السياسات الصينية الدبلوماسية والعلاقات الصينية السورية في العصر الجديد
| بقلم سعادة السفير تشي تشيانجين
من المعروف أن جمهورية الصين الشعبية تأسست قبل 69 سنة وشهدت دبلوماسية الصين الجديدة مراحل مختلفة ممكن تقسيمها إلى قسمين: القسم الأول هو السنوات الثلاثون الأولى بعد تأسيس الصين الجديدة حيث عملت الدبلوماسية الصينية على مواجهة تهديد الدول الكبرى وتعزيز الاستقلال وحماية السيادة ووحدة الأراضي، أما القسم الثاني، فهو السنوات الأربعون بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978 حيث عملت الدبلوماسية على التكيف مع تطورات وتغيرات الأوضاع، وتهيئة البيئة الدولية الصالحة للإصلاح والانفتاح والبناء الاقتصادي في الصين، ودفع تنمية الصين.
لقد مضت أكثر من خمس سنوات منذ تولي السيد شي جين بينغ منصب الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني عام 2012 وانعقد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني في نهاية عام 2017، الأمر الذي مثل معنى مهماً لتنمية الصين وفقا ما يلي: أولا، تم تبني فكر الرئيس شي جين بينغ حول الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتقديم الأجوبة لماهية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وكيفية بنائها وتطويرها وغيرهما من الأسئلة المهمة. ثانيا، أعلن الأمين العام شي جين بينغ أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت عصرا جديدا، وستواصل دفع القضية العظيمة المتمثلة في التنمية والتقوية وتوسيع الانفتاح. كما أعلن أن الصين ستتحول إلى دولة اشتراكية حديثة قوية بحلول عام 2049 حيث يصادف الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية وتحقق النهضة العظيمة للأمة الصينية، ما يعد الهدف الطموح لتنمية الصين في المستقبل. إذ ينبغي للدبلوماسية الصينية أن تخدم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وتهيئ البيئة الخارجية الصالحة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية.
وإن الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد ممكن تلخيص خصائصها في النقاط التالية:
أولا، ستتخذ الدبلوماسية الصينية الفكر الدبلوماسي للرئيس شي جين بينغ كدليل رئيسي وتُطبَّق تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني. إن الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب الحاكم في الصين وسيقوم بالقيادة المركزية والتنسيق الشامل للدبلوماسية الصينية.
ثانيا، ستسعى الدبلوماسية الصينية إلى بناء المجتمع الدولي ذي المصير المشترك للبشرية. إن بناء المجتمع الدولي ذي المصير المشترك مبادرة عظيمة طرحها الرئيس شي جين بينغ. ترى الصين أن عالم اليوم يواجه تحديات غير متوقعة وغير مستقرة، فتدعو إلى بناء نظام جديد للحوكمة الدولي الذي يتميز بالاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون والفوز المشترك. لا تقوم الدبلوماسية الصينية بحماية مصالحها الخاصة فقط، بل تهتم بشعوب العالم وتعمل على دفع التنمية المشتركة بين الصين والعالم وتقدم مساهمة هائلة للبشرية.
ثالثا، ستتمسك الصين بالانفتاح على الخارج، وتدفع بناء الحزام والطريق على أساس مبدأ التشاور والبناء المشترك. إن مبادرة الحزام والطريق التي طرحها الرئيس شي جين بينغ عام 2013 تهدف إلى تعزيز التواصل في السياسات وترابط المنشآت وتيسير التجارة وتداول التمويل والتواصل بين قلوب الشعوب بين الصين والدول في القارة الآسيوية والمناطق الأخرى. وقد لاقت المبادرة الاستجابة والتأييد من أكثر من 100 دولة وتم توقيع اتفاقيات التعاون بين الصين وأكثر من 40 دولة ومنظمة دولية.
رابعا، ستلتزم الصين بالطريق التنموي السلمي. لن تسعى الصين للهيمنة والتوسع أبدا، بل تسعى للاحترام المتبادل والتعايش السلمي مع الدول المختلفة. إنه خيار استراتيجي اتخذته الصين، كما تتمنى الصين أن تلتزم الدول الأخرى بالطريق التنموي السلمي أيضاً.
خامسا، ستعمل الصين على تطوير العلاقات الودية مع الدول المختلفة. يمثل ذلك معنى مهماً للدبلوماسية الصينية، وتستعد الصين لدفع علاقات الدول الكبرى المتميزة بالاستقرار والتطور مع الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وإلخ، وتعزيز علاقات حسن الجوار مع الدول المجاورة، وتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية.
إن الدبلوماسية الصينية ستواكب العصر وتقوم بالإبداع والابتكار، وتتبع قيادة الرئيس شي جين بينغ والحزب الشيوعي الصيني، وتحمي بثبات مصالح الصين الأمنية والتنموية، وتهيئ البيئة الدولية الصالحة لتحقيق النهضة العظيمة للأمة الصينية، في حين تسعى إلى حماية المصالح المشتركة لسلامة وتطور جميع البشرية وبناء المجتمع الدولي ذي المصير المشترك للبشرية.
كما دخلت الدبلوماسية الصينية تجاه الدول العربية عصرا جديدا. انعقد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين مؤخرا، وحضر فخامة الرئيس شي جين بينغ حفل الافتتاح وألقى خطابا مهماً بعنوان «يداً بيد لدفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في العصر الجديد». يعتبر هذا الاجتماع أول حدث دبلوماسي بين الصين والدول العربية بعد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وهو أيضاً اجتماع مهم في ظل عملية بناء مشترك في إطار الحزام والطريق بين الجانبين وسيترك أثرا مهما لتعميق الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية. حيث أشار فخامة الرئيس شي جين بينغ إلى أن الصين مستعدة لتعزيز التواصل مع الجانب العربي بشأن الاستراتيجيات والخطوات المتخذة وأعلن أن الجانب الصيني يطلق خطة خاصة لدفع إعادة الإعمار الاقتصادي المدعومة بالنهضة الصناعية ويوفر قروضا بقيمة 20 مليار دولار أميركي لتعزيز التعاون مع الدول التي تحتاج إلى إعادة الإعمار لتنفيذ المشاريع التي ستخلق فرص عمل وسترسخ الاستقرار وفقا للمبادئ التجارية. وستقدم الصين المساعدات الإضافية للشعوب في سورية واليمن والأردن ولبنان بقيمة 600 مليون يوان صيني للأغراض الإنسانية وإعادة الإعمار. ستقوم الصين أيضاً بتعزيز التعاون مع الدول العربية في البنية التحتية مثل الموانئ والسكك الحديدية، وستواصل دفع التعاون في مجالات النفط والغاز والطاقة الجديدة. أما في مجال حل الصراعات الإقليمية، فتحرص الصين على لعب دور أكبر لدفع السلام والاستقرار في المنطقة. وتدعو الصين إلى التمسك بالتحاور والتشاور، ولا يمكن لأي طرف الانفراد بالقرار ولا يقدر أي طرف على الانفراد بالطريق، علينا الالتزام الثابت بمبدأ السيادة ورفض الانفصال والاستقطاب. وعلينا الدعوة إلى المصالحة الشاملة ورفض إجبار الآخرين على التنازل، وتدعو الصين إلى الدفاع عن العدالة والإنصاف والتنمية المشتركة والاستفادة من بعضهما البعض كصديقين حميمين، وبذل جهود مشتركة لإقامة المجتمع الصيني العربي ذي المصير المشترك، بما يساهم في إقامة المجتمع الدولي ذي المصير المشترك للبشرية.
وبعد ذلك جدد الرئيس شي جين بينغ شرح السياسات الصينية تجاه الدول العربية أثناء قيامه بزيارات للإمارات العربية المتحدة والسنغال ورواندا وجنوب أفريقيا، فأشار إلى التمسك بحل القضايا الساخنة من خلال القنوات السياسية وإيجاد الحل المناسب لأوضاع المنطقة الحقيقية والراعي لمصالح جميع الأطراف، واستكشاف طريق الحوكمة للشرق الأوسط على أساس دفع السلامة اعتمادا على التنمية وترسيخ أسس السلام والاستقرار في المنطقة، وتعزيز التعاون الدولي في مجال إزالة التطرف للقضاء على البيئة لنمو الإراهاب. يجسد مشروع الرئيس شي جين بينغ مفهوم الأمن المتميز بالإجماع والشمولية والتعاون والاستدامة، ويتفق مع نية شعوب المنطقة للاستقرار، ويلاقي تقديرا عاليا من داخل المنطقة وخارجها.
تعتبر العلاقة الصينية السورية حلقة مهمة في الدبلوماسية الصينية في العصر الجديد. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وسورية قبل 62 سنة، يتبادل الجانبان الدعم والمساعدة في كل المجالات. ومنذ اندلاع الأزمة السورية، كانت الصين تقف بثبات مع الشعب السوري وقدمت لسورية الصديقة دعما سياسيا قويا ومساعدات إنسانية كثيرة. وتطورت العلاقات الصينية السورية بسلاسة، وتعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لسورية على الدوام وحققت الصين وسورية تعاونا مثمرا في المجالات الثقافية والتعليمية والعسكرية والأمنية.
يسعدنا جداً أن نرى أن الوضع الحالي في سورية يشهد تطورات جديدة وإيجابية، فقد أحرز الجيش العربي السوري تقدماً جديداً في المناطق المحيطة بدمشق وجنوب سورية، وتزداد الآمال في الاستقرار والسلام أكثر فأكثر، وأصبحت مكانة الحكومة السورية أكثر ثباتا.
تقدر الحكومة الصينية موقع سورية المهم في الاستراتيجية الجيولوجية الدولية وتولي اهتماما بالغا لتطوير العلاقات الودية والتعاون مع سورية. تلتزم الصين بتعزيز التعاون الدولي في إطار مبادرة الحزام والطريق وتعتبر سورية شريك التعاون الطبيعي لبناء الحزام والطريق كما طرح فخامة الرئيس بشار الأسد استرتيجية التوجه شرقا لتعزيز العلاقات مع دول الشرق بما فيها الصين، وإن هذه الاسترتيجية ومبادرة الحزام والطريق كلاهما أوجدت فرصة استراتيجية ثمينة للصين وسورية لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. إننا نشيد بالإستراتيجية السورية «التوجه شرقاً» إشادة عالية ونستعد للقيام بتعاون أكثر مع سورية في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والمشاركة الفعالة في إعادة الإعمار الاقتصادي ليستفيد الجانب السوري من الميزات الاقتصادية الصينية وتعزيز التبادل البشري على مختلف المستويات بين الصين وسورية وتعزيز تبادل الخبرات في مجالات الفكر والثقافة والحكم للمساهمة في استعادة السلام والاستقرار والازدهار في سورية في أسرع وقت ممكن.