاكر أصبحت تتوارد في التلفزيونات، بعيداً عن الأفكار الهادفة والبناءة.
لذا أصبح الحديث عن المحرمات أمراً يسيراً، ولتفرض مشاهد الإغراء والإيحاءات الجنسية على البيوت والعائلات بموضوعات سطحية ورغبات تافهة ونماذج مستهلكة واستغلال الجسد لأهداف ربحية واعتبار المرأة كائناً من الدرجة الثانية.. أو حتى العاشرة.

دعوة صادقة
سواء كانت المرأة بمواقع القوة أم الضعف، فإنها لا تعبر في جميع الأحوال عن الصورة الحقيقية للمرأة السورية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
لذا نوجه دعوة إلى وزارتي الثقافة والإعلام لتشكيل لجنة مهمتها رصد وتقييم صورة المرأة في الدراما، لتضم في عضويتها نخبة من الكتّاب والممثلين والمخرجين والنقاد، خاصة أن الدراما أكثر القوالب الفنية تأثيراً في المشاهد العادي، حيث يكمن أثرها في تأثيرها التراكمي الذي يؤدي بمرور الوقت إلى تغيير فكر المشاهد، حيث يدرك أن ما تعكسه الدراما ما هو إلا الواقع الفعلي.
أما القائمون على الدراما، وإن كانوا غيورين فعلاً على صناعتهم المحلية فيجب الابتعاد عن الأفكار الشاذة وكل ما يهدم القيم السورية الأصيلة ومنع ترسيخ الأفكار الهدامة التي تدفع إلى تسطيح فكر الناس، والتوقف عن التناول المسيء للمرأة واتخاذ مواقف حاسمة لمواجهة هذا الانحراف الدرامي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن