ثقافة وفن

المسرح جعلني أفكر بصوت أعلى فهو بحد ذاته صرخة … هيثم طفيلي لـ«الوطن»: الكتابة نوع من السعي نحو الكمال ففي الورق نستطيع ألا نجامل ونكتب بلا كذب

| سارة سلامة

متنقلاً بين الشعر والرواية وكتابة المسرح ليتجه مؤخراً إلى الكتابة الدرامية، إلا أن البداية كانت من خلال مذكرات طفل حالم بكل براءته وصدقه وشغفه بحياة تفهمه أكثر، واستطاع أن يحول المذكرات إلى رواية استغرق في كتابتها 9 سنوات متفرقات، ويحكي فيها عن الحب والمرأة والوطن، وكان هيثم الطفيلي يكتشف نفسه مجدداً في «نور شام.. مذكرات مدينة»، إلى أن أخذته مصادفة قد تكون الأجمل في حياته إلى كتابة مسرحية بعنوان «تفل قهوة»، ليكون أول كاتب سوري يكتب للمسرح باللهجة اللبنانية وهذا ما اعتبرته الصحافة اللبنانية ربما تهكماً لتكتب اسمه بالخط العريض، ولأنه اختار أن يكون متمرداً على كل شيء اندفع إلى ابتكار مونولوج كوني بين آدم وحواء يحاكي البشرية ويتحدث فيه عن كل شيء فينحاز لحواء مراراً كما ينصاع لآدم، ويرسم المرأة في كلماته محاولاً عابثاً أن يحقق لها العدل لا المساواة.
وعلى الرغم من أنه استمد من سماء قريته الواسعة حوش الصالحية القابعة في الغوطة الخيال الكبير، فإنه يعشق دمشق التي يراها كعيون الأنثى لا تشيخ أبداً وتشهيه على الكتابة في كل مرة.
اليوم هيثم يحكي لـ«الوطن» عن نشأته وبداية رحلته وما قدمه وما يحضره في هذا الحوار..

بداية حدثنا عن بدايتك مع الكتابة ومن كان يقرأ لك؟
في الفترة الأولى لم أسمح لأحد بقراءة كتاباتي إلا أن المرحلة الجامعية دمرت هذه الحواجز ولطالما شاركت بمجلة الحائط والرسائل التي اضطررت أن أكتبها لأصدقائي والأمسيات الشعرية التي قمت بها على فشلها تنظيمياً إلا أنها كانت صادقة.

بعدها انحزت للرواية، لماذا؟
وبعد انتهائي من المرحلة الجامعية في عام 2007 بدأت بكتابة الرواية حيث كان لدي وقت فراغ أكبر، وانتهيت منها في العام 2011، ونشأت الفكرة على شكل مذكرات كتبتها ولكني أصررت أن تبقى مسودة وتطبع كمسودة، والآن عندما أقرؤها أشعر بالاختلاف الكبير مع أسلوبي اليوم ومع أني أستطيع تعديلها إلا أنني تركتها وحافظت عليها كما هي.
وفي عام 2012 رجعت للكتابة فيها من دون قصد مع اندلاع الحرب في سورية وكنت كلما أغلقت صفحة قلت إنها الأخيرة ولكن لم أكن أجد نفسي إلا أكتب مجدداً إلى أن انتهيت منها وأغلقتها، وأخذت مني 9 سنوات ولكن ليس بالنسق نفسه وهناك فترات توقف قد تصل إلى 3 سنوات، وبنهاية عام 2015 أعطيتها لدار النشر وكانت باسم «نور شام.. ذاكرة مدينة».

هل تستطيع الكتابة أن تزيل حزنك؟
أعتبر أن الكتابة هي حالة حزن إذا أردنا أن نتخلص منه نشاركه مع غيرنا بعكس الفرح الذي كلما شاركنا الناس به ازداد، والكتابة هكذا هي حمولة تحتاج إلى أن نرميها على الورق.

ما الشيء الذي دفعك لكتابة المسرحية؟
وبعد أن أعطيتها لدار النشر بشهرين بدأت فكرة كتابة مسرحية تطوف في ذهني وطبعاً بتشجيع وفكرة الزميلة مروة قرعوني وهي مخرجة أفلام قصيرة وأيضاً ممثلة، حبها للمسرح دفعها أن تخوض تلك التجربة وبسبب إصرارها كتبت المسرحية وكانت مونودراما من أصعب أنواع المسرحيات، باسم «تفل قهوة»، بما أنني تناولت المرأة وأعتبر أننا إذا أردنا معرفة رقي أي وطن يجب أن نسأل عن حال المرأة فيه وكيف تعيش ونظرة المجتمع لها، فأنا لست مع المساواة بين الرجل والمرأة فهناك مهن لا تصلح للنساء لذلك أنا مع العدالة.
وكانت فكرة كتابة المسرحية هدية جميلة من القدر، حيث تناولت فيها شيئاً يشبه روايتي عن المرأة والوطن ولكن بتفاصيل أخرى وإضافة إلى ذلك تناولت رجال الدين والسياسة والحرب، وبدأنا نعرض في بيروت، حيث كتبت عنا الصحافة اللبنانية بالمانشيت العريض «كاتب سوري يقتحم المسرح اللبناني»، واعتبرت أول كاتب سوري يكتب باللهجة اللبنانية.

لماذا اخترت اللهجة اللبنانية في مسرحك السوري؟
المسرحية تمثل لبنان وسورية في الوقت ذاته ولا أرى أن هناك أي ضرر إذا كتبت بلهجات مختلفة لأنني كاتب ومهنتي هي اللغة، على حين الممثل إذا قلد لهجة فسيمثل ويصطنع وقد لا يستطيع أن يحيا بها في المسرح، وبرأيي إن الكاتب يستطيع أن يكتب بلهجات مختلفة.

أين عرضت المسرحية؟
البداية كانت في لبنان وفي الحقيقة كان العرض فوق تصوراتنا حيث عدنا بإيرادات كبيرة خلال 15 يوم عرض.
وبعدها في دمشق على مسرح القباني واشترطت على المديرية أن تكون البطاقات مجانية لأن الإنتاج كان علينا حيث عرضنا لمدة أسبوع وكان الجمهور غفيراً.
وبعده في شرم الشيخ واستمررنا في العرض مدة 10 أيام وتناولوا العرض في القنوات المصرية.

هناك عمل تلفزيوني قريب؟
ربما شجعني نجاح المسرحية الأولى أن أكمل هذا الخط الذي بدأت به وكتبت عن الحب والمرأة والوطن شعراً ومسرحاً ورواية وكملته بالتلفزيون، والعمل يعتبر سلاماً لفيروز وهو عبارة عن ثنائيات وقصص حب كل قصة تحمل اسم أغنية لفيروز، وهو عمل سوري مع وجود بعض الشخصيات اللبنانية والآن هناك مفاوضات بين شركتين.

نراك تنتقل بين الشعر والرواية والمسرح والتلفزيون، ما الشيء الذي يمثلك؟
يقول عني البعض إنني كاتب شامل وإضافة لذلك طلب مني كتابة فيلم ولكني لست متهيئاً ولا أملك الوقت الكافي وعندي التزامات مثل الزاوية الأسبوعية في موقع قناة الميادين.

هل اتجهت للتلفزيون من أجل المردود المادي؟
الإيراد الذي أخذته من المسرح ربما أفضل من التلفزيون بالنسبة للجهد ونحن لدينا أجور الكتاب تصل إلى أقل من 10 بالمئة من ثمن بطل المسلسل.
هل تكتب من أجل اسم تبنيته أو فكرة تتبناها؟
لست منافقاً لأقول أريد أن أوصل فكرتي فقط فأنا أطمح في أن يصل اسمي لأن المشاهد يختلف بين المسرح والتلفزيون، ولا أعتمد على كتابتي كي أعيش، وإذا اضطررت في يوم من الأيام على كتابة أغنية فسأكتب ولو كان صوتي جميلاً لغنيت ما أكتبه.

ماذا أضافت لك التجربة المسرحية؟
المسرح جعلني أفكر بصوت أعلى بكثير وهو يجعلنا نصرخ والمسرح بحد ذاته صرخة، ومن أجل ذلك انتهيت من كتابة مسرحية أخرى باسم «الله ليس في المعبد»، وسنبدأ بروفات قريباً بها، تمثيل مروة قرعوني التي تؤمن دائماً بالفكرة التي أطرحها والعرض سيكون في مسرح الحمرا أي سنعرض في دمشق قبل بيروت ونجهز لعرضها أيضاً في تونس ومصر وهي إنتاج مشترك بيني وبين مروة.

وماذا تحضر الآن غير ذلك؟
بدأت بكتابة رواية عن الموضوع نفسه اسمها «قمح في جوار زحل» على افتراض أن آدم وحواء ما زالا على قيد الحياة يراقبان تصرفات البشرية، وأعتبر أن حوار آدم وحواء هو مونولوج الكون، أحياناً تكون نظرة آدم أعمق ببعض المواضيع وربما العكس، ومن خلال حوارهما أستطيع أن أتحدث عن أي شيء، مثل المسرح والأدب وعن رواية أحببتها وعن مدينة زرتها وأيضاً عن الدراما.

ما طموحك اليوم وإلى ماذا تتطلع؟
طموحي ألا أفقد شهية الكتابة وأخاف من الجفاف الفكري الذي أشبهه بمرض السرطان حيث يشعر المرء بأنه بلا جناح وفي حالة شلل كامل، وأطمح في ترجمة ما أكتبه في يوم من الأيام ولو كان على نفقتي الخاصة.

ماذا قدمت لك ضيعتك في الغوطة؟
أفخر أنني ابن ضيعة تدعى «حوش الصالحية» بالغوطة الشرقية وبالطبع أنا ممتن لضيعتي التي أصبحت اليوم خراباً، وأقول إن السماء في دمشق يمكن أن تكون قريبة ولكن في ضيعتي السماء واسعة أكثر.
وفي دمشق الأولاد يلعبون بالملاهي ويرسمون، أما في الضيعة فهم يلعبون بالطين ويتسلقون الأشجار وغيرها الكثير من التفاصيل الصغيرة، وأعتبر أن الجنون في الضيعة يكون أكبر، وأرى أن الخيال هو أبو الواقع والكتابة نوع من السعي للكمال لأننا في الورق نستطيع ألا نجامل وأن نكتب بلا كذب أو غش.

كم أحزنك ما حدث في الغوطة؟
سورية ستقوم والسوريون شعب فتي وحالم إلى درجة لا يتخيلها العقل ربما لأن اللـه خلق أحلامنا خفيفة، فرغم بحر اليأس من حولنا إلا أنها بقيت تطفو.
والآن نحن نغلق ملف الحرب ونفتح ملف الإعمار ولدي رغبة كبيرة في الكتابة كي لا تتكرر هذه التجربة في أي بلد آخر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن