ثقافة وفن

وقع ثالث كتبه في معرض الكتاب الثلاثين … أيمن زيدان لـ«الوطن»: لستُ كاتباً محترفاً وطموحاتي لا يكفيها عمر واحد

| وائل العدس – تصوير: طارق السعدوني

قبل ساعة من الموعد المحدد، تقاطرت الناس إلى «الجناح E» لحضور حفل توقيع كتاب «تفاصيل»، فازدحم المكان ازدحاماً لم يكن بالحسبان، وكان عسيراً أن يتسع لكل هؤلاء المحبين، فتم كسر القاعدة لتدارك الموقف ونُقلت الطاولات والكتب على عجل إلى ساحة المكتبة لتكون مسرحاً للممثل والمخرج والكاتب أيمن زيدان الذي بالكاد التقط أنفاسه قبل أن يباغته محبوه بطلبات التوقيع والتقاط الصور التذكارية.
إذاً، وقّع زيدان كتابه الجديد في اليوم ما قبل الأخير من فعاليات معرض الكتاب الدولي الثلاثين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، وهو النتاج الثالث له بعد المجموعتين القصصيتين «أوجاع» عام 2015، و«ليلة رمادية» عام 2016.
ويقع الكتاب الصادر عن مؤسسة «سوريانا» للإعلام والإنتاج الفني بطبعته الأولى في مئة وثلاث صفحات من القطع المتوسط، ويتألف من 36 فصلاً.
ويفتتح زيدان كتابه فيقول إن «تفاصيل» لوحة حياة غادرها معظم أبطالها، وهجرتها الأزقة والدروب، وما تبقى منها سوى الحنين.

لحظات مسروقة
وفي تصريحه لـ«الوطن»، قال زيدان إن كتابه لحظات مسروقة من تفاصيل الطفولة وبدايات الشباب، ويحتوي على محطات مهمة، ويسلط الضوء على فترة نستطيع من خلالها استنشاق قصص الزمن التاريخي، وحال الأسرة البسيطة التي نمثلها جميعاً بأحلامها وبالتحديات التي تواجهها، ويرصد تفاصيل تعبر عن أغلبية الأسر المتوسطة التي جاءت من الريف إلى المدينة.
ورداً على سؤال أجاب بأن الكتابة ليست قراراً وإنما لحظة إلهام، لحظة تباغتك وتملي عليك لترميها أنت على الورق، مؤكداً أنه ليس كاتباً محترفاً وإنما يكتب ما تمليه عليه روحه.
وعلق على نشاطه الفني والثقافي المكثفين بأن طموحاته الشخصية لا يكفيها عمر واحد، وأنه يشعر بأن مازالت لديه ساعات مهدرة من عمره.
وأشار إلى أنه ركز في كتابه الجديد نحو «الأكثر تأثيراً»، بمعنى أنك لا تقرأ لتعرف من أيمن زيدان، بل لتتعرف إلى مرحلة تاريخية كاملة، وفترة من الزمن بكل شخصياتها وتفاصيلها، مردفاً بأن الكثير من الأشخاص والدروب والأزقة عالقة في ذاكرتي ذاك الحين، أعتقد أنها ستؤرخ لمرحلة، بعيداً عن تفاصيل حياتي الشخصية.
وحول الفروق بين كتبه الثلاثة، أوضح زيدان أن «ليلة رمادية» عبارة عن مجموعة قصص قصيرة ينتمي معظمها إلى فترة الأربعينيات، في حين يعبّر كتاب «أوجاع» عن أوجاع ارتدادات الحرب، والقصص في الكتابين متخيلة، أما في «تفاصيل» فإنني أرصد لحظات حياتية وتجربة ذاتية حقيقية منذ طفولتي وصبايّ وحتى بدء الدخول في العمل الفني، ما يشبه التوثيق.
وعن الحزن الذي يطغى على كتاباته تساءل: هل هذا الزمن جدير بالفرح؟ ومن أين نستعير هذا الفرح؟. وتابع: دعونا لا نجامل، أحلامنا وحياتنا لم تصلا إلى ما نصبو إليه، وعلى الإنسان أن يكون حقيقياً على المستوى الوجداني، وأتمنى أن ترسم الحياة عناوين للفرح لنرصدها.
وختم زيدان حديثه بالإشادة بالطقس الثقافي في معرض الكتاب، واصفاً مكتبة الأسد بأنها من أهم الصروح الثقافية في العالم، وذاكراً بأن ما رآه يؤكد أن السوريين متمسكون بالحياة وبإرادة الحياة وبممارسة ثقافة الحياة.

رحلة شاقة
ينطلق زيدان منذ لحظة ولادته في بلدة «الرحيبة» فجر الأول من أيلول عام 1965، ليوثق مراحل طفولته ومراهقته وسنوات شبابه الأولى.
في فصل الكتاب الأول، كتب زيدان عن ولادته فقال: كانت ولادتي عسيرة بعض الشيء كما روت أمي، فقد كنت بكرها وكان حجمي كبيراً، لكن فرحة الابن البكر في تلك القرى أكبر من وجع الدنيا، أما أبي فلم يمارس تلك المشهدية التي اعتدناها حين يقف الأب عند الباب ويسير بخطوات قلقة بانتظار أن تمر الولادة على خير وتتكحل عيونه بصبي يمنحه شرعية رجولته ولقبه… حين ولدت لم يسمع والدي صرختي الأولى ولم يجفف قطرات العرق المنسابة على وجه أمي، بل كان بعيداً في العاصمة على رأس عمله.
وتحدث عن انتقاله للعيش في الفصل الثاني، فذكر: عمل والدي حملنا إلى أزقة دمشق القديمة بعد سنوات قليلة من ولادتي، فجأة ضاق المدى الرحب لقريتي واختزل بغرفة ضيقة الأرجاء بأثاث متواضع وسرير معدني يعزف ترنيماته الرتيبة كلما تقلب أحد عليه.. ألفنا الضجيج المباغت وبدأنا نمارس مع الجيران الكثر طقوس التشارك الأولى.. الحمّام مشترك المطبخ مشترك وفسحة الدار مشتركة.
ويكشف زيدان في الفصل ذاته أنه في ذلك البيت الدمشقي المزدحم كانت المرة الأولى التي يلامس فيها جسد أنثى ولم يكن قد تجاوز الخامسة من عمره حين وجد نفسه بين أحضان ابنة الجيران الفتية وهي تعبث بجسده الصغير في زاوية الحمام المظلمة، وقال: ما زلت أذكر تهدجات أنفاسها ورعشات جسدها النحيل وذلك العناق العنيف المباغت ومن ثم القبلة الأخيرة الهادئة والوعد القاطع بحفظ هذا السر.. كان هذا هو السر اليتيم الذي احتفظت به في البدايات الأولى.. ومنذ ذلك الحين اعتدت حفظ الأسرار.
وأكد زيدان أنه رغم الزحام والفقر الخجول كانت الحياة في دمشق آنذاك مثيرة للحسد، وخاصة أن أهل قريته يحسدونهم لمجرد العيش في دمشق.
وفي الفصل الثالث يشير إلى أنه طوال السنوات الخمس التي قضاها من طفولته في دمشق ظل والده وفياً لطقسه الذي لا يحيد عنه بالسفر كل أسبوع إلى الرحيبة، ليروي تفاصيل الرحلة الشاقة بدءاً من الحارات القديمة وانتهاءً بالغرفة التي ولد فيها واحتلها جسد جده «زعل»، ليستغرق بعدها في تقليب بعض الصور الحياتية في نهارات وليالي قريته، إلى أن يحين موعد العودة إلى دمشق صباح السبت.
في الفصل السابع عشر، يبدأ زيدان بتلمس أولى مراحل الرجولة عندما بدأت خطوط شاربه الصغيرة تعلن نفسها بخجل، ومعزوفة صوته تتبدل وتصبح أكثر صخباً وخشونة.
حينها، وقع بالحب وبدأ مشروع الأناقة بقمصان أشبه بساحة معركة عنيفة بين الألوان وبنطال مكوي يكاد يكون سيفاً أو نصلاً قاطعاً وقبعة قش مكسيكية يمكن أن تتفيأ بظل قطرها عائلة كاملة.
الحب حينها تطلب أن يدخر من مصروفه لإنجاز ثلاثة أشياء أساسية، هي الذهاب اليومي للحلاق، وشراء علبة السجائر، واقتناء شريط كاسيت لأغاني عبد الحليم حافظ، لكن قصة حبه الأولى خبت فأدمى زفاف حبيبته قلبه الصغير وما كان أمامه سوى البكاء واللوم.
وبالانتقال إلى الفصل الرابع والعشرين نجد أن وضع زيدان الدراسي تراجع بشكل مريع منذ أن استغرق في حلمه الفني المبكر، فتحول من طالب متفوق إلى طالب فوضوي، قبل أن ينتقل للدراسة الثانوية في قريته وتحديداً في منزل جده «شكري» الرجل المهيب وأحد أبرز شخصيات القرية.
هناك بدأ مع أصدقائه للتحضير لحفل فني لأن شيطان التمثيل عاد، وبدأ يبحث عن مواضيع للحفل وكان عنوان مسرحيته الأولى «بصلة في المخفر»، حيث تم بناء خشبة المسرح في ساحة الثانوية. (الفصل 25).
قادته المصادفة أن يكون عضواً في فرقة مسرح احترافية ولم يكن قد تجاوز الخامسة عشرة من عمره، بدأ ممثلاً ثم ملقناً رئيسياً بسرعة قياسية. (الفصل 34).
كانت من أبرز مهامه في الفرقة تدريب الفتيات الجدد، فوقع في حب «كارمن» فاعترف لها بحبها وبادلته المشاعر دون أن يتجاوزا حدود العناق والقبل البريئة.
ويختم زيدان كتابه برواية قصة حدثت في حلب، حيث تطاول عليه أحد الزعران في طريق العودة إلى الفندق بعد نهاية أحد العروض برفقة حبيبته، فتعامل معه بما يجب على العاشق الشهم أن يفعله، قبل أن يتركه على زاوية الشارع بوجه غارق بالدماء، لكنه «شمشمون» أخبره أن الشاب الذي ضربه واعتقد أنه أزعر كان عشيق «كارمن» ومتيماً بها لوقت طويل.

نادين خوري: زيدان صاحب تاريخ كبير وعريق

الفنانة القديرة نادين خوري حضرت حفل التوقيع وأكدت أنها جاءت خصيصاً لهذه المناسبة من دون دعوة وإنما من تلقاء نفسها، للمكانة الكبيرة التي يحتلها زيدان في قلبها.
وشددت على أن زيدان فنان صاحب تاريخ كبير وعريق، ويتمتع بدقة عالية في انتقائه للأدوار والأعمال التي يقدمها، مشيرة إلى أنها رافقته في العديد من المسلسلات إن كانت الكوميدية أو التراجيدية، وأن المسيرة الفنية التي جمعتهما كانت غنية وملأى بالحالات والمتناقضات، وعبرت عن تجارب مثمرة تمتعت بروح التعاون والصدق والمثابرة وحب العمل.
ولفتت إلى أنها ربما تكتب يوماً ما تراه يستحق الكتابة، منوهة بأن زيدان هو الأجدر على كتابة الكثير من المواضيع، كرصد الواقع وتدهور المجتمع، وعن الإنسان الذي تخلى عن إنسانيته وعن الجفاء بين الأفراد، وعن التكنولوجيا التي كانت سبباً في تفريقنا وفي إلغاء لغة الحوار بيننا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن