قضايا وآراء

كيف وفقت الصين بين الإيديولوجيا والتكنولوجيا؟

| د. قحطان السيوفي

وردني بالبريد الالكتروني سؤال من قارئ مغربي ( كيف وفقت الصين الشيوعية بين الايديولوجيا والتكنولوجيا، وهل يستطيع العرب التوفيق بين التخلف والتكنولوجيا؟) سأوضح القسم الأول من السؤال، وأتجاوز القسم الثاني لشعوري انه يعبر عن مرارة وألم لدى السائل..) الصين اليوم دولة عظمى مساحتها شاسعة، سكانها مئات الملايين، اقتصادها الثاني في العالم، يقودها حزب شيوعي يتبنى (ايديولوجيا) الاشتراكية الماركسية، وتعتمد قيادتها اقتصاد السوق، واستطاعت التوفيق بين الايدولوجيا والتكنولوجيا… الرئيس الصيني تشي جينبينج حدد صراحة أولوية أن تكون الصين هي الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدمة الأخرى. ودعم هذا الأمر بخطة تنمية مثيرة للإعجاب.
في الصين، تجربة رائدة في استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه. في برنامج بدأ العام الماضي، تسمح الحكومة الصينية لمستخدمي «وي تشات» بربط بطاقات الهوية الخاصة بهم مع تطبيق واسع الانتشار، تم استحداثه من قبل عملاق التكنولوجيا «تنسنت».
هذا المشروع التجريبي، أحد أكثر الجوانب إثارة للاهتمام في جهود الصين المندفعة في عالم الذكاء الاصطناعي.. ويمتن العلاقة بين الحزب الشيوعي الصيني والشركات التكنولوجية الضخمة في البلاد.
.. تصنع الصين ما يقدر بـ90 في المائة من أجهزة تكنولوجيا المعلومات في العالم، بما في ذلك ثلاثة أرباع الهواتف الذكية. ما يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على بنية تحتية عالمية لتكنولوجيا معلومات تصنع في الصين الأولوية أعطيت للتكنولوجيات الجديدة ما يعني وضع رهان كبير على مجموعة من شركات القطاع الخاص، مثل تنسنت وبايدو وعلي بابا… شركات التكنولوجيا الخاصة ترتبط اسميا مع الدولة الصينية وجهازها الأمني…
الروابط الوثيقة مع الدولة تعني أن شركات التكنولوجيا الصينية تبدو عملياً في أعين منافسيها الدوليين على أنها أسلحة بيد الدولة…
اليوم، تمتلك شركات التكنولوجيا التسع الأولى في الصين، والمملوكة للقطاع الخاص، قيمة سوقية تبلغ نحو 1.5 تريليون دولار. الوجه الجديد للشركات الصينية يشترك في الخصائص الاشتراكية مع أسلافها المملوكة للدولة. فريزر هاوي، مؤلف كتاب «الرأسمالية الحمراء» يصفها بأنها «الشركات التي تشرف عليها الدولة».
ويقول: «كون الشركة غير تابعة للدولة لا يعني أنها خاصة. أصبحت مجموعات التكنولوجيا المحلية جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد الحضري الحديث في الصين.
العلاقات بين الحزب والقطاع الخاص كانت دائما حساسة، كما يقول بروس ديكسون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن.
منذ تسعينيات القرن الماضي، توصل المسؤولون المحليون المكلفون بتعزيز النمو إلى وسائل لتشجيع أصحاب المشاريع الصغيرة في مناطقهم – الذين هم غالباً ما يشكلون واحدا من المصادر الرئيسة للوظائف الجديدة…. ومع ذلك، بدأ الموقف تجاه القطاع الخاص يتغير مع الأزمة المالية في عام 2008، عندما أثار الخوف من الإفلاس بين الشركات المملوكة للدولة – وما يترتب على ذلك من فقدان الوظائف.
المشهد الآن في ظل الرئيس تشي، يشير إلى أن الحزب يعود إلى أساليب متشددة أكثر بحيث إنه لا يراقب فحسب، بل ويوجه إلى حيث يريد الحزب أن يذهب».
يجب على جميع شركات التكنولوجيا الخاصة -المحلية والأجنبية- أن تكون لديها لجنة حزبية خاصة بها.
وكما يقول فينج شيانج، أستاذ القانون في جامعة تسينجهوا: «بهذه الطريقة يمكن الحفاظ على الحوار – «قيادة موحدة للحزب» باللغة التقليدية. يساعد هذا الترتيب الحزب، الذي يعين أيضاً الدولة، على مراقبة ما يحدث في الشركات الخاصة.
«في المقابل، يمكن للشركات الخاصة المطالبة بنوع من المساعدة من الحكومة بينما تمضي بكين قدما في الذكاء الاصطناعي وغيرها من التكنولوجيات… لدى شركات بايدو وعلي بابا وتنسنت -الشركات الثلاث المعروفة بثالوث التكنولوجيا بات BAT- جميعاً مختبرات مشتركة للبحث والتطوير مع مؤسسات حكومية.
تعمل شركة علي بابا، إضافة إلى مجموعة هواوي للاتصالات، مع الحكومات المحلية بشأن مبادرات المدن الذكية….
في وقت مبكر من العام الماضي، تم تعميم خطط للحكومة لاتخاذ «حصة ذهبية» في شركات التكنولوجيا الثلاث الكبرى. على الرغم من أن «شركة الصين للاستثمار»، صندوق الثروة السيادية، لديه في الأصل حصة صغيرة في علي بابا.. صناديق الدولة لا تزال تسبح في عالم التكنولوجيا، يرجع جزئيا إلى الفائض النقدي من الشركات الحكومية التي تسعى بقوة وراء عائدات أفضل.
توجد أكثر من 1000 شركة تسعى إلى زيادة رأس مالها إلى 5.3 تريليونات رنمينبي «787 مليار دولار»، أي ما يعادل ثلث جميع الأصول التي تديرها صناعة الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر في العالم.
تحولت بكين إلى مجموعات التكنولوجيا الغنية بالنقدية عندما أرادت ضخ 11.7 مليار دولار لشركة الاتصالات المعتلة تشاينا يونيكوم في العام الماضي.
تم تصميم منطقة تشيونجان الجديدة الأحدث والأكبر لعرض رؤية تشي للمدينة الرقمية التي تقودها الدولة.
قطاع التكنولوجيا يتقدم بخطى سريعة نحو مجالات لا يمكن تصورها في السابق: السيارات بدون سائق، وصناديق ضخمة من البيانات الشخصية.
بكين تحافظ على المشهد بشكل عام خاليا من المنافسة الأجنبية: شركات فيسبوك وتويتر وجوجل محظورة في الصين..
كتب تشانج على حساب رسمي لشركة الإعلام الاجتماعية توتياو: «لم نكن ندرك أن التكنولوجيا يجب أن تسترشد بالقيم الأساسية للاشتراكية، بحيث يمكن استخدامها لنشر الطاقة الإيجابية، وتلبية متطلبات العصر واحترام النظام العام والعادات الجيدة».
تم استغلال الشركات الخاصة للمساعدة في سياسة العملات الأجنبية والترويج لنماذج بكين المفضلة – مثل مبادرة الحزام والطريق، التي يروج لها رؤساء التكنولوجيا، خاصة رئيس شركة علي بابا.
يقول البروفيسور فنج، الأستاذ في تسينجهوا: « الحكومة يمكن أن تقول للشركات الخاصة: إن مستوى معيناً من التعاون مطلوب قانونا – إنه القانون في الواقع».
التكنولوجيا الصينية موجودة في كل مكان اعترف براد سميث، رئيس «مايكروسوفت»، هذا العام. يجب علينا ألا نقطع أنفسنا عن تألق التكنولوجيا الصينية….
. يدعي الغرب إن الديمقراطية الليبرالية الغربية هي مفتاح الإبداع في التكنولوجيا، لكن تبين أن الاقتصاد المركزي يمكن أن يحقق الابتكار بشكل جيد… لقد نجحت الصين الشيوعية في تحقيق التوازن بين الايديولوجيا والتكنولوجيا في عالم اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن