ثقافة وفن

فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين … د. نذير العظمة: الموضوع يستحق دراسة شاملة لعلاقة الشعر بالفنون بمنهجية مقارنة

| سوسن صيداوي

دراسة رائدة في الصورة والتراسل بين المخيلة والعين في الشعر العربي، وإذا كان المهتمون بعلم الجمال قد درسوا من قبل كل فن من الفنون المنفرد فإن المؤلف-د. نذير العظمة في كتابه«فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين»الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب-يدرس العلاقات والسمات والثيمات المشتركة بين مجمل الفنون البصرية والسمعية والتأثيرات المتبادلة فيما بينها عبر تراسل الحواس والتناص وتحول السمعي إلى بصري، والبصري إلى سمعي، في سياق الكشف عن فضاء جمالي مميز ومشترك. الجدير بالذكر بأن الكتاب من القطع الوسط ومقسّم إلى ستة أبواب وصدر بواقع ثلاث مئة وثلاثين صفحة، وسنتوقف عند بعض النقاط.

استجابة العين

اتبع د. نذير العظمة في دراسته في بحثه «فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين»على العلاقة ما بين المخيلة والعين، والعين المخيلة في شعرنا العربي، ونظر إلى عين الشعراء في سياق مشترك متأملا كيف أسهمت العين كأداة رؤية في إغناء القصيدة وكيف أثارت القصيدة المخيلة حيث يقول في مقدمة بحثه: «استجابت العين إلى هذا الإثراء فابتكرت القصيدة اللوحة، واللوحة القصيدة في تناص جدلي بين الشعر والفنون البصرية. ليس بذي قيمة مركزية أن نحن نظرنا إليه مجزءاً، ويبرز ثروة كاملة إن نحن رأيناه في سياق تراكمي عبر العصور. إن عين أبي نواس وعين المتنبي وعين البحتري وعين ابن حمديس وعين شوقي وأبي ريشة وإبراهيم ناجي بما تركته من نصوص تتوسل فيها المخيلة العين والعين المخيلة جديرة باهتمام الدارسين في حيز خاص ومستقل». ويتابع الباحث هنا بأنه يندرج في هذا الإطار نقوش الزخارف والرسوم الأوابد عند العقاد والمطران والمعلوف، مشيراً إلى أن الحركة بين ما تراه العين وتحوله إلى كلمات تتشكل فيها القصائد المنظومة عن صور مرسومة أو بالعكس، ويدهشنا بغناه حين تتحول القصائد إلى لوحات أو اللوحات إلى قصائد، الأمر يدهشنا بتنوعه وغناه واستمراريته عبر مختلف العصور كأنما يصدر عن جهاز متشابه إن لم يكن مشتركاً للمخيلة في الشعر والرسم والنقش وغيرها من الفنون.

الرسم والشعر

في المؤلف يشير الباحث بأن المعنيين بعلم الجمال ربما يقعون على منطقة مغفلة هنا إن هم درسوا الفنون لا بشكل منفرد ومستقل بل في العلاقة المتبادلة ما بينها والحواس وقنواتها المشتركة وتداخلها كذلك دراسة المخيلة في مؤثراتها وتأثراتها بهذه الحواس من خلال إنجازات الفنون جميعاً التي يمكن أن نستكشف فيها فضاء جمالياً مميزاً ومشتركاً، متابعا «القصائد تصبح لوحات واللوحات كما النقوش والصور تصبح قصائد، فالجدل ما بين الرسم والشعر والشعر والرسم حقيقة واضحة من خلال ما أحصيناه من نصوص وما وقعنا عليه من إنجازات وإبداعات فنية في هذا الخصوص، والموضوع يستحق دراسة شاملة لعلاقة الشعر بالفنون من خلال هذه المنهجية المقارنة، إلا أننا ركزنا على تحولات البصري إلى سمعي والسمعي إلى بصري ونوهنا بباقي الحواس والفنون الأخرى أحياناً لأسباب تتعلق بالمنهج ونظام الدراسة ومساحتها». مضيفاً بأنه درس القصيدة الناتجة عن اللوحة والنقش والصورة بشكل أساسي ودرس عدداً آخر من اللوحات المستوحاة من القصائد عند الفيصل كفنان وشاعر، كنموذج استكشافي لدراسة منهجية مقارنة من هذا النوع يمكن أن تتكرر عند فنانين آخرين من دون أن ينسى المبدع المؤسس جبران خليل جبران.

في التراسل

هنا يعتبر الباحث د. نذير العظمة بأن المحرك الأول لرؤية العين واستجابة المخيلة في سياق التجربة الشعرية والفنية التي توظف أحياناً البعد الجمالي لغايات نفعية. ويضيف بأن الإبداع كما المخيلة يحرك التراكم الكمي لموروثات الذاكرة إلى نصوص نوعية متميزة في فنون رغم حضورها المستقل واستقلالها المميز فهي تصدر عن أرضية جمالية ومشتركة «والتلاقح بين الفنون الذي اصطلح عليه بالتراسل والمقابلات هو شأن حضاري كالتمازج أو التداخل في الأجناس الأدبية، ويقوم بوظيفة الابتكار والتوليد من خلال تلقيح فعالية فن ما بفعالية فن آخر…. فالرسم بالتراسل مع الشعر وبالعكس وكذلك الأمر في باقي الفنون كالموسيقا والمسرح والشعر والأسطورة والرقص والإيمائي والبالية والتشكيلي الحديث. والتراسل لا يقوم على التشبيه كما في وصف الأطلال والكتابة والوشم الذي جمع من شواهده ناصر الدين الأسد الشيء الكثير في كتابه الشعر الجاهلي، لكن الطلل والكتابة والوشم تظل علامات تتوسلها الذات للتعبير عن ذاتها، فالذات هي الطرف المهيمن في حين الموضوع هو علامة لها. فالتراسل يقوم على وجود طرفين يتم بينهما التراسل عبر المحاكاة والتصوير وأحياناً الاختراع والتوليد ولاسيما في التشكيل، ومن هنا كان التراسل أدق بلاغة فهناك مسافة بين الذات والموضوع قد يلغيها تقمص الذات وتحولاتها إلا أن فعالية التراسل تتركز على تبادل الخبرات والأشكال بين فنيين من خلال حساسية الإبداع الجمالية، فالموضوع يظل قائما ومنفصلا عنها في أشكال فنية متعددة تتراسل من خلال الحواس».

المخيلة والعين

يقول الباحث إن المخيلة والعين هما الوسيلة الأساسية لهذا التراسل بين الفنون لذلك كان لابد لنا من تتبع الوظائف المشتركة لهما في فقه الصورة وتراسل الحواس وتمازجها وتبادل الأفكار والخبرات والأشكال.

مصطلح القصيدة البصرية

يرى د. العظمة بأن القصيدة البصرية هي ابتداع سريالي إلا أنها وجدت عصرها الذهبي مع أصحاب البديع في شعرنا العربي، فابتكروا لها أشكالا متنوعة تخاطب العين للوهلة الأولى لكنها من حيث البنية تقوم على تداخل الشعر والرسم كما تقوم على اكتشاف طاقات الشكل الجمالية في الحرف العربي الأمر الذي اصطلح عليه النقاد بالحرفية فلوحة الحرف العربي لا تقصد أكثر من إثارة بهجة العين كسبيل لتوهج الوجدان واختلاج الفكر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن