ثقافة وفن

أسعارٌ غير موحدة تحكم كتب قرائنا الصغار … موضوعات متعددة علمية وتربوية ودينية ومصورة

| سوسن صيداوي

ضجيج الألوان يجذب من البعيد، والأشكال تتنوع كي تلفت الأنظار، فتتراكض الخطوات المرنة نحو الأجنحة التي ارتصفت كي تحمل رفوفها الملقى عليها كتباً، ستطير بالخيالات والآمال عبر آفاق لا محدودة. نعم لقد افتتح – معرض الكتاب الدولي في مكتبة الأسد بدمشق بدورته الثلاثين -بأجنحته محتوياً ومتنوعاً كي يستقطب ويحظى باهتمام الجميع من الكبار وحتى الصغار. نحن سنقف هنا عند أصدقائنا الصغار لتكون كلمة من يخاطبهم بها حاضرة، لتتكلم عن مدى الاهتمام بهم والسعي الجاد لمساعدتهم في تطوير مداركهم وثقافتهم، وهذا لا يعني بأنه ليس للصغار رأي، بل على العكس هم صناع القرارات المستقبلية وسنقف عند رأيهم بما قدمه لهم معرض الكتاب، وللحديث أكثر سنتوقف عند بعض الآراء والنقاط من اختصاصيين وإليكم بها.

صديق الأطفال

من الأسماء المعنية والمهتمة والمثابرة في شأن أدب الأطفال، الكاتب محمد منذر زريق الحاصل على الجائزة الأولى لأدباء الأطفال في سورية من وزارة الثقافة عام2010، والذي أصدر مؤخراً ثلاث قصص: (النهر المغرور، نمولة، الخنفساء الحمراء)، وهي قصص تتوجه للفئة العمرية من 8 إلى 12 سنة، وللحديث أكثر عن أسلوب الكاتب في احتضان الأطفال وشدّ اهتمامهم حدثنا «الكتابة الموجهة إلى الأطفال تشكل بالنسبة إلي عالما من الجمال والسحر بقدر ما هو عالم من التحدي. فالطفل إنسان في غاية الذكاء ينتمي إلى عالم مختلف عن العالم الذي عاش فيه جيلنا، والكتابة لهذا العالم لن ينجح فيها إلا كاتب يحترم ذكاء الطفل، ويستطيع أن يوقظ الطفل الجميل الذي يغفو في أعماق روحه ليحرره من أعباء السنين. وبالنسبة إلي فقد بدأت الإبحار في هذا العالم منذ عام 2009، واستطعت أن أنال الكثير من الحب من أصدقائي الأطفال الذين كتبت لهم. والقصص الأخيرة التي أصدرتها بالتعاون مع الفنانة السورية المتميزة في رسوم الأطفال سناء قولي هي قصص تتوجه للفئة العمرية من 8 إلى 12 سنة، وصادرة عن دار اليقظة الفكرية، الأولى اسمها «النهر المغرور» وهي قصة تؤكد ضرورة العطاء وتضيء على مخاطر التكبر والأنانية. والقصة الثانية عنوانها «نمولة» وهي تستفيد من حقيقة علمية من عالم الحشرات، وهي أن النمل يربي حشرات صغيرة جداً كما يربي الإنسان الأبقار للحصول على الغذاء منها، وبهذه القصة إضاءة على حب المجتمع الذي ننتمي إليه والعمل من أجله. وأما القصة الثالثة فهي قصة «الخنفساء الحمراء» وموضوعها الحفاظ على البيئة والتوازن الطبيعي في الكون». وعن تأثير الصورة في استمتاع الطفل وجذب اهتمامه يتابع الكاتب زريق «لقد قدمت الفنانة سناء قولي أفكاري للأطفال برسوم في غاية الجمال والجاذبية، بأسلوبها الخاص الذي تستخدم فيه فن الكولاج، وبألوان تنبض بالسحر والروعة. فالرسوم هي أكثر ما يجعل رحلة القراءة ممتعة للطفل. وحول أهمية أدب الأطفال وضرورة اكتساب المهارات في تطويره، مع لفت الانتباه إلى إقبال الأطفال لزيارة معرض الكتاب في مكتبة الأسد يختم حديثه «يتم الآن توزيع قصصي في دار راتب الجامعية جناح رقم D4 في معرض الكتاب العربي بمكتبة الأسد، ويوزع لي كذلك بجناح وزارة الثقافة قصتي«عصفور التين». الإقبال الأولي على القصص كان رائعا جدا. ولا يخفى حاجة مكتبتنا العربية الماسة لهذه النوعية من الكتب، وقد رأيت في المعرض الكثير من الإصدارات المميزة الموجهة للطفل. وإن كنت أرجو إقامة معرض خاص بأدب الأطفال قريبا في مكتبة الأسد ليشكل حافزا كبيراً للأدباء والناشرين للعناية بهذا النوع المهم من الأدب. كما أن إقامة معرض خاص بأدب الطفل ستكون فرصة كبيرة للأهل وللأطفال للاطلاع على كتب كثيرة مختلفة تتوجه لهذا العالم الجميل ليستطيعوا اختيار الأفضل بما يتلاءم مع حاجات الطفل وميوله واهتماماته.

عروض وتشجيع

تنوعت الكتب المعروضة في دور النشر بين الألوان والأحجام مع محتوى المواضيع وتباين الأسعار، فعلى الرفوف هناك الكتب العلمية والكتب التربوية التعليمية والكتب الدينية إضافة إلى الموسوعات والقصص والحكايات المصورة، هذا إضافة إلى العروض التشجيعية واللافتة لنظر زوار المعرض الصغار، وزوار المعرض الكبار وخصوصاً ذوي الدخل المحدود، حيث تفاوتت أسعار الكتب بين 500 ليرة سورية و3000 ليرة سورية في القطعة الواحدة، ومن بين العروض التشجيعية انتشار حقائب مخصصة بألوان زرقاء وزهرية تحوي على قصة ودفتر تلوين ورسومات وسيديه تعليمي، وهي بسعر (500 ليرة سورية) فقط للحقيبة الواحدة. هذا إلى جانب الحسومات التي تصل للسلسلة التعليمية مثلا ذات الأجزاء العشرة، إلى سعر (11000 ليرة سورية)، على حين القطعة الواحدة منها بسعر 1500 ليرة. وحول الأمور التي ذكرناها أعلاه تخبرنا دار نشر الحافظ عن أسلوبها في العرض والتقديم: «نحن نهتم جداً بأن أي طفل يزورنا لديه القدرة على شراء ولو قطعة واحدة، فالأسعار لدينا تبدأ من خمسمئة ليرة، وأسعار الموسوعات العلمية ثلاثة آلاف ليرة. بصراحة ليست كل الشرائح قادرة على الشراء، فالعائلات الميسورة قادرة على حين ذوي الدخل المحدود غير مقبلين، ولكن حتى مع عدم توافر السيولة بشكل كبير إلا أن طباع الناس هي الحكم بين الراغب الحقيقي في اقتناء الكتب وبين غير المهتم، بمعنى أن الذي يهوى القراءة يسعى للشراء واقتناء الكتاب مهما كان ثمنه».

الكتاب العجيب يربح

أثناء جولتنا في أجنحة المعرض في مكتبة الأسد، توقفنا أمام خدعة بصرية لجأت إليها دار المكتبي كي تدفع الزوار الصغار وحتى الكبار إلى دخول جناحها وشراء الكتب، ولكن عن سعر الكتب ومواضيعها نبدأ: «لدينا فرع في القاهرة وفي الشارقة، ولكن الكتب من تأليف مبدعينا السوريين. الأسعار يراها الزائر غالية للوهلة الأولى، ولكننا نحاول إرضاء الجميع من خلال تقديم الحسومات. بشكل عام الإقبال جيد واهتمام الأهل نحو الكتب العلمية والتثقيفية أكثر من الكتب ذات المواضيع الترفيهية، والزوار يدعوننا للتفاؤل لكونهم جادين بالشراء. ونحن كدار للنشر كي نلفت النظر ونحث الأطفال لزيارة جناحنا، قمنا بطباعة كتاب «الكتاب العجيب» الذي تمكن من إثارة فضول الأطفال والكبار والشيوخ أيضاً. الكتاب صممه مهندس، ومن خلال طريقته في قص الورق وترتيبه، عند فتح الكتاب والتقليب فيه، يرى المشاهد للوهلة الأولى الصفحات بيضاء، وعند فتح الكتاب للمرة الثانية تظهر الرسومات، وفي المرة الثالثة تظهر النصوص، إذا لهذا أطلقنا عليه اسم «الكتاب العجيب»، وهو بسعر 1000 ليرة سورية وحقق الكثير من المبيعات لكونه أثار فضول الطفل ومخيلته».

الأسعار ليست موحدة

من بين الزوار كان هناك العديد من الأطفال التواقين لاقتناء الكتب ولكن النقود لا تكفيهم لشراء كل ما يرغبون فيه، فالأسعار لا تناسب الجميع، وحتى هي غير موحدة في الكتب التي تحمل العناوين نفسها، هذا ما أخبرنا به الطفل قيس حمدان وهو في الصف السادس قائلا: «في كل مرة أحضر إلى معرض الكتاب أشتري أطلسا معينا وهذه المرة اشتريت أطلس الفضاء، أنا أحب الكتب العلمية كثيرا. في الحقيقة الأسعار غالية، ولكنني أتجول بين الأجنحة كي أحصل على السعر الأرخص، فالأسعار ليست موحدة».
بينما أخبرنا الطفل أدونيس حذيفي عن طبيعة الكتب التي زار المعرض كي يشتريها: «عمري أربعة عشرة عاماً وسأصبح بالمستقبل طبيبا، وطموحي أن أكمل تعليمي في مدرسة المتميزين. لقد اخترت كتاب «العراب» وبعضا من الكتب البوليسية لأنني أحب المغامرات فهي قصص شائقة، أما بالنسبة للأسعار، فهناك أجنحة تبيع الكتب بسعر 2500 بينما في أجنحة أخرى الكتاب نفسه يكون سعره 2000ليرة».
وعن دور الأهل في توجيه أطفالهم لشراء الكتب القيمة حدثتنا السيدة سعاد حسين قائلة «بناتي أعمارهن أربعة عشر عاماً وثلاثة عشر عاما، أنا سعيدة جداً لأن هذه الدورة لمعرض الكتاب أفضل من الدورتين السابقتين، فالأجنحة أكثر والكتب أكبر بنوعيتها، وأنا مصرة على أن أشتري للفتيات كتباً وروايات علمية، فابنتي الصغيرة تحب عالم الحيوان والديناصورات، ووجدت لها ما تريد من كتب، وعن الأسعار لقد وجدتها جيدة نوعا ما وتناسبنا نحن ذوي الدخل المحدود».

أطفالنا المميزون

حتى بين الأجنحة كان هناك من أطفالنا رواد المعهد الوطني للمتميزين، وعن اختياراتهم للكتب يحدثوننا تباعا، والبداية مع الطفل ملهم عربي «أنا أدرس بالمعهد الوطني للمتميزين، ولقد اشتريت كتب خيال علمي وأدب وكتب تعليم اللغة الإنكليزية. بالنسبة لي الأسعار جيدة لم أجدها غالية، ولفت نظري في المعرض هذا العام الموسوعات العلمية المخصصة للأطفال والكبار».
بينما محمد استفاد من الحسومات في المعرض قائلا: «أنا اهتماماتي بكتب الأدب والشعر فميولي أدبية، اشتريت كتابا عن حياة الشاعر جرير، بصراحة الأسعار مرتفعة، ولكن بعد الخصم أصبحت مناسبة لي لكوني من طلاب المركز الوطني للمتميزين واستفدت من الخصم الواصل إلى75%».
على حين طارق لم يجد ما كان يبحث عنه من كتب فيقول: «بحثت عن نوعية معينة من الكتب العلمية لأني أحب الكيمياء، فلم أجد لأنني كنت أرغب الكتب باللغة الأجنبية، ولكنني وجدت كتاب كيمياء المحاليل المائية وكتاباً عن نظم الشعر الأدبي وعن حياة نزار قباني وسليمان العيسى فاشتريتها».

في التنظيم واختيار الكتب

توقفنا مع كاتبة قصة وسيناريو للأطفال أريج بوادقجي – والمنتظر صدور مجموعة قصصية لها تحمل عنوان «قلوب صغيرة» خلال أيام معرض الكتاب وهي موجهة للأطفال من عمر 9 إلى 13 سنة، صادرة عن الهيئة السورية للكتاب، وتتحدث عن قيم العطاء والوطن والمحبة والأمل – حدثتنا بداية عن الجانب التنظيمي والرقابي في اختيار كتب الأطفال: إنّه معرض الكتاب العربي، يشرق علينا من جديد، فاتحاً ذراعيه ككتاب كُتِب بحبر الوعي والإبداع، منادياً: «فكرنا مازال بخير، ثقافتنا مازالت بخير، مجتمع يقرأ… مجتمع يبني»… وما يؤكّد هذه المقولة، محبّة الناس للمعرض، وتلهفهم لزيارته… وبالحديث عن أدب الأطفال وما يُقدّم لهم، نعود إلى المقولة، ونسأل أنفسنا: ماذا يقرأ أطفالنا؟ وماذا نبني؟ وهل ينفع أن نعيد طباعة كُتب طبعت منذ عشرات السنين؟ أم إن عملية البناء- بعد ما مرّ علينا- تحتاج إلى وضع أسسٍ ومعايير جديدة؟. من هنا وحفاظا على مستوى معيّن من الكتب المقدّمة للطفل في المعرض، تمّ تشكيل لجنة تُعنى بتقييم الكتب التي ستشارك في المعرض من إدارة مكتبة الأسد، وبالتعاون مع وزارة الثقافة- الهيئة السورية للكتاب، وتمّ استبعاد عدّة كُتب مطبوعة ومنشورة للأطفال، تجسّد الفكر المتطرّف والعنف سواء بالمحتوى أم بالرسوم».
وفي جولتها للمعرض وما شاهدته الكاتبة من إقبال للزوار تابعت: «تجوّلت بالمعرض، وأسعدتني المشاركات المتنوعة، من دور نشر سورية وعربية، إضافة إلى التنظيم العالي من إدارة المعرض، والذي أسعدني أكثر إقبال الأطفال على اقتناء الكتب، فاقتربت منهم أكثر لأطلع أكثر… فوجدت دور نشر سورية خاصة تنافس أهم دور النشر العربية والعالمية، من حيث تقديم المحتوى التربوي الهادف، المُدعّم برسوم تناسب الشريحة العمرية، مع الحرص على تقديمها وفق إخراج تبدو عليه ملامح الإبداع بشكل واضح… وبالانتقال إلى جناح الهيئة السورية للكتاب، التابعة لوزارة الثقافة، سنجد سلّة كبيرة من الكتب والمجلّات الموجهة للطفل ولمختلف الشرائح العمرية، وما يميز منشورات الهيئة عدا جودة المحتوى والشكل، قدرتها على الوصول لكلّ طفل سوري، فأسعارها متواضعة وجودتها عالية، وهي في متناولِ الجميع. وفي الكفّة الثانية، سنجد بعض دور النشر المهتمّة بالأطفال، مازالت تعيد وتكرّر طباعة كتب مؤدلجة، يكتبها كاتب أو اثنين، وتعتمدُ منهج الجمع والتكرار رغبة في الاستسهال وسرعة الوصول والبيع، من دون الانتباه إلى الأبعاد الخطرة المؤثّرة في قيم الطفل وتربيته. وهنا أشير إلى ضرورة تفعيل الدور الرقابي لاتحاد الناشرين أو أي جهة أخرى هي مسؤولة عن الموافقة على طباعة هذه الأنواع من الكتب، والاستعانة بالخبراء التربويين لتقييم المحتوى القابل للنشر، مع ضرورة الرجوع إلى الشعار المطروح، مجتمع يقرأ… مجتمع يبني… وأكثر ما يحتاجه قراؤنا الصغار لبناء مستقبلهم كتب تقدّم لهم المعلومات المفيدة والقيم التربوية بأسلوب مبتكر يحاكي ذكاءهم وحسّهم الفني».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن