ثقافة وفن

الفن وهذه الرسالة والأعمال كلها كذبة وليست حقيقة … زهير عبد الكريم لـ«الوطن»: لم يتمكنوا من تقسيم سورية ولكنهم استطاعوا تقسيم الدراما السورية

| سارة سلامة

كثيراً ما تغدره ضحكته التي تعتبر جزءاً من شخصيته بأدوار ليس لها علاقة بالضحك، هو هكذا فنان عفوي وسمح، وينبض حباً لبلده ويستذكر «معربا» وطنه الصغير أينما حلّ، فهو يعتبر أن من لا يحب أهله وبلده وقريته لا يمكن أن يحب أبداً.
ويخفي وراء ضحكته دمعة في عينه ولوعة في قلبه على ابنه سائلاً له الشفاء، وغالباً ما يبحث في أدواره عن شخصية أخرى يلبسها تنسيه هماً تربص قلبه.
ويطل الفنان زهير عبد الكريم في الموسم الرمضاني بعملٍ يتيمٍ من خلال مسلسل «وهم»، فهو اليوم يترجل من شخصية همام في «الزير سالم»، ونوري المبيض في «الدغري» اللذين حققا انتشاراً واسعاً، وكذلك دوره في «مبروك»، و«جميل وهناء» ولوحات «بقعة ضوء» التي كان لها وقع خاص، في فترة ازدهار عاشها، ومع أنه يؤمن بأن الأمل لا يمكن أن يموت وأن الحلم لا ينتهي، إلا أنه يخضع الآن لفترة ركود ونسيان متعمد، ويعود إلى قريته باحثاً عن الوفاء والصدق اللذين لم يلمسهما في الوسط الفني، حيث بدأ يشعر بأن كل ما عاشه في الفن وهذه الرسالة والأعمال كذبة وليست حقيقة.
وعلى الرغم من ذلك إلا أنه متفائل بمستقبل الدراما السورية ويعتبرها الأساس المكتمل الذي مهما تعرض لكبوات لا بد لها من النهوض مجدداً، زهير زار «الوطن» وتحدث لنا عما تتعرض له الدراما السورية، وعن سبب تغييبه المتعمد وقلة مشاركاته كاشفاً عن جديده، في هذا الحوار..

دخلت عالم التمثيل في العام 1983 تحدث لنا عن البدايات؟
لي عدة مشاركات في اتحاد شبيبة الثورة بالمسرح المدرسي وذلك بفرقة فرع ريف دمشق التي كانت من إخراج الفنان أيمن زيدان، والتقينا بعدة مسرحيات وعرضناها بمناطق مختلفة من سورية، وبعد حصولي على الشهادة الثانوية سمعت أن الفنان أحمد زكي نال جائزة أفضل ممثل، الأمر الذي أثار دهشتي وشكل لديّ دافعاً وشوقاً كبيراً لأكون ممثلاً، وكان لسنوات الدراسة الأربع في المعهد العالي للفنون المسرحية وقع خاص في حياتي.
وبكل بساطة أنا إنسان من قرية قريبة من العاصمة دمشق (معربا)، وغالباً ما يكون الريف القريب من المدينة متعصباً أكثر من البعيد عنها، وعندما رأيت الانفتاح الكبير والثقافة الواسعة أيقنت أنني مقصر ولا اقرأ جيداً، وربما لأنني ولدت في بيت ليس فيه مكتبة، ولا نستطيع إنكار الدور الكبير للثقافة في بناء الفنان، وتخرجت في المعهد في العام 1984 من خلال مسرحية الزير سالم التي لعبت دور الزير فيها.

برصيدك أعمال كوميدية تاريخية معاصرة اجتماعية وبيئية ما الأعمال الأقرب إلى شخصيتك؟
من واجب الممثل أن يحب كل الأعمال، ولكن أن نشاهد عملاً تاريخياً متكاملاً مثل «الزير سالم»، حيث إن النص للمرحوم ممدوح عدوان، وإخراج حاتم علي، ومكياج إيراني، وملابس رجاء مخلوف، والموسيقا لطاهر مامللي، والممثلون كانوا نجوماً، فبكل تأكيد سيكون من أكثر الأعمال المحببة عندي، وكذلك في عمل «الدغري»، من خلال النص الكوميدي الساخر والناقد، وعمل «مبروك»، الذي ينتقد الواقع والسياسة، وإلى اليوم أجلس مع شخصياتي في المنزل وأحدثهم ويحدثونني حيث أضع همام مع مروان في مبروك ونوري المبيض ونتناقش في أمور كثيرة.

كم نفتقد اليوم لهذه الأعمال المتكاملة؟
الدراما السورية عظيمة ومتكاملة في الأساس وعندما كنا نصور بكاميرا سينمائية في الجبل والبحر والحارات والأسواق كانت الكثير من البلدان مازالت تصور في الاستديو، وميزة الدراما السورية أن الموضوعات التي تطرحها لا تتحدث فقط عن المواطن السوري، بل تتوجه إلى الإنسان أينما وجد، ولكنها في الحرب تجزأت حيث إنهم لم يستطيعوا تقسيم سورية ولكنهم قسموا الدراما السورية، فهي لم تعد جسداً وروحاً واحدة، كما أن مستواها أخذ بالانحدار ووصلنا إلى حافة الهاوية، ولإعادة الألق للدراما يجب أن نجتمع ونرى ماذا حدث؟ وأين وصلنا؟ وكيف كنا؟ وما مستقبلنا؟ وإلى أين ذاهبون؟ وهل درامانا تقدم رسالة أم تعتمد فقط على تبييض الأسنان لنكون بمنظر أسنان متشابه مثل بياض الثلج ونصبح قالباً واحداً.

برأيك أن الدراما ركزت على الشكل وأهملت المضمون؟
عندما نبالغ في الشكل تكون النتيجة سيئة وليس له علاقة بالحياة، ويجب أن نجتمع مع الكتاب والممثلين والمخرجين والصناع والتجار والمستثمرين ونؤسس قنوات تكون مدعومة بمنتج لأن الدعاية والمنتج هما من يحقق الربح ويرجع لنا القيمة ويجعلنا نكتفي ذاتياً ونضع الشروط التي نراها مناسبة.

نراك بعمل وحيد في مسلسل «وهم» هل لوقوفك إلى جانب الدولة الدور في ذلك؟
في الحقيقة لا أعرف وقبل الحرب كنت أعتذر عن أعمال كثيرة وأنا ممثل موهبتي هي من أوصلتني، وكنت أقدم عملين أو ثلاثة، أما الآن فإن القائمين على المشروع الدرامي السوري والذين لهم علاقة بسوية هذه الدراما مرتبطون بعلاقات شخصية مريبة، ونلاحظ كماً هائلاً من الأدوار التي أعطيت لأشخاص ليس لهم علاقة بالتمثيل بل هم عبارة عن علاقات عامة.

على من يقع اللوم في ذلك؟
اللوم أضعه على مؤسسة الدولة ومؤسسة الدراما التي يأتيها مليارات وهي تابعة للجمهورية العربية السورية ووزارة الإعلام، لماذا لا تقدم عملاً مهماً سواء بيع للمحطات العربية أم لا، وتعمل شيئاً للذين بقوا في سورية ولم يغادروها، وتقدم أعمالاً لها علاقة بقيمة الشهادة وأعمال وطنية.

هل تخاف من الدور الذي قدمته في شخصية «وهم» الانتهازي والسارق؟
هذه الشخصية أصبحت موجودة بكثرة في مجتمعنا وأصبحوا أغنياء فجأة وأصحاب مليارات، وإذا نظرنا بعيونهم نجد الفساد والسرقة والنصب والاغتصاب، وليس لهم علاقة بتاريخ أو جغرافية ولا بالفن أو الثقافة والإرث، وبالرغم من ذلك إلا أننا نمجد الظالم مثلما نمجد أميركا القاتلة والمغتصبة.
مسلسل «الدغري» هل نستطيع القول إنه حقق قفزة نوعية في مسيرتك؟
عندما عملت «الدغري» و«نوري المبيض»، تحديداً كنت حينها في دولة «قطر»، أدرس مادة التربية المسرحية، وصلتني عشرات الرسائل من كبار الفنانين في سورية وأشادوا بدور نوري المبيض، صحيح أنني لم استطيع مشاهدته في قطر، ولكنني عرفت أنني قدمت شيئاً مهماً، وعندما أتيت إلى سورية بدأت الناس تناديني باسم نوري الذي كان يسعدني كثيراً، ونوري كان قفزة في حياتي وقدمته أمام قامات كبيرة مثل ملك الكوميديا دريد لحام، مع العلم أن المشاهد كانت ما بين 60 أو 70 مشهداً ولكنه قدر أن يثبت وجوده على الساحة الفنية.

أليست هذه مهارة مخرج؟
ومهارة ممثل أيضاً المخرج يهتم أكثر بالكوادر لديه.
المخرج الذي أخرج منك بـ60 مشهداً حالة ناجحة، وغيره بمساحة ممتدة لم يقدر أن يخرج منك شيئاً!
لا أشك بقدرة المخرج هيثم حقي حيث كان مخرجاً كبيراً ومهماً وهو يعرف كم تحدثت عنه بحب كبير في «نوري المبيض» و«خان الحرير»، وكل الأعمال التي عملناها معاً، ولكنني أعتب على من كان له رسالة ويتكلم بالوطنية وفجأة يخرج.

برزت في الأدوار الكوميدية مثل لوحات «بقعة ضوء» و«جميل وهناء» وغيرها؟
هو نوع من الإخلاص للشخصية وعندما أقدم شخصية كوميدية وألبس لبسها وأضع مكياجها وأتقمص الشخصية بشكل كامل، أشعر أنها تأخذني وحدها وتعطيني مفرداتها في طريقة المشي والتحدث، وعلاقاتها الخاصة وحبها وعشقها وكيف تتحدث وتغضب، هذه مفردات من الخيال تتكون لنفسها، من المخزون الذي أحفظه في ذاكرتي ومن المشاهدات التي رأيتها بحياتي والذاكرة الانفعالية لدي، وتتفاعل الشخصية مع الشخصيات الموجودة بداخلي، فالورق هيكل عظمي أضع له لحماً ودماً وشعراً وروحاً وكل شيء.

في «باب الحارة» كانت لك مشاركة بسيطة لكنها مؤثرة أيضاً؟
قدمت 12 مشهداً فقط وبشكل عام لم أحب العمل لأنه غير مرتبط بتاريخ أو جغرافية وشعرت أنه ذاهب باتجاه آخر، ولكن ما دفعني لأجسد الدور هو الرسالة التي قدمها فهو يشرب ويثمل لكنه لا يخون الوطن.

دورك في «العوسج» مع نجدة أنزور؟
قدمت شخصية (موسى الأعرج)، وهي من الشخصيات المهمة والصعبة وكنت أول ممثل سوري يحلق شعره بالموس، والمسلسل لم يأخذ حقه مع أنه عرض على قناة «MBC»، وأخذ أعلى أجر في ذلك الوقت، ربما لأنه لم يقترن بإعلان جيد، وأتوقع أنه إذا عرض الآن سيحصد متابعة كبيرة.

النقلة النوعية العربية بالنسبة لك في مسلسل «الزير سالم»، ماذا حقق لك هذا الدور؟
حقق لي انتشاراً واسعاً على مستوى الوطن العربي وخاصة في الخليج العربي، هي فترات تأتي لكل ممثل يزدهر خلالها وتلاحقه الكاميرات، وفترات أخرى يصاب بالركود وينسى.

هل تمر الآن في فترة ركود أو نسيان؟
هي فترة نسيان متعمد.

لماذا لا تشاهد الأعمال السورية؟
أنا إنسان ساخر، وساخر حتى من نفسي لذلك لا أرى شيئاً، ولم أر حتى العمل الذي شاركت به في «وهم»، ربما ليس لديّ هوس بمشاهدة الأعمال وهناك شيء عام لا أحب أن أراه في هذه الفترة.
لأن الظلم صعب جداً عندما يكون من شقيق وأخ وقريب وأصعب بكثير من ظلم الغريب، وواجبنا تحسين الدراما وتلافى الأخطاء وإحداث انقلاب جذري فيها، لأن الناس تستحق أكثر بكثير من الشيء الذي يقدم.

هل أخذت حقك؟
بكل تأكيد وأعتبر نفسي من الممثلين المحظوظين من خلال الأدوار المتنوعة التي لعبتها، وهي أدوار متباينة ومتناقضة، وكثر هم الممثلون الذين حبسوا بشخصيات وأدوار معينة ولم يستطيعوا الخروج منها، حيث قدمت الكوميدي والتاريخي والاجتماعي وهي شخصيات متقنة وأحبتها الناس جداً، ولكن الطموح لا ينتهي والأمل لا يموت، وقلة ممن يعرفون وجعي ومرض ولدي الذي أرسلته إلى ألمانيا ليتعالج لذلك نحن عندما نأتي إلى المسرح والتلفزيون والسينما ونقدم الأدوار ننسى أوجاعنا وكل ما يقف بطريقنا.

ما تحضيراتك للمسرح؟
قبل أي عمل تلفزيوني أو سينمائي سأعود بعمل كبير ومهم للمسرح يلامس الناس وطموحاتهم ومشاكلهم وهمومهم، ويحمل اسم «سوري» وغالباً سأقدمه بنفسي بطريقة «ميلودراما» من خلال شكل جديد وغير مطروق.

ماذا عن الصداقة في الوسط الفني؟
الحرب جعلتني أعرف وأكتشف الناس بصورة أكبر ودفعتني لأعود للقرية لأنها أكثر وفاءً من الفنانين وتتمتع بصدق وشفافية وبساطة، ودون ذنب ولأنني قدمت رأياً تخلوا عني وأصبحت العدو لهم، كان ذلك صعباً جداً، وجعلني أشعر أن كل هذا الفن هو كذبة، وهذه الرسالة والأعمال كلها كذب وليست حقيقة.

ختاماً
أشكر جريدة «الوطن» التي نعتبرها البيت الثقافي الدافئ للسوريين وعندما آتي لها أشعر وكأنني في بيتي لأنها تضم أناساً محبين ومخلصين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن